(الصفحة 104)
فإنّ مقتضى قوله (عليه السلام) : «الجدّ أولى بذلك . . . إن لم يكن الأب زوّجها قبله» الشمول لصورة التقارن .
هذا ، مضافاً إلى حكاية الإجماع(1) عليه في محكيّ جملة من الكتب الفقهيّة ، لكن مقتضى الروايتين صورة وجود الأب والجدّ ، وهل الحكم كذلك بالإضافة إلى الجدّ وأبيه وهكذا ، أم يختصّ بخصوص الأب والجدّ؟ فيه إشكال من أنّ الروايتين واردتان في مورد الأب والجدّ ، والحكم أيضاً مخالف للقاعدة ، مع أنّ فرض التقارن نادر جدّاً ، ومن أنّ المستفاد من الرواية أنّ الجدّ بلحاظ كونه أباً لأبيه يكون مقدّماً عليه ، وهذا يجري بالإضافة إلى الجدّ وأبيه .
هذا ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه ، مثل :
رواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّي لذات يوم عند زياد بن عبدالله إذ جاء رجل يستعدي على أبيه ، فقال : أصلح الله الأمير ، إنّ أبي زوّج ابنتي بغير إذني ، فقال زياد لجلسائه الذين عنده : ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ فقالوا : نكاحه باطل . قال : ثم أقبل عليَّ فقال : ما تقول يا أبا عبدالله؟ فلمّا سألني أقبلت على الذين أجابوه فقلت لهم : أليس فيما تروون أنتم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، إنّ رجلاً جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنت ومالك لأبيك؟ قالوا : بلى ، فقلت لهم : فكيف يكون هذا وهو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه؟ قال : فأخذ بقولهم وترك قولي(2) .
ورواية عليّ بن جعفر المروية في قرب الاسناد ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)
- (1) الإنتصار : 286 ـ 287 ، الخلاف : 4/269 ، السرائر : 2/561 ، غنية النزوع : 342 .
- (2) الكافي : 5/395 ح3 ، الوسائل : 20/290 ، أبواب عقد النكاح ب11 ح5 .
(الصفحة 105)مسألة 4 : يشترط في صحّة تزويج الأب والجدّ ونفوذه عدم المفسدة وإلاّ يكون العقد فضوليّاً كالأجنبي تتوقّف صحته على إجازة الصغير بعد البلوغ ، بل الأحوط مراعاة المصلحة1.
قال : سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته ، فهوى أن يزوّج أحدهما وهوى أبوه الآخر أيّهما أحقّ أن ينكح؟ قال : الذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية ، لأنّها وأباها للجدّ(1) .
هذا ، ولو جهل تاريخ العقدين الصادرين عن الأب والجدّ ، ففي المتن لزم إجراء حكم العلم الإجمالي بكونها زوجة لأحدهما من التعيين بالقرعة أو الاحتياط بطلاق الزوجين معاً ، ثم ازدواج أحدهما أو الآخر معها بعقد جديد بعد انقضاء العدّة ، وإن علم تاريخ أحدهما فهو المقدّم على الآخر لاصالة تأخّر الحادث ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط في هذه الصورة ، كما لا يخفى .1 ـ لا شبهة في اعتبار عدم المفسدة في صحّة تزويج الأب أو الجدّ الصغير أو الصغيرة ، لأنّ ولايتهما عليهما لا تكون ولاية مطلقة ، بل إنّما جعلت لهما لأجل عدم التضرّر بهما ، وإلاّ يكون العقد فضوليّاً يتوقّف على الإجازة بعد البلوغ والرّشد .
وهل يكفي مجرّد عدم المفسدة أو اللازم مراعاة المصلحة؟ مقتضى الاحتياط اللزومي الثاني خصوصاً مع أنّ مقتضى الاستصحاب عدم تحقّق النكاح مع عدم رعاية المصلحة ، لكنّ المصلحة المرعيّة لا تكون مصلحة خاصّة راجعة إلى خصوص الاُمور المالية أو غيرها ، بل مطلق المصلحة ، ولا يختصّ ذلك بالنكاح
- (1) قرب الإسناد : 285/1128 ، مسائل علي بن جعفر : 109/19 ، الوسائل : 20/291 ، أبواب عقد النكاح ب11 ح8 .
(الصفحة 106)مسألة 5 : إذا وقع العقد من الأب أو الجدّ عن الصغير أو الصغيرة مع مراعاة ما يجب مراعاته لا خيار لهما بعد بلوغهما ، بل هو لازم عليهما1.
الدائم ، ففي النكاح المنقطع أيضاً تلزم رعايتها ، فانّه لو قلنا بصحّة نكاح الصغيرة بصورة الانقطاع ، ولو لم يبلغ الأجل المعيّن إلى ما بعد البلوغ بل كان ساعة أو ساعتين ، يكون اللازم حينئذ أن يكون النكاح المذكور مصلحة لها بأيّ نحو ، بأن يكون النكاح دخيلاً في شدّة المراقبة منها أو سهولة المراقبة أو في ثبوت مهر لها معتدّ به ، ونظائر ذلك ممّا يكون بصلاحها ، وإلاّ فمجرّد العقد بدون مراعاة المصلحة محلّ إشكال كما لايخفى ، وهكذا بالإضافة إلى الصغير .1 ـ إذا زوّج الأبوان الصغيرين مراعيين ما يعتبر في جواز ذلك لزمهما العقد ، لأنّ الوليّ يقوم مقام المولّى عليه ، وللروايات المعتبرة التي منها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصّبية يزوّجها أبوها ثم يموت وهي صغيرة ، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها يجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال : يجوز عليها تزويج أبيها(1) . وبعض الروايات الاُخر .
وفي مقابلها ما يدلّ على ثبوت الخيار لها بعد البلوغ مثل :
صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصبيّ يزوّج الصّبية؟ قال : إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز ، ولكن لهما الخيار إذا أدركا ، فإن رضيا بعد ذلك فإنّ المهر على الأب ، قلت له : فهل يجوز طلاق الأب على ابنه في
- (1) الكافي : 5/394 ح9 ، الفقيه : 3/250 ح 1191 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2/18 ح 44 ، التهذيب : 7/381 ح 1541 ، الإستبصار : 3/239 ح 857 ، الوسائل : 20/275 ، أبواب عقد النكاح ب6 ح1 .
(الصفحة 107)مسألة 6 : لو زوّج الوليّ الصغيرة بدون مهر المثل أو زوّج الصغير بأزيد منه فإن كانت هناك مصلحة تقتضي ذلك صحّ العقد والمهر ولزم ، وإن كانت المصلحة في نفس التزويج دون المهر فالأقوى صحّة العقد ولزومه وبطلان المهر بمعنى عدم نفوذه وتوقّفه على الإجازة بعد البلوغ ، فإن أجاز استقرّ وإلاّ رجع إلى مهر المثل1.مسألة 7 : السفيه المبذّر المتّصل سفهه بزمان صغره أو حجر عليه للتبذير
صغره؟ قال : لا(1) . وبعض الروايات الاُخر .
هذا ، ولكن هذه الطائفة إن لم تكن قابلة للحمل على ما لا يعارض الطائفة الاُولى يكون الترجيح مع غيرها ، لموافقتها للشهرة المحقّقة التي هي أوّل المرجّحات على مختارنا .1 ـ لو زوّج الوليّ الصغيرة بدون مهر المثل أو زوّج الصغير بأزيد من مهر المثل ففي المسألة صورتان :
الصورة الاُولى : ما إذا كانت هناك مصلحة في مجموع هذا التزويج الشامل للمهر ، وفي هذه الصورة يصحّ العقد والمهر ويلزم ، ولا خيار له بعد البلوغ بوجه لوقوع العقد من الوليّ مع مراعاة ما تجب مراعاته .
الصورة الثانية : ما إذا كانت المصلحة في أصل التزويج دون المهر ، وفي هذه الصورة يقع الانفكاك بين العقد والمهر ، فالأوّل صحيح ولازم ، والثاني باطل بمعنى التوقّف على الإجازة بعد البلوغ ، فإن أجاز استقرّ وإلاّ فيرجع إلى أجرة المثل كالنكاح بدون المهر رأساً ، فتدبّر .
- (1) التهذيب : 7/382 ح1543 ، الاستبصار : 3/236 ح854 ، الوسائل : 20/277 ، أبواب عقد النكاح ب6 ح8 .
(الصفحة 108)لايصحّ نكاحه إلاّ باذن أبيه أو جدّه أو الحاكم مع فقدهما ، وتعيين المهر والمرأة إلى الوليّ ، ولو تزوّج بدون الاذن وقف على الإجازة ، فإن رأى المصلحة وأجاز جاز ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة 1.مسألة 8 : إذا زوّج الوليّ المولّى عليه بمن له عيب لم يصحّ ولم ينفذ ، سواء
1 ـ السفيه المبذّر المتصل سفهه بزمان صغره أو المحجور عليه لأجل ذلك أي التبذير لا يجوز له أن يتزوّج غير مضطرّ إن كان فيه اتلاف لماله ، وقد نفى وجدان الخلاف فيه والإشكال المعتدّ به صاحب الجواهر(قدس سره)(1) . ولو أوقع العقد كان فاسداً وإن أذن له الوليّ ، لأنها لا تكون مؤثّرة في هذه الحالة . وذكر في الشرائع : أنّه إن اضطرّ إلى النكاح جاز للحاكم أن يأذن له ، سواء عيّن الزوجة أو أطلق(2) .
وصريح المتن أنّ تعيين المهر والمرأة إلى الوليّ ، أمّا تعيين المهر فواضح ، وأمّا تعيين المرأة فقد يقال : إنّه لا يزيد حجره على المملوك الذي يكفي في صحّة تزويجه الاذن له بذلك من غير تعيين ، فلا يكون هناك تفريط من الولي بعد معلوميته تقييد جواز ذلك شرعاً بما لا ينافي مصلحة ماله ويؤدّي إلى فساده ، ولكن حيث إنّ تعيين المرأة لا يرتبط بالمهر فقط ، بل له أثر في المستقبل بلحاظ اختلافهنّ في الشأن ، واللازم في النفقة الواجبة على الزوج رعاية شأن المرأة من هذه الجهة ، فاللازم أن يكون اختيار المرأة وتعيينها بيد الولي كما عن بعضهم(3) من التصريح بوجوب التعيين عليه ، كما لايخفى .
- (1) جواهر الكلام : 29/191 .
- (2) شرائع الإسلام : 2/277 .
- (3) جامع المقاصد : 12/101 .