(الصفحة 369)مسألة 18 : يجوز التمتّع بالزانية على كراهية ، خصوصاً لو كانت من العواهر المشهورات بالزّنا ، وإن فعل فليمنعها من الفجور1.
ومرسلة مهران بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قيل له : إنّ فلاناً تزوّج امرأة متعة ، فقيل له : إنّ لها زوجاً فسألها ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : ولِمَ سألها؟!(1)
وأمّا عدم كون السؤال والفحص شرطاً للصحة فيدل عليه ـ مضافاً إلى أصالة الصحة وحمل فعل المسلم على الصحيح خصوصاً في أمثال المقام ـ رواية أبان بن تغلب ـ وفي السند الآخر للكليني عن ميسّر ـ قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد ، فأقول لها : لك زوج؟ فتقول : لا ، فأتزوّجها؟ قال : نعم هي المصدّقة على نفسها(2) .
وربّما يستدلّ له برواية محمد بن عبدالله الأشعري قال : قلت للرضا (عليه السلام) : الرجل يتزوّج بالمرأة فيقع في قلبه أنّ لها زوجاً ، فقال : وما عليه؟ أرأيت لو سألها البيّنة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج(3) .
وفيه : إنّ موردها صورة السؤال بعد التزويج ، والكلام إنّما هو في الفحص قبله ، مع أنّ الظاهر أنّه لا فرق من هذه الجهة بين قسمي النكاح الدائم والمؤجّل ، بل لعلّ الثاني يكون أولى ، خصوصاً بملاحظة حكمة تشريع النكاح المنقطع واستلزامه العار والذلّ ، خصوصاً لذوات الشرف والأنساب .1 ـ ويدلّ على الكراهة رواية محمد بن الفيض قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن
- (1) التهذيب : 7/253 ح1093 ، الوسائل : 21/31 ، أبواب المتعة ب10 ح4 .
- (2) الكافي : 5/462 ح1 و 2 ، الوسائل : 21/30 ، أبواب المتعة ب10 ح1 .
- (3) التهذيب : 7/253 ح1094 ، الوسائل : 21/32 ، أبواب المتعة ب10 ح5 .
(الصفحة 370)
المتعة؟ قال : نعم إذا كانت عارفة ـ إلى أن قال : ـ وإيّاكم والكواشف والدواعي والبغايا وذوات الأزواج ، قلت : ما الكواشف؟ قال : اللواتي يكاشفن وبيوتهنّ معلومة ويؤتين ، قلت : فالدّواعي؟ قال : اللواتي يدعون إلى أنفسهنّ وقد عرفن بالفساد ، قلت : فالبغايا؟ قال : المعروفات بالزّنا ، قلت : فذوات الأزواج؟ قال : المطلّقات على غير السنّة(1) .
ورواية محمد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة الحسناء الفاجرة هل تحبّ للرجل أن يتمتّع منها يوماً أو أكثر؟ فقال : إذا كانت مشهورة بالزنا فلا يتمتّع منها ولا ينكحها(2) بعد حمل النهي على الكراهة ، لما عرفت من استحباب كونها عفيفة ، وفي بعض الروايات التعبير بـ«لا ينبغي»(3) مع عدم كونها مأمونة ، كما أنّه يستحبّ منعها من الفجور لدلالة روايات كثيرة عليه ، التي منها رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :
سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا النثاء عليها في شيء من الفجور؟ فقال : لا بأس بأن يتزوّجها ويحصنها(4) . لكنّ المستفاد منها أنّ المنع عن الفجور لا يكون أمراً زائداً على التزوّج بها ، بل الاحصان يحصل بنفسه ، فالدليل حينئذ على المنع الزائد شيء آخر ، مثل أدلّة النهي عن المنكر الدالّة على وجوبه ، فتدبّر جيّداً .
- (1) الكافي : 5/454 ح5 ، التهذيب : 7/252 ح1088 ، الإستبصار : 3/143 ح514 ، الفقيه : 3/292 ح 1387 ، معاني الأخبار : 225 ح 1 ، الوسائل : 21/28 ، أبواب المتعة ب8 ح3 .
- (2) الكافي : 5/454 ح6 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 131 ح337 ، التهذيب : 7/252 ح 1087 ، الإستبصار : 3/142 ح 516 ، الوسائل : 21/28 ، أبواب المتعة ب8 ح4 .
- (3) الوسائل : 21/27 ، أبواب المتعة ب 8 ح1 .
- (4) التهذيب : 7/331 ح1363 ، الإستبصار : 3/168 ح616 ، الوسائل : 20/436 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب12 ح2 .
(الصفحة 371)
القول في العيوب الموجبة لخيار الفسخ ، والتدليس
وهي قسمان : مشترك ومختص ، أمّا المشترك فهو الجنون ، وهو اختلال العقل ، وليس منه الاغماء ، ومرض الصّدع الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات ، ولكل من الزوجين فسخ النكاح بجنون صاحبه في الرجل مطلقاً ، سواء كان جنونه قبل العقد مع جهل المرأة به أو حدث بعده قبل الوطء أو بعده . نعم في الحادث بعد العقد إذا لم يبلغ حدّاً لا يعرف أوقات الصلاة تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط ، وأمّا في المرأة ففيما إذا كان قبل العقد ولم يعلم الرجل دون ما إذا طرأ بعده . ولا فرق في الجنون الموجب للخيار بين المطبق والأدوار وإن وقع العقد حال إفاقته ، كما أنّ الظاهر عدم الفرق في الحكم بين النكاح الدائم والمنقطع .
وأمّا المختصّ ، فالمختصّ بالرجل ثلاثة :
الخصاء ، وهو سلّ الخصيتين أو رضّهما ، وتفسخ به المرأة مع سبقه على العقد وعدم علمها به .
(الصفحة 372)
والجبّ ، وهو قطع الذكر بشرط أن لا يبقى منه ما يمكن معه الوطء ولو قدر الحشفة ، وتفسخ المرأة فيما إذا كان ذلك سابقاً على العقد ، وأمّا اللاحق به ففيه تأمّل ، بل لا يبعد عدم الخيار في اللاحق مطلقاً سواء كان قبل الوطء أو بعده .
والعنن ، وهو مرض تضعف معه الآلة عن الانتشار بحيث يعجز عن الإيلاج ، فتفسخ المرأة بشرط عجزه عن الوطء مطلقاً ، فلو لم يقدر على وطئها وقدر على وطء غيرها لا خيار لها ، ويثبت به الخيار سواء سبق العقد أو تجدّد بعده ، لكن بشرط أن لم يقع منه وطؤها ولو مرّة حتّى دبراً ، فلو وطأها ثمّ حدثت به العنّة بحيث لم يقدر على الوطء بالمرّة فلا خيار لها .
والمختصّ بالمرأة ستّة : البرص ، والجذام ، والافضاء ، وقد مرّ تفسيره فيما سبق(1) .
والقرن ، ويقال له : العفل ، وهو لحم أو غدّة أو عظم ينبت في فم الرحم يمنع عن الوطء ، بل ولو لم يمنع إذا كان موجباً للتنفّر والانقباض على الأظهر .
والعرج البيّن ، وإن لم يبلغ حدّ الاقعاد .
والزمانة على الأظهر .
والعمى ، وهو ذهاب البصر عن العينين وإن كانتا مفتوحتين ، ولا اعتبار بالعور ولا بالعشا ، وهي علّة في العين لا يبصر في الليل ويبصر بالنهار ، ولا بالعمش ، وهو ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في غالب الأوقات1.
1 ـ يقع الكلام في الشروع بهذا الفصل في مقامات ثلاثة :
- (1) تحرير الوسيلة : 2 «أول كتاب النكاح» مسألة 12 .
(الصفحة 373)
المقام الأوّل : في العيب المشترك بين الرجل والمرأة ، وهو الجنون ، وقد وقع الاتّفاق على الفسخ به ، وهو مرض في العقل يوجب اختلاله وفساده وتعطيله عن أحكامه وأفعاله ولو في بعض الأوقات ، فالمجنون من اُصيب جنانه ـ أي قلبه ـ أو أصابته الجنّ أو حيل بينه وبين عقله فستر عقله ، وليس منه عرفاً الاغماء ومرض الصدع الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات .
وكيف كان فهو يوجب تسلّط الزوجة إذا كانت جاهلة على فسخ العقد إذا كان سابقاً على العقد أو مقارناً له; لقاعدة الغرور والتدليس والأولوية ، بالإضافة إلى رواية علي بن أبي حمزة الواردة في المتجدّد بعد التزويج الآتية إن شاء الله تعالى .
وربما يستدلّ لذلك بصحيحة الحلبي ، وهي ما رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في الرجل يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له ، قال : لا تردّ ، وقال : إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل . قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال : المهر لها بما استحلّ من فرجها ، ويغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها(1) . وقد رواها المشايخ الثلاثة إلاّ أنّه في الوسائل : أسقط الكليني(2) لفظ «انّما» وفي أحد طريقي الصدوق الرواية عن محمد بن مسلم ، أنّه سأل أبا جعفر (عليه السلام)وذكر نحوه ، إلاّ انّه ترك ذكر العفل(3) .
وأورد على الاستدلال بها صاحب الجواهر(قدس سره) بما يرجع إلى أنّه مبنيّ على استقلال قوله (عليه السلام) : «إنّما يردّ النكاح» في الجواب . مع أنّ الظاهر العدم ، وأنّ كلمة
- (1) الفقيه : 3/273 ح1299 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 78 ح171 ، التهذيب : 7/426 ح 1701 ، الإستبصار : 3/247 ح 886 ، الوسائل : 21/209 و213 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح6 ب2 ح5 .
- (2) الكافي : 5/406 ح 6.
- (3) الفقيه : 3/273 ح 1297 .