(الصفحة 508)
لأنّ ظاهرها عدم قبول ذلك منها مع أنّه لا وجه له في هذه الصّورة ، مع أنّ جريان الملاعنة في السقط محلّ كلام وإشكال ، فتدبّر جيّداً ، ومع الغضّ عن الجميع فالأخبار الدّالة على أنّ أقلّ الحمل ستة أشهر موافقة للشهرة المحقّقه وظاهر الكتاب(1) كما لا يخفى ، فلا ينبغي الارتياب في هذه الجهة .
الأمر الثالث : عدم التجاوز عن أقصى مدّة الحمل ، والأشهر بل المشهور(2) . بل عن المحكيّ عن ظاهر الاسكافي(3) والمبسوط(4) والخلاف(5) إجماعنا عليه أنّه تسعة أشهر ، ويدلّ عليه روايات كثيرة ، مثل :
مرسلة عبدالرحمن بن سيّابة ، عمّن حدّثه ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن غاية الحمل بالولد في بطن أمّه كم هو؟ فإنّ الناس يقولون : ربّما بقي في بطنها سنتين (سنين خ ل) فقال : كذبوا أقصى مدّة الحمل تسعة أشهر ، ولا يزيد لحظة ، ولو زاد ساعة (لحظة خ ل) لقَتلَ أمّه قبل أن يخرج(6) .
ورواية وهب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يعيش الولد لستّة أشهر ، ولسبعة أشهر ، ولتسعة أشهر ، ولا يعيش لثمانية أشهر(7) .
- (1) سورة لقمان : 31/14 ، سورة الأحقاف : 46/15 .
- (2) المُقنعة : 539 ، النهاية : 505 ، المهذّب : 2/341 ، المراسم : 156 ، السرائر : 2/657 .
- (3) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/315 .
- (4) المبسوط : 5/290 .
- (5) الخلاف : 5/88 .
- (6) الكافي : 6/52 ح3 ، التهذيب : 8/115 ح 396 و ص 166 ح 578 ، الوسائل : 21/380 ، أبواب أحكام الأولاد ب17 ح3 .
- (7) الكافي : 6/52 ح2 ، التهذيب : 8/115 ح398 وص 166 ح577 ، الوسائل : 21/380 ، أبواب أحكام الأولاد ب17 ح2 .
(الصفحة 509)
ورواية أبان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ مريم حملت بعيسى تسع ساعات ، كلّ ساعة شهراً(1) .
وصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال : سمعت أبا إبراهيم (عليه السلام) يقول : إذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلا انتظر بها تسعة أشهر ، فإن ولدت ، وإلاّ اعتدّت بثلاثة أشهر ثمّ قد بانت منه(2) . ولم يذكر في الرواية مبدأ تسعة أشهر ، ولابدّ من الحمل على الوطء الأخير ، كما أنّه لابدّ من الحمل على كون الطلاق في غير طهر المواقعة; لبطلان الطلاق فيه ، وعلى أيّ حال فظهور الرواية في أنّ أقصى الحمل تسعة أشهر غير قابل للإنكار كما لا يخفى ، وسيأتي بعض الكلام في مفاد الرواية إن شاء الله تعالى .
ورواية محمّد بن حكيم ، عن العبد الصّالح (عليه السلام) قال : قلت له : المرأة الشابّة الّتي تحيض مثلها يطلّقها زوجها ، فيرتفع طمثها ما عدّتها؟ قال : ثلاثة أشهر ، قلت : فإنّها تزوّجت بعد ثلاثة أشهر ، فتبيّن بها بعد ما دخلت على زوجها أنّها حامل ، قال : هيهات من ذلك يابن حكيم! رفع الطمث ضربان : إمّا فساد من حيضة ، فقد حلّ لها الأزواج وليس بحامل ، وإمّا حامل فهو يستبين في ثلاثة أشهر; لأنّ الله ـ عزّ وجل ـ قد جعله وقتاً يستبين فيه الحمل . قال : قلت : فإنّها ارتابت ، قال : عدّتها تسعة أشهر ، قال : قلت : فإنّها ارتابت بعد تسعة أشهر ، قال : إنّما الحمل تسعة أشهر ، قلت : فتزوّج؟ قال : تحتاط بثلاثة أشهر ، قلت : فإنّها ارتابت بعد
- (1) الكافي : 8/332 ح516 ، الوسائل : 21/382 ، أبواب أحكام الأولاد ب17 ح7 .
- (2) الكافي : 6/101 ح1 ، التهذيب : 8/129 ح444 ، الفقيه : 3/330 ح 1599 ، الوسائل : 22/223 ، أبواب العدد ب25 ح1 .
(الصفحة 510)
ثلاثة أشهر ، قال : ليس عليها ريبة تزوّج(1) .
ويظهر من الوسائل والجواهر(2) أنّ لمحمّد بن حكيم خبراً آخر(3) والظاهر إتّحاده مع هذه الرواية كما نبّهنا عليه مراراً .
وبعض الروايات الأُخر(4) الدّالة على ذلك ، ولكن ذكر المحقّق في الشرائع : وقيل : عشرة أشهر ، وهو حسن يعضده الوجدان(5) . والقائل بهذا القول الشيخ في المحكي عن مبسوطه(6) . وقد ذكر صاحب الجواهر : إنّا لم نقف على ما يدلّ عليه بالخصوص فيما وصل إلينا من النصوص ، وإن حكي عن جماعة أنّ به رواية(7) ،(8) . وقد أورد على الوجدان المذكور في عبارة المحقّق بما في المسالك(9) ونهاية المرام(10)بوجدان الوضع إلى سنة ، فقصره عليه حينئذ دونه ليس في محلّه .
وهنا قول ثالث منسوب إلى المرتضى في الانتصار(11) وابن سعيد(12) وأبي
- (1) الكافي : 6/102 ح4 ، التهذيب : 8/129 ح 447 ، الوسائل : 22/224 ، أبواب العدد ب25 ح4 .
- (2) جواهر الكلام : 31/225 .
- (3) الكافي : 6/102 ح5 ، الوسائل : 22/224 ، أبواب العدد ب25 ح5 .
- (4) الوسائل : 22/223 ـ 225 ، أبواب العدد ب25 ، والوسائل : 21/380 ـ 384 ، أبواب أحكام الأولاد ب17 .
- (5) شرائع الإسلام : 2/340 .
- (6) حكى عنه في مسالك الأفهام : 8/377 ، والتنقيح الرائع : 3/263 ، ولم نعثر عليه في المبسوط .
- (7) الوسيلة : 318 ، إيضاح الفوائد : 3/259 .
- (8) جواهر الكلام : 31/226 .
- (9) مسالك الأفهام : 8/376.
- (10) نهاية المرام: 1/433 ـ 434 .
- (11) الإنتصار : 154 .
- (12) الجامع للشرائع : 461 .
(الصفحة 511)
الصّلاح(1) وهو أنّ أقصاه سنة ، ومالَ إليه العلاّمة في المختلف(2) . وفي محكي المسالك أنّه أقرب إلى الصواب(3) . ولكن قال في الشرائع : إنّه متروك(4) . ويدلّ عليه رواية غياث ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه (عليهما السلام) قال : أدنى ما تحمل المرأة لستّة أشهر ، وأكثر ما تحمل لسنتين(5) .
هذا على نقل الوسائل ، ولذا قال : هذا محمول على التقيّة ، لكن نقل في محكي الوافي بدل سنتين سنة(6) .
وفي مرسل حُريز ، عمّن ذكره ، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عزّ وجل :
{يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ}(7) قال : الغيض : كلّ حمل دون تسعة أشهر ، وما تزداد : كلّ شيء يزداد على تسعة أشهر ، فلمّا رأت المرأة الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد بعد الأيّام الّتي رأت في حملها من الدّم(8) .
وفي المرفوعة المرويّة عن نوادر المعجزات للرّاوندي ، عن سيّدة النساء فاطمة (عليها السلام) أنّها ولدت الحسين (عليه السلام) عند تمام ستّة من حملها به(9) .
- (1) الكافي في الفقه : 314 .
- (2) مختلف الشيعة : 7/315 ـ 316 .
- (3) مسالك الأفهام : 8/376 .
- (4) شرائع الإسلام : 2/340 .
- (5) الفقيه : 3/330 ح1600 ، الوسائل : 21/384 ، أبواب أحكام الأولاد ب17 ح15 .
- (6) الوافي 23/1425 ح23567 ، وكذا في المصدر .
- (7) سورة الرعد : 13/8 .
- (8) الكافي : 6/12 ح2 ، الوسائل : 21/381 ، أبواب أحكام الأولاد ب17 ح6 .
- (9) الخرائج والجرائح : 2/841 ـ 845 باب نوادر المعجزات ح60 .
(الصفحة 512)
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الأرجح في النظر هو كون الأقصى تسعة أشهر; لدلالة بعض الروايات الصحيحة عليه ، وموافقته للشهرة المحقّقة الّتي هي أوّل المرجّحات في الخبرين المتعارضين على ما ذكرنا في محلّه . نعم يبقى الإشكال في أُمور :
الأوّل : مخالفته للوجدان كما أشار إليه المحقّق في عبارته المتقدّمة ، ويدفعه أنّ التسعة تلاحظ من حين انعقاد النطفة الّتي هي مبدأ نشؤ آدمي ، ولو كان هناك وطء واحد فرضاً ، إلاّ أنّه لابدّ من ملاحظة حال الانعقاد وموارد الوجدان على فرض تحقّقها لا يعلم فيها المبدأ أصلا ، مع أنّه من الممكن أن يكون هناك وطء من غير الزوج ولو بشبهة محلّلة ، ويُؤيّد هذا الوجه تردّد النساء في المبدأ نوعاً وعدم العلم به كذلك .
الثاني : دلالة الرواية الصحيحة المتقدّمة(1) على الاعتداد بعد التسعة بثلاثة أشهر ، مع أنّه لا مجال لهذا الاعتداد بعد مضيّ أقصى الحمل ، ويظهر من بعض الأخبار(2) أنّ هذا الاعتداد إنّما يكون على سبيل الاحتياط المأمور به ، حيث قال : فيه بعد قوله : إنّما الحمل تسعة أشهر ، والسؤال عن أنّها تزوّج «تحتاط بثلاثة أشهر» وفي نقل آخر(3) لهذه الرواية قال الإمام (عليه السلام) : إنّما يرتفع الطمث من ضربين : إمّا حمل بيّن ، وإمّا فساد في الطمث ، ولكنّها تحتاط بثلاثة أشهر بعد .
والمستفاد من المجموع أنّ هذا الاحتياط اللاّزم إنّما هو بملاحظة أنّ رفع الطمث
- (1) في ص506 ـ 507 .
- (2) الكافي : 6/101 ح2 ، التهذيب : 8/129 ح445 ، الوسائل : 22/223 ، أبواب العدد ب25 ح2 .
- (3) الكافي : 6/102 ح5 ، الوسائل : 22/224 ، أبواب العدد ب25 ح5 .