(الصفحة 590)مسألة 9 : الظاهر أنّه من الإنفاق الذي تستحقّه الزوجة أُجرة الحمام عند الحاجة ، سواء كان للإغتسال أو للتنظيف إذا كان بلدها ممّا لم يتعارف فيه الغسل والاغتسال في البيت أو يتعذّر أو يتعسر ذلك لها لبرد أو غيره ، ومنه أيضاً الفحم والحطب ونحوهما في زمان الاحتياج إليها ، وكذا الأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام الّتي قلّما يخلو الشخص منها في الشهور والأعوام . نعم الظاهر أنّه ليس منه الدواء وما يصرف في المعالجات الصعبة الّتي يكون الاحتياج إليها من باب الاتّفاق خصوصاً إذا احتاج إلى بذل مال خطير ، وهل يكون منها اُجرة الفصد والحجامة عند الاحتياج إليهما؟ فيه تأمّل وإشكال1.
1 ـ لا إشكال في لزوم تهيئة الحمّام في المنزل إذا كان من شأنها الاغتسال والتنظيف في البيت ، أو أُجرة الحمّام لأجله إذا لم يمكن الإغتسال في البيت لبرد أو نحوه من خراب أو غيره; لأنّه من أهمّ ما تحتاج إليه المرأة في تعيّشها مع زوجها ، ففي زماننا هذا الذي يكون الحمّام في البيت متداولا بين أغلب الناس لابدّ للزوج من تهيئته إذا كان من شأن أمثالها ذلك ، وهكذا الفحم والحطب أو ما يقوم مقامها في الشتاء كما هو المتداول في هذه الأزمنة ، وهكذا وسيلة التبريد المعمولة فيها المتداولة بين أكثر الناس ، فهو من النفقة .
وأمّا الأدوية فقد فصّل فيها بين الأدوية المتعارفة الّتي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام ، الّتي قلّما يخلو الشخص منها في الشهور والأعوام ، كالأمراض سهلة المعالجة العامّة غالباً ، وبين ما يصرف في المعالجات الصعبة الّتي يكون الاحتياج إليها من باب الإتّفاق ، بثبوت كون النوع الأوّل من النفقة دون الثاني ، خصوصاً إذا احتاج إلى بذل مال خطير ، والوجه فيه أنّه في النوع الأوّل
(الصفحة 591)مسألة 10 : تملك الزوجة على الزوج نفقة كلّ يوم من الطعام والإدام وغيرهما ممّا يصرف ، ولا يبقى عينه في صبيحته ملكاً متزلزلا يراعى بحصول تمام التمكين منها ، وإلاّ فبمقداره وتستردّ البقيّة ، فلها أن تطالبه بها عنده ، فلو منعها مع التمكين وانقضى اليوم استقرّت في ذمّته وصار ديناً عليه ، وكذا يشترط ذلك في الاستقرار مع انقضاء أيّام ، فيستقرّ بمقدار التمكين على ذمّته نفقة تلك المدّة ، سواء طالبته بها أو سكتت عنها ، وسواء قدّرها الحاكم وحكم بها أم لا ، وسواء كان موسراً أو معسراً ، ومع الإعسار يُنظر إلى اليسار ، وليس لها مطالبة نفقة الأيّام الآتية1.
حيث يكون الابتلاء بتلك الأمراض كثيراً يكون الاحتياج بالأدوية المؤثّرة في معالجتها كثيراً ، فيكون جزء للنفقة ، بخلاف النوع الثاني الذي تكون الابتلاء به قليلا ومن باب الاتّفاق ، فإنّ ما يُصرف في معالجته لا يكون جزء للنفقة ، إلاّ أن يقال بعدم اشتغال الزوجة بشغل نوعاً ، وكون إدارة الحياة الاجتماعية الزوجيّة بيد الزوج موجباً لثبوت نفقة معالجة تلك الأمراض أيضاً على الزوج ، ولا يبعد الالتزام به ، وأمّا اُجرة الفصد والحجامة فعند عدم الاحتياج إليهما فلا إشكال في عدم ثبوتها على الزوج ، وأمّا في صورة الاحتياج فيجري عليها حكم ما يصرف في معالجة الأمراض الّتي نفينا البعد عن عدم الفرق بين السهلة والصعبة ، كما مرّ .
1 ـ لا خلاف في أنّ الزوجة تملك المطالبة بنفقة يومها مع التمكين; لانّ وجوب الإنفاق على الزوج ليس مجرّد حكم تكليفيّ ، بل هو حكم وضعيّ غاية الأمر أنّها تملكها ملكاً متزلزلاً مراعى بحصول التمكين منها في جميع آنات اليوم ، والظاهر عدم توقّف الملكيّة على قبضها ، إذ ـ مضافاً إلى أنّه ليس في الأدلّة ما يقتضي مدخليّة
(الصفحة 592)
القبض في الملكيّة ـ لا يجتمع ذلك مع كونها ديناً عليه إذا منع من النفقة مع انقضاء اليوم والتمكين في ذلك اليوم .
نعم حكي عن كشف اللثام(1) إمكان القول بعدم اعتبار الملك فيه ، وأنّ الواجب إنّما هو البذل والإباحة .
وفي صحيحة شهاب بن عبد ربّه قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما حقّ المرأة على زوجها؟ قال : يسدّ جوعتها ويستر عورتها ولا يقبّح لها وجهاً ، فإذا فعل ذلك فقد والله أدّى إليها حقّها ، قلت : فالدهن؟ قال : غبّاً يوم ويوم لا ، قلت : فاللّحم؟ قال : في كلّ ثلاثة فيكون في الشهر عشرة مرّات لا أكثر من ذلك ، والصبغ في كلّ ستّة أشهر ، ويكسوها في كلّ سنة أربعة أثواب : ثوبين للشتاء وثوبين للصيف ، ولا ينبغي أن يقفر بيته من ثلاثة أشياء : دهن الرأس والخلّ والزيت ويقوتهنّ بالمدّ فإنّي أقوت به نفسي ، وليقدّر لكلّ إنسان منهم قوته ، فإن شاء أكله وإن شاء وهبه وإن شاء تصدّق به ، ولا تكون فاكهة عامّة إلاّ أطعم عياله منها ، ولا يدع أن يكون للعبد عندهم فضل في الطعام أن يسنا لهم (ينيلهم) في ذلك شيء ما لم يسناه لهم (لا ينيلهم) في سائر الأيّام(2) .
والظاهر أنّ جواز الأكل الملازم للإتلاف لأجل حصول الملكيّة لا لمجرّد الإباحة إلاّ أن يقال : إنّ تقدير القوت بالإضافة الى كلّ إنسان منهم ، أي من عياله دون خصوص الزوجة ـ مع أنّ الكلام كان في الزوجة والضمائر القبلية راجعة إليها ـ دليل على عدم ثبوت الملكية في الزوجة أيضاً ، كما لا يخفى . وكما أنّ التقدير بما ذكر
- (1) كشف اللثام : 7/569 .
- (2) الكافي : 5/511 ح5 ، التهذيب : 7/457 ح 1830 ، الوسائل : 21/513 ، أبواب النفقات ب2 ح1 .
(الصفحة 593)
في الرواية محمول على العادة والغالب ولو في زمان صدور الرواية ، لا لأجل كونه ضابطاً في جميع الأعصار والأمصار بالإضافة إلى جميع الأشخاص .
وكيف كان فلا دليل ظاهراً على حصول الملكيّة للزوجة بالإضافة إلى النفقة ولو في كلّ يوم ، وثبوتها ديناً عليه إذا امتنع مع ثبوت التمكين لها إنّما هو باعتبار عدم إمكان الإباحة والبذل بالنسبة إلى ما مضى ، اللّهم إلاّ أن يمنع ذلك ويقال بثبوتها كما كانت ، فتدبّر جيّداً .
غاية الأمر أنّ في صبيحة كلّ يوم يكون الوجوب متزلزلا مراعى باجتماع الشرائط كلّها في تمام ذلك اليوم ، ومن الشرائط الحياة ، كما أنّ منها التمكين ، وبعد انقضاء اليوم كذلك يستقرّ لو لم يدفع الزوج .
نعم ، وقع الخلاف بعد الاتّفاق على أنّه لا يجبر الزوج على عين المأكول من الخبز أو اللحم المطبوخ على أنّه هل يكفي دفع الحبّ ومؤونة إصلاحه ، وكذا الإدام من اللحم ، أم لا بدّله من جعل الحبّ دقيقاً؟ ففي محكيّ قواعد العلاّمة التصريح بعدم وجوب تسليم الدقيق في الخبز والقيمة إلاّ مع التراضي منهما(1) ، وذكر كاشف اللثام في الشرح : أمّا القيمة فالأمر فيها ظاهر ، فإنّ الواجب إنّما هو الطعام ، وأمّا الدقيق والخبز فظاهر أنّه لا يجبر الزوج عليهما إذا دفع الحبّ مع مؤونة الطحن والخبز ، وأمّا الزوجة فالظّاهر أنّها تُجبر على القبول كما يعطيه كلام الإرشاد(2) . ويحتمل العدم كما هو قضيّة الكلام هنا; لأنّهما لا يصلحان لجميع ما يصلح له الحبّ(3) .
أقول : الظاهر اختلاف الأمكنة والأزمنة في هذا ، ففي مثل زماننا الذي لا يمكن
- (1) قواعد الأحكام : 2/53 .
- (2) إرشاد الأذهان : 2/34 .
- (3) كشف اللثام : 7/569 .
(الصفحة 594)مسألة 11 : لو دفعت إليها نفقة أيّام كاسبوع أو شهر مثلا وانقضت المدّة ولم تصرفها على نفسها ـ إمّا بأن أنفقت من غيرها أو أنفقَ إليها شخص ـ كانت ملكاً لها ، وليس للزوج استردادها ، وكذا لو استفضلت منها شيئاً بالتقتير على نفسها كانت الزيادة ملكاً لها ، فليس له استردادها . نعم لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائناً يوزّع المدفوع على الأيّام الماضية والآتية ، ويستردّ منها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، بل الظاهر
للزوجة خصوصاً في الأمصار سيّما في بعضها تبديل الحبّ بالخبز ، بل جعله دقيقاً أيضاً لابدّ من دفع الخبز ، وصلاحية الحبّ لغيره لا توجب الاكتفاء به بعد كون عادة الغالب هو أكل الخبز ، وما ورد في الرواية المتقدّمة من «سدّ جوعتها» لا يُراد به إلاّ سدّ الجوعة بالمتعارف لأمثالها لا لجعل شيء أمكن .
ثمّ إنّ التفصيل بين اليوم الّذي تطالب النفقة في صبيحته وبين الأيّام الآتية مع اشتراكهما في عدم التحققّق بعد ، وعدم معلوميّة إجتماع الشرائط في الزمان الآتي ، إنّما هو بلحاظ أنّ المقصود من النفقة حيث يكون سدّ جوعتها والمنع من تضرّرها ، فالواجب أن يدفع إليها يوماً فيوماً; لأنّ الحاجة تندفع بهذا المقدار خصوصاً مع عدم الوثوق باجتماع الشرائط ، وخصوصاً لو قُلنا بأنّه لا يجب على الزوج إلاّ الحبّ ومؤونة الإصلاح; لأنّ جعل الحبّ دقيقاً والدقيق خبزاً يحتاج إلى زمان لا محالة ، ولا يلزمها الصبر إلى الليل ليستقرّ الوجوب ، لأنّها ربّما تجوع وتتضرّر بالتأخير .
ثمّ إنّه لو كان الزوج معسراً يصير ثبوت هذا الدّين عليه كسائر الديون ، قال الله تعالى :
{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَة فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة}(1) كما لا يخفى .
- (1) سورة البقرة : 2/280 .