(الصفحة 602)مسألة 20 : إن لم يكن له مال يفي بنفقة نفسه وزوجته وأقاربه الواجبي النفقة فهو مقدّم على زوجته ، وهي على أقاربه ، فما فضل من قوته صرفه عليها ، ولا يدفع إلى الأقارب إلاّ ما يفضل عن نفقتها1.
1 ـ نفقة النفس مقدّمة على نفقة الزوجة عند التعارض بلا خلاف ولا إشكال ; لأهميّة النفس عند الشارع ، والزوجة مقدّمة على الأقارب لكونها من المعاوضة ، وقد عرفت في المسألة السابقة ثبوت استحقاق الزوجة لها مطلقاً ، سواء كانت فقيرة أو غنية ، ومع عدم أداء الزوج يكون ديناً عليه ، بخلاف نفقة الأقارب الّتي يعتبر فيها الفقر والحاجة ، ولا تكون ديناً على المُنفق بحيث كان يجب عليه قضاؤه .
وقد فرّع المحقّق في الشرائع على ما ذكره قوله : فما فَضُل عن قوته صرفه إليها ـ يعني الزوجة ـ ثمّ لا يدفع إلى الأقارب إلاّ ما يفضل عن واجب نفقة الزوجة; لأنّها نفقة معاوضة ، وتثبت في الذّمة(1) . وعن بعض الشافعيّة(2) تقديم نفقة الطفل على الزوجة ، وهو في غير محلّه ، وأضعف منه احتمال تقديم نفقة القريب مطلقاً عليها ، باعتبار كونها من الديون الّتي تقدّم نفقة القريب عليها كما في المفلّس ، وربّما يؤيّد
ببعض الروايات من غير طرقنا(3) . مضافاً إلى عدم وضوح دلالتها ، فالحقّ في المسألة ما ذكر .
- (1) شرائع الإسلام : 2/352 .
- (2) روضة الطالبين : 8/57 ـ 58 .
- (3) السنن الكبرى للبيهقي : 7/466 ، سنن أبي داود : 265 ح1691 .
(الصفحة 603)
القول في نفقة الأقارب
مسألة 1 : يجب على التفصيل الآتي الإنفاق على الأبوين وآبائهما وأمّهاتهما وإن علوا ، وعلى الأولاد وأولادهم وإن نزلوا ، ذكوراً واناثاً ، صغيراً أو كبيراً ، مسلماً أو كافراً ، ولا يجب على غير العمودين من الأقارب وإن استحبّ خصوصاً الوارث منه1.
1 ـ تجب النفقة على الأبوين والأولاد إجماعاً من علماء الفريقين(1) ، ويدلّ عليه روايات مستفيضة :
ففي رواية حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : من الذي أُجبر عليه وتلزمُني نفقته؟ قال : الوالدان والولد والزوجة(2)
- (1) الخلاف : 5/120 و124 ، مسالك الأفهام : 8/483 ، رياض المسائل : 7/267 ، المغني لابن قدامة : 9/256 ، الشرح الكبير : 9/274 .
- (2) الكافي : 4/13 ح1 ، التهذيب : 6/293 ح 812 ، الإستبصار : 3/43 ح 144 ، الخصال : 247 ح 109 ، الوسائل : 21/525 ، أبواب النفقات ب11 ح3 .
(الصفحة 604)
ومثلها رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)(1) .
ومرسلة جميل بن دراج المضمرة قال : لا يجبر الرجل إلاّ على نفقة الأبوين والولد ، قال ابن أبي عمير : قلت لجميل : والمرأة؟ قال : قد روى عنبسة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه وإلاّ طلّقها ، قلت : فهل يُجبر على نفقة الأُخت؟ فقال : لو أُجبر على نفقة الأُخت كان ذلك خلاف الرواية(2) .
إلى غير ذلك من النصوص(3) الدّالة عليه ، الّتي لا يبقى مع ملاحظة الجميع ارتياب في أصل وجوب نفقة الأقارب في الجملة ، إنّما الكلام في وجوب الإنفاق على آباء الأبوين وأمّهاتهما ، فقد تردّد المحقّق(4) في ذلك في الشرائع ، ثمّ استظهر الوجوب ، وقال صاحب الجواهر : لم نعرف المناقشة من أحد منهم سوى المصنّف هنا وفي النافع(5) (6) . والدليل على الثبوت الظنّ لو لا القطع بأنّ المراد من الأبوين هما الأبوان ومن علا ولو بمعونة الإتّفاق ظاهراً ، خصوصاً بعد إشعار الخبر(7)الوارد في الزكاة الدّال على أنّه يعطى من الزكاة الأخ والأخت والعم والعمّة والخال والخالة ، ولا يعطى الجدّ والجدّة مع حرمة الزكاة لواجبي النفقة ، فليس النهي عن الأخيرين إلاّ لوجوب الإنفاق عليهما .
- (1) الكافي : 4/13 ح3 ، الوسائل : 21/526 ، أبواب النفقات ب11 ح5 .
- (2) الكافي : 5/512 ح 8 ، الوسائل : 21/510 ، أبواب النفقات ب1 ح4 .
- (3) الوسائل : 21/507 ـ 512 و525 ـ 526 ، أبواب النفقات ب1 و11 .
- (4) شرائع الإسلام : 2/352 .
- (5) المختصر النافع : 220 .
- (6) جواهر الكلام : 31/367 .
- (7) الوسائل : 9/241 ـ 242 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب13 .
(الصفحة 605)
وكذا الكلام في أولاد الأولاد ولو البنات منهم وإن نزلوا ، وهم خارجون عن محلّ ترديد المحقّق والدليل على ثبوت وجوب الإنفاق بالإضافة إليهم ما مرّ في آباء الآباء ، مضافاً إلى قوله تعالى :
{لاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَق نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}(1) .
نعم ، لا إشكال ولا خلاف في أنّه لا تجب نفقة غير العمودين والأواد من الأقارب ، كالإخوة والأعمام والأخوال وغيرهم ، لما عرفت من الحصر في النصوص السابقة بالأبوين والأولاد والزوجة ، بل قد عرفت في مرسلة جميل أنّه لو أُجبر على نفقة الأُخت كان خلاف الرواية .
وفي صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً : الأب ، والأُم ، والولد ، والمملوك ، والمرأة ، وذلك أنّهم عياله لازمون له(2) .
وعن الشيخ في محكيّ المبسوط(3) إسناد الوجوب على مطلق الوارث إلى رواية حملها على الإستحباب ، مع أنّه أنكر جملة ممّن تأخّر عنه على العثور عليها .
نعم يمكن أن يكون المراد به خبر غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بيتيم فقال : خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه(4) .
- (1) سورة الإسراء : 17/31 .
- (2) الكافي : 3/552 ح5 ، الوسائل : 21/525 ، أبواب النفقات ب11 ح1 .
- (3) المبسوط : 6/35 .
- (4) الكافي : 4/13 ح2 ، التهذيب : 6/293 ح 814 ، الإستبصار : 3/44 ح 147 ، الوسائل : 21/526 ، أبواب النفقات ب11 ح4 .
(الصفحة 606)
وحمله الشيخ في محكي الإستبصار على الندب أو على ما إذا لم يكن وارث غيره ، وعن سيّد المدارك(1) الميل إلى العمل بمضمون هذه الصحيحة ، وهي :
رواية الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت : من الذي أُجبر على نفقته؟ قال : الوالدان والولد والزوجة والوارث الصغير(2) .
وفي رواية رواها عبدالرحمن بن الحجّاج ، عن محمّد الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : والوارث الصغير ـ يعني الأخ وابن الأخ ـ ونحوه(3) .
ولكن ذكر صاحب الجواهر : أنّه من الضروري عدم الالتفات إلى أمثال ذلك بعد استقرار الكلمة في الأعصار المتعدّدة على عدم الوجوب ، وبعد ما سمعته من الأدلّة المعتضدة(4) . وعن ابن أبي ليلى قول صاحب المدارك(5) . مستدلاًّ عليه بقوله تعالى :
{ وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}(6) مع أنّه ليس فيه الوارث الصغير الذي هو المدّعى ، بل المراد منه الصبي الرضيع الذي كان له مال ورثه من أبيه ، فإنفاقه عليه مثل ما كـان على أبيه ، مضافاً إلى الاختلاف الشديد الواقع بينهم في معنى الآية من جهة المراد بالوارث ، ومن جهة المراد بمثل ذلك فراجع .
وكيف كان فلا دليل يعتدّ به على وجوب إنفاق مطلق الوارث أو خصوص الصغير .
- (1) نهاية المرام : 1/485 .
- (2) الفقيه : 3/59 ح209 ، الوسائل : 21/511 ، أبواب النفقات ب1 ح9 .
- (3) التهذيب : 6/293 ح813 ، الإستبصار : 3/44 ح148 ، الوسائل : 21/512 ، أبواب النفقات ب1 ح10 .
- (4) جواهر الكلام : 31/369 .
- (5) المغني لابن قدامة : 9/264 ـ 266 ، الشرح الكبير : 9/278 ـ 279 ، بدائع الصنائع : 3/441 ، المبسوط للسرخسي : 5/223 .
- (6) سورة البقرة : 2/233 .