(الصفحة 536)مسألة 9 : من المستحبّات الأكيدة العقيقة للذكر والأنثى ، ويستحبّ أن يعقّ عن الذكر ذكراً وعن الأنثى أنثى ، وأن تكون يوم السابع ، وإن تأخّرت عنه لعذر أو لغير عذر لم تسقط ، بل لو لم يعقّ عنه حتى بلغ عقّ عن نفسه ، بل لو لم يعقّ عن نفسه حال حياته يستحبّ أن يعقّ عنه بعد موته ، ولابدّ أن تكون من أحد الأنعام الثلاثة : الغنم ـ ضأناً كان أو معزاً ـ والبقر والإبل ولا يجزي عنها التصدّق بثمنها ، قيل : يستحبّ أن تجتمع فيها شروط الأضحية من كونها سليمة من العيوب لا يكون سنّها أقلّ من خمس سنين كاملة في الإبل ، وأقلّ من سنتين في البقر ، وأقلّ من سنة كاملة في المعز ، وأقلّ من سبعة شهور في الضأن ، وهو لا يخلو من إشكال ، كما أنّ تعيين السنين بما ذكر لا يخلو بعضها من إشكال والأمر سهل ، ويستحبّ أن تخصّ القابلة بالرجل والورك ، والأفضل أن يخصّها بالربع ، وإن جمع بين الربع والرجل والورك بأن أعطاها الربع الذي هما فيه لا يبعد أن يكون عاملا بالاستحبابين ، ولو لم تكن قابلة اُعطي الاُمّ تتصدقّ به1.
كتب العلم : أنّ أربعة عشر من الأنبياء الذين آخرهم نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) ولِدوا مختونين .1 ـ قد وقع التعرّض في هذه المسألة لأُمور لابدّ من البحث عنها وذكر الدليل لها :
منها : إنّ العقيقة للذكر والانثى من المستحبّات الأكيدة ، وحكي عن الخلاف(1)إجماع الفرقة وأخبارهم عليه ، مثل :
رواية محمّد بن مارد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن العقيقة؟ فقال : شاة أو
(الصفحة 537)
بقرة أو بدنة ، ثمّ يسمّى ويحلق رأس المولود يوم السابع ويتصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضّة ، إن كان ذكراً عقّ عنه ذكراً ، وإن كان انثى عقّ عنه أنثى(1) .
ومرسلة يونس ، عن رجل ، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال : إذا كان يوم السابع وقد ولد لأحدكم غلام أو جارية فليعقّ عنه كبشاً عن الذكر ذكراً وعن الأنثى مثل ذلك ، عقّوا عنه ، وأطعموا القابلة من العقيقة ، وسمّوه يوم السابع(2) .
وغير ذلك من الروايات الّتي تدلّ على استحباب العقيقة أمّا بالمطابقة وأمّا بالإلتزام ، ولكن قيل : بوجوب العقيقة كما عن الاسكافي(3) والمرتضى(4) وبعض متأخّري المتأخّرين(5) . بل عن الانتصار(6) الإجماع عليه ، للأمر بها في جملة من النصوص . بل في أخبار متعدّدة فيها الموثقة والصحيحة العقيقة واجبة .
ففي صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألت عن العقيقة واجبة هي؟ قال : نعم يعقّ عنه ويحلق رأسه وهو ابن سبعة ، ويوزن شعره فضّة أو ذهب يتصدّق به ، وتطعم قابلته ربع الشاة ، والعقيقة شاة أو بدنة(7) .
ويؤيّده ما ورد من أنّ كلّ امرىء أو مولود مرتهن بعقيقته ففي رواية عمر بن يزيد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : كلّ امرىء مرتهن يوم القيامة بعقيقته ،
- (1) الفقيه : 3/313 ح1518 ، الوسائل : 21/423 ، أبواب أحكام الأولاد ب44 ح13 ، وذيله في 21/418 ، أبواب أحكام الأولاد ب42 ح7 .
- (2) الكافي 6/27 ح4 ، التهذيب : 7/442 ح1769 ، الوسائل : 21/423 ، أبواب أحكام الأولاد ب44 ح11 .
- (3) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/303 مسألة 215 .
- (4) الإنتصار : 191 .
- (5) الوافي : 23/1329 .
- (6) الإنتصار : 191 .
- (7) الكافي 6/27 ح3 ، التهذيب : 7/442 ح1768 ، الوسائل : 21/422 ، أبواب أحكام الأولاد ب44 ح10 .
(الصفحة 538)
والعقيقة أوجب من الأضحية(1) .
هذا ، ولكن ارتكاز المتشرّعة وثبوت عدم الوجوب في أذهانهم قرينة على أنّ الأمر بها للاستحباب الأكيد ، ويؤيّده عطف جملة من المستحبّات ، كحلق الرأس والتصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضّة أو التسمية يوم السابع عليه ، كما أنّه يؤيّده التعبير بأنّه أوجب من الأضحيّة ، مع أنّها مندوبة إجماعاً على ما قيل(2) .
والمراد من الارتهان بالعقيقة يوم القيامة ـ مع ثبوت استحبابها على الولي ، أو وجوبها في حال صغر الطفل وعليه نفسه إلى آخر العمر بعد البلوغ ، بل بعد الموت كما يستفاد من تلك الأخبار ـ هو شدّة الثبوت ، وإلاّ فالوجوب مستبعد أن ينتقل من الولي إلى النفس ثمّ إلى الوارث ، كما لا يخفى . قال صاحب الجواهر بعد الحكم بالاستحباب : فوسوسة بعض متأخّري المتأخّرين وجزم آخر في ذلك في غير محلّه ، وناشىء من عدم التعمّق في الفقه(3) .
ومنها : مقتضى الرّوايتين المذكورتين أن يعقّ الذكر ذكراً وعن الأنثى أنثى ، ولكن يدلّ أكثر النصوص الواردة في هذا المجال على التسوية .
ففي صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : العقيقة في الغلام والجارية سواء(4) .
- (1) الفقيه : 3/312 ح1513 ، التهذيب : 7/441 ح1763 ، الكافي : 6/25 ح 30 ، الوسائل : 21/412 ، أبواب أحكام الأولاد ب38 ح1 .
- (2) الخلاف : 6/37 ـ 38 .
- (3) جواهر الكلام : 31/267 .
- (4) الكافي 6/26 ح2 ، الوسائل : 21/417 ، أبواب أحكام الأولاد ب42 ح1 .
(الصفحة 539)
وفي موثّقة سماعة قال : سألته عن العقيقة؟ فقال : في الذكر والأنثى سواء(1) .
وفي رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : عقيقة الغلام والجارية كبش(2) .
وفي رواية ابن مسكان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن العقيقة؟ فقال : عقيقة الجارية والغلام كبش كبش(3) .
وفي رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن العقيقة عن الغلام والجارية سواء؟ قال : كبش كبش(4) .
وفي رواية يونس بن يعقوب قال : سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن العقيقة الجارية والغلام منها سواء؟ قال : نعم(5) .
وفي المسالك على ما في محكيّها بعد أن اقتصر على المرسلة في الدلالة على ما في المتن من اختلاف الذكر والانثى ، وذكر جملة من أخبار التسوية قال : إنّ المرسلة ليست صريحاً في اعتبار المساواة ، بل الظاهر من قوله (عليه السلام) : «والانثى مثل ذلك» أنّ المستحبّ كونه ذكراً في الذكر والانثى ، فيكون موافقاً لغيره من الأخبار الدالّة على التسوية بينهما(6) .
أقول : أمّا الروايات الدالّة على مجّرد التسوية بينهما كالصحيحة المتقدّمة ، فالظاهر أنّ المراد هي التسوية في أصل الاستحباب وفقاً لتوهّم اختصاص
- (1) الكافي : 6/26 ح1 ، الوسائل : 21/417 ، أبواب أحكام الأولاد ب42 ح2 .
- (2) الكافي : 6/26 ح4 ، الوسائل : 21/417 ، أبواب أحكام الأولاد ب42 ح3 .
- (3) الكافي : 6/26 ح3 ، الوسائل : 21/417 ، أبواب أحكام الأولاد ب42 ح4 .
- (4) قرب الإسناد : 297 ج 1170 ، الوسائل : 21/418 ، أبواب أحكام الأولاد ب42 ح5 .
- (5) قرب الإسناد : 311 ح 1211 ، الوسائل : 21/418 ، أبواب أحكام الأولاد ب42 ح6 .
- (6) مسالك الأفهام : 8/406 ـ 407 .
(الصفحة 540)
الاستحباب بالذكور ، وأمّا ما دلّ منها على أنّ العقيقة في الغلام والجارية كبش كبش ، فلا ينافي الروايتين المتقدّمتين ، فإنّ المرسلة منهما أيضاً تدلّ على ثبوت الكبش غاية الأمر يعقّ عن الذكر ذكراً وعن الأنثى أنثى ، والاحتمال المذكور في كلام صاحب المسالك المتقدّم آنفاً خلاف للظاهر جدّاً لا يعبأ به أصلا ، وعلى ما ذكرنا فلا تعارض بين الروايات من هذه الجهة .
ومنها : يستحبّ أن تكون العقيقة يوم السابع ، ويدلّ عليه رواية محمّد بن مارد المتقدّمة في الأمر الأوّل ، وفي الشرائع : ولو مات الصبي يوم السابع ، فان مات قبل الزّوال سقطت ، ولو مات بعده لم يسقط الاستحباب(1) .
ويدلّ عليه ظاهر خبر إدريس بن عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن مولود يولد فيموت يوم السابع هل يعقّ عنه؟ فقال : إن كان مات قبل الظهر لم يعقّ عنه ، وإن مات بعد الظهر عُقّ عنه(2) .
ولكن الاستحباب في يوم السابع إنّما يكون على نحو تعدّد المطلوب ، وعليه فلو أُخّر عنه لعذر أو لغير عذر لا يسقط استحبابها ، بل لو لم يعقّ عنه حتى بلغ عقّ عن نفسه ، بل لو لم يعقّ عن نفسه حال حياته يستحبّ أن يعقّ عنه بعد موته ، ويدلّ عليه خبر عمر بن يزيد قال :
قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي والله ما أدري كان أبي عقّ عنّي أم لا؟ قال : فأمرني أبو عبدالله (عليه السلام)فعققت عن نفسي وأنا شيخ كبير(3) .
- (1) شرائع الإسلام : 2/344 ـ 345 .
- (2) الكافي : 6/39 ح1 ، التهذيب : 7/447 ح 1788 ، الفقيه : 3/314 ح 1525 ، الوسائل : 21/445 ـ 446 ، أبواب أحكام الأولاد ب61 ح1 .
- (3) الكافي : 6/25 ح3 ، التهذيب : 7/441 ح 3 176 ، الفقيه : 3/312 ح 1515 و 1513 ، الوسائل : 21/414 ، أبواب أحكام الأولاد ب39 ح1 و ص 412 ب 38 ح1 .