(الصفحة 208)مسألة 5 : لو شكّ في وقوع الرضاع أو في حصول بعض شروطه من الكمّية أو الكيفية بني على العدم ، نعم يشكل فيما لو علم وقوع الرضاع بشروطه ولم يعلم بوقوعه في الحولين أو بعدهما وعلم تاريخ الرضا وجهل تاريخ ولادة المرتضع ، فحينئذ لا يترك الاحتياط1.
عمّك الصغير أو عمّتك الصغيرة أو خالك أو خالتك كذلك تصير المرأة المرضعة اُمّاً لهم ، فتصير اُمّ العم أو العمّة أو اُمّ الخال أو الخالة ، فهل تحرم هذه المرضعة عليك ، أو إذا كانت زوجة يبطل نكاحها لاحقاً نظراً إلى صيرورتها جدّة من طرف الأب أو الاُمّ ، أم لا يتحقّق بسبب هذا الرضاع تحريم المرضعة عليك لا سابقاً ولاحقاً؟ تكون المسألة مبتنية على القول بعموم المنزلة والعدم ، فمن قال بالعموم يقول بالحرمة ، ومن لم يقل بالعموم كما ذكر أنّه الحقّ يقول بالعدم .1 ـ لا شبهة في أنّه إذا شك في أصل وقوع الرضاع وعدمه يبنى على العدم; لأنّه من الحوادث خصوصاً مع الاشتراط ببعض الشروط من الكمية أو الكيفية; فإذا شك في أصل حدوثه يكون مقتضى الاستصحاب العدم ، ولا يجب التفحص في الشبهة الموضوعية لعدم وجوب الفحص فيها نصّاً وفتوى . كما يدلّ عليه مثل صحيحة زرارة الثانية(1) المعروفة في باب الاستصحاب ، الدالّة على عدم وجوب النظر إلى الثوب الذي يحتمل وقوع النجاسة من الدم أو المني أو غيرهما عليه ، وان كان الثوب عليه ، ومنه يظهر أنّ مقتضى الاستصحاب العدم فيما إذا علم بأصل وقوع الرّضاع وشكّ في حصول بعض شروطه من الكمّية أو الكيفيّة .
- (1) التهذيب : 1/421 ح 1335 ، الإستبصار : 1/183 ح 641 ، الوسائل : 3/466 ، أبواب النجاسات ب 37 ح1 ، فرائد الأصول : 2/564 .
(الصفحة 209)مسألة 6 : لا تقبل الشهادة على الرضاع إلاّ مفصّلة ، بأن يشهد الشهود على الارتضاع في الحولين بالإمتصاص من الثدي خمس عشرة رضعة متواليات مثلاً إلى آخر ما مرّ من الشروط ، ولا تكفي الشهادة المطلقة والمجملة ، بأن يشهد على وقوع الرضاع المحرّم أو يشهد مثلاً على أنّ فلاناً ولد فلانة أو فلانة بنت فلان من الرضاع ، بل يسئل منه التفصيل . نعم لو علم عرفانهما شرائط الرضاع وأنّهما موافقان معه في الرأي اجتهاداً أو تقليداً تكفي1.
نعم ، يشكل الأمر في خصوص مورد واحد ، وهو ما إذا علم بوقوع الرضاع بجميع شروطه إلاّ شرطاً واحداً ، وهو الوقوع في الحولين أو بعدهما مع العلم بتاريخ الرضاع والجهل بتاريخ ولادة المرتضع; وفي هذه الصورة نهى في المتن عن ترك الاحتياط ، والسرّ فيه أنّه فيما إذا كان أحد الحادثين معلوم التاريخ والآخر مجهوله هل يجري الاستصحاب بالإضافة إلى كلّ منهما ، أو يجري استصحاب العدم الذي يعبّر عنه بأصالة تأخّر الحادث بالإضافة إلى مجهول التاريخ فقط؟ فإن قلنا بالثاني لم يتحقق الرضاع المحرّم لأصالة تأخّره عن الحولين ، وان قلنا بالأوّل تقع المعارضة بين الأصلين الجارين ، والتحقيق في محلّه ، وهو باب الاستصحاب من المباحث الاُصولية ، فراجع .1 ـ قال المحقّق في الشرائع : لا تقبل الشهادة بالرضاع إلاّ مفصّلة; لتحقّق الخلاف في الشرائط المحرّمة ، واحتمال أن يكون الشاهد استند إلى عقيدته(1) . فإذا كانت الشهادة عند الحاكم يكون الطرف المقابل للمخالفة هو الحاكم ، فاللازم أمّا الشهادة مفصّلة ، وامّا العلم بعرفانهما شرائط الرضاع وأنّهما موافقان مع الحاكم في
- (1) شرائع الإسلام : 2/286 .
(الصفحة 210)مسألة 7 : الأقوى أنّه تقبل شهادة النساء العادلات في الرضاع مستقلاّت ، بأن تشهد به أربع نسوة ، ومنضمّات ، بأن تشهد به امرأتان مع رجل واحد1.
الرأي اجتهاداً أو تقليداً ، كما في سائر الموارد التي هي محلّ خلاف كالعدالة مثلاً ، لجريان الخلاف بالإضافة إلى المعاصي الكبيرة ، وكذا بالنسبة إلى اعتبار ترك المروءة وعدمه ، وإذا لم تكن الشهادة عند الحاكم وقلنا باعتبار البيّنة مطلقاً فالطرف المقابل حينئذ من تكون الشهادة عنده وتكون مرتبطة به ، كما لايخفى .
ولكن في المسألة تفصيل بين الشبهات الحكمية والموضوعية ، ذكره المحقّق العراقي(قدس سره) في رسالة القضاء فيما إذا لم يعلم الخلاف والوفاق بين بيّنة المزكّي أو الجارح وبين مذهب الحاكم ، فليراجع هناك(1) .1 ـ أمّا أنّه تقبل شهادة النساء العادلات في الرضاع مستقلاّت فهو المشهور بين الأصحاب(2) شهرة عظيمة ، ولم يحك الخلاف إلاّ من الشيخ في بعض كتبه(3) وابني إدريس(4) وسعيد(5) والعلاّمة في رضاع التحرير(6) مع رجوعه عنه فيه في كتاب الشهادات(7) . ويدلّ عليه أنّ الرضاع خصوصاً مع اعتبار بعض الخصوصيات فيه مثل الامتصاص من الثدي والكمية المعتبرة فيه ممّا يعسر اطّلاع الرجال عليه ،
- (1) شرح تبصرة المتعلّمين ، كتاب القضاء : 61 .
- (2) المقنعة : 727 ، الناصريات : 339 ، الوسيلة : 222 ، الروضة البهية : 3/144 ، مسالك الأفهام : 14/258 .
- (3) المبسوط : 5/311 ، الخلاف : 6/257 ـ 258 مسألة 9 .
- (4) السرائر : 2/137 .
- (5) الجامع للشرائع : 543 .
- (6) تحرير الأحكام : 2/11 .
- (7) تحرير الاحكام : 2/212 .
(الصفحة 211)
ولا يطلع عليه الرجال غالباً ، ولا يحلّ لهم النظر إليه عمداً كذلك; لأنّه في محلّ العورة التي لا يحلّ للأجانب النظر إليها ، وفرض وقوع النظر لهم عمداً ثم التوبة بعده قليل جدّاً ، وعليه فيشمله جملة من الروايات ، مثل :
صحيحة عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ، ولا يجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة ، ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان . وقال : تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز للرجال النظر إليه ، وتجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس(1) .
ورواية داود بن سرحان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : اُجيز شهادة النساء في الغلام صاح أو لم يصح ، وفي كلّ شيء لا ينظر إليه الرجال تجوز شهادة النساء فيه(2) .
ورواية محمد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قلت له : تجوز شهادة النساء في نكاح أو طلاق أو رجم؟ قال : تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه وليس معهنّ رجل ، إلى آخر الحديث(3) وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
مضافاً إلى ما أفاده في الجواهر من المعتبرة المستفيضة(4) الدالّة على قبول
- (1) الكافي : 7/391 ح8 ، التهذيب : 6/264 ح 702 ، الإستبصار : 3/23 ح 70 ، الوسائل : 27/353 ، كتاب الشهادات ب24 ح10 .
- (2) الكافي : 7/392 ح13 ، التهذيب : 6/268 ح 721 ، الاستبصار : 3/29 ح 93 ، الوسائل : 27/354 ، كتاب الشهادات ب24 ح12 .
- (3) الكافي : 7/391 ح5 ، التهذيب : 6/264 ح 705 ، الإستبصار : 3/23 ح 73 ، الوسائل : 27/352 ، كتاب الشهادات ب24 ح7 .
- (4) الوسائل : 27/350 ـ 366 ، كتاب الشهادات ب24 .
(الصفحة 212)مسألة 8 : يستحبّ أن يختار لرضاع أولاد المسلمة العاقلة العفيفة الوضيئة ذات الأوصاف الحسنة ، فإنّ للّبن تأثيراً تامّاً في المرتضع كما يشهد به الأختبار ونطقت به الأخبار والآثار ، فعن الباقر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا تسترضعوا الحمقاء والعمشاء فإنّ اللبن يعدي(1) . وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا تسترضعوا الحمقاء فإنّ اللبن يغلب الطباع(2) . وعنه (عليه السلام) : انظروا من ترضع أولادكم فإنّ الولد يشبّ عليه(3) إلى غير ذلك من الأخبار المستفاد منها رجحان اختيار ذوات الصفات الحميدة خَلقاً وخُلقاً ، ومرجوحية اختيار أضدادهنّ وكراهته ، لاسيّما الكافرة ، وإن اضطرّ إلى استرضاعها فليختر اليهودية والنصرانية على المشركة والمجوسيّة ، ومع ذلك لا يسلّم الطفل إليهنّ ، ولا يذهبنّ بالولد إلى بيوتهنّ ، ويمنعها عن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير . ومثل الكافرة أو أشدّ كراهة استرضاع الزانية باللبن الحاصل من الزنا والمرأة المتولّدة من زنا ، فعن
شهادتهنّ في العذرة والنفاس واستهلال المولود وعيوب النساء ، المعلوم كون الوجه في ذلك تحريم النظر وعسر الاطلاع وعدم اعتياده ، والرضاع إن لم يكن أولى من بعضها فهو مثله(4) .
ثمّ إنّه مع فرض قبول شهادة النساء مستقلاّت ففي صورة الانضمام يكون الأمر بطريق أولى ، فإذا انضمّت شهادة المرأتين إلى شهادة رجل واحد تقبل الشهادة كما
- (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2/34 ح 67 ، صحيفة الرضا (عليه السلام) : 100 ح41 ، الوسائل : 21/467 ، أبواب أحكام الأولاد ب78 ح4 .
- (2) الكافي : 6/43 ح9 ، الوسائل : 21/467 ، أبواب أحكام الأولاد ب78 ح3 .
- (3) الكافي : 6/44 ح10 ، الوسائل : 21/466 ، أبواب أحكام الأولاد ب78 ح1 .
- (4) جواهر الكلام : 29/345 .