(الصفحة 156)مسألة 2 : المراد بالحولين أربع وعشرون شهراً هلاليّاً من حين الولادة ، ولو وقعت في أثناء الشهر تكمل من الشهر الخامس والعشرين ما مضى من الشهر الأوّل على الأظهر ، فلو تولّد في العاشر من شهر تكمل حولاه في العاشر من الخامس والعشرين1.الشرط الخامس : الكمّية ، وهي بلوغه حدّاً معيّناً ، فلا يكفي مسمّى الرضاع ولا رضعة كاملة ، وله تحديدات وتقديرات ثلاثة : الأثر ، والزمان ،
لولدها أكثر من حولين ، ثمّ أرضعت من له دون الحولين نشر الحرمة ، ولو رضع العدد إلاّ رضعة فتمّ الحولان ثم أكمله بعدهما لم ينشر الحرمة(1) .1 ـ لا شبهة في أنّ المراد بالحولين الأهلّة ، يعني أربع وعشرون شهراً هلالياً ، فإن صادفت الولادة أوّل الشهر فلا إشكال ، ولو وقعت في أثناء الشهر كما في العاشر من الشهر فقد استظهر في المتن لزوم تكميل الحولين في العاشر من الشهر الخامس والعشرين ، وحكم في الجواهر بأقوائيته إن لم يكن الدليل ظاهراً في إرادة تحقّق الحولين ، المراد منهما أربعة وعشرون شهراً هلاليّاً على وجه يخرج المنكسر عنهما وإن لحقه الحكم(2) .
والاحتمال الآخر الإكمال ممّا يليه من الشهر وهكذا ، فيجري الانكسار في الجميع ، والتكملة حينئذ هلالية أو عددية ، هذا والظاهر ما أفاده في المتن والتكميل من الخامس والعشرين .
- (1) شرائع الإسلام : 2/283 ـ 284 .
- (2) جواهر الكلام : 29/296 .
(الصفحة 157)والعدد ، وأيّ منها حصل كفى في نشر الحرمة ، ولا يبعد كون الأثر هو الأصل والباقيان أمارتان عليه ، لكن لا يترك الاحتياط لو فرض حصول أحدهما دونه ، فأمّا الأثر فهو أن يرضع بمقدار نبت اللحم وشدّ العظم ، وأمّا الزّمان فهو أن يرتضع من المرأة يوماً وليلة مع اتّصالهما بأن يكون غذاؤه في هذه المدّة منحصراً بلبن المرأة ، وأمّا العدد فهو أن يرتضع منها خمس عشرة رضعة كاملة1.
1 ـ لا إشكال في أنّ مسمّى الرضاع لا يكفي في الرضاع المحرّم بضرورة الفقه ، وكذا لا تكفي الرضعة الكاملة على المشهور بين الأصحاب(1) شهرة عظيمة محقّقة كادت تكون إجماعاً متحصّلاً من النصوص المستفيضة أو المتواترة(2) الدالّة على التحديد ، فما عن كثير من العامة(3) من التحريم بمطلق الرضاع وإن قلّ معلوم البطلان ، ومن الغريب كما في الجواهر دعوى الليث منهم إجماع أهل العلم على نشر الحرمة بمثل ما يفطر به الصائم(4) . مع أنّ المحكي عن الأكثر منهم(5) موافقتنا .
وأغرب منه ما عن الشيخ في التبيان(6) وابن إدريس في السرائر(7) من حكاية ذلك عن بعض من أصحابنا ولم يعرف أصلاً .
- (1) المقنعة : 502 ، الكافي في الفقه : 285 ، السرائر : 2/520 و 551 ، جامع المقاصد : 12/215 ـ 218 ، مسالك الأفهام : 7/213 ، الروضة البهية : 5/156 ـ 162 ، نهاية المرام : 1/101 ، رياض المسائل : 6/430 .
- (2) الوسائل : 20/274 ـ 283 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 و3 و4 .
- (3) المغني لابن قدامة : 9/192 ، الشرح الكبير : 9/199 ـ 200 ، المجموع : 19/318 ، بدائع الصنائع : 3/405 ـ 406 ، مغني المحتاج : 3/416 .
- (4) المغني لابن قدامة : 9/192 ، الشرح الكبير : 9/200 .
- (5) المغني لابن قدامة : 9/192 ، الشرح الكبير : 9/199 ـ 200 ، المجموع : 19/318 .
- (6) التبيان : 3/160 .
- (7) السرائر : 2/520 .
(الصفحة 158)
نعم عن القاضي نعمان المصري في كتاب دعائم الإسلام الذي نقل عنه صاحب مستدرك الوسائل ، ولم ينقل عنه في الوسائل شيئاً ، أنّه روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)أنّه قال : يحرم من الرضاع كثيره وقليله حتّى المصّة الواحدة ، ثم قال : وهذا قول بيّن صوابه لمن تدبّره ووفّق لفهمه; لأن الله تعالى يقول :
{ وأُمَّهَاتُكُمُ الاّتِى أَرْضَعْنَكُمْ}(1) . والرضاع يقع على القليل والكثير(2) .
وعن ابن الجنيد أنّه قال : قد اختلفت الرواية من الوجهين جميعاً في قدر الرضاع المحرّم ، إلاّ أنّ الذي أوجبه الفقه عندي واحتياط المرء لنفسه : أنّ كلّ ما وقع عليه اسم رضعة ـ وهوماملأت بطن الصّبي إمّابالمصّ أوالوجور ـ كلّ مامحرِّم للنكاح(3)(4).
وكيف كان فهنا طائفتان من الأخبار في بادئ النظر :
الطائفة الاُولى : ما يكون مفاده ذلك ، مثل :
مكاتبة عليّ بن مهزيار ، عن أبي الحسن (عليه السلام) أنّه كتب إليه يسأله عمّا يحرم من الرضاع؟ فكتب (عليه السلام) : قليله وكثيره حرام(5) .
ورواية ضعيفة عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي (عليهم السلام) قال : الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحلّ له أبداً(6) .
- (1) سورة النساء : 4/23 .
- (2) دعائم الإسلام : 2/240 ح901 ، مستدرك الوسائل : 14/366 ـ 367 ، أبواب ما يحرم من الرضاع ب2 ح4 .
- (3) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/30 وجامع المقاصد : 12/215 والروضة البهيّة : 5/162 .
- (4) جواهر الكلام : 29/269 ـ 270 .
- (5) التهذيب : 7/316 ح1308 ، الاستبصار : 3/196 ح 711 ، الوسائل : 20/377 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح10 .
- (6) التهذيب : 7/317 ح1309 ، الاستبصار : 3/197 ح 712 ، الوسائل : 20/378 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح12 .
(الصفحة 159)
وذكر في الوسائل بعد نقل المكاتبة : أقول : حمله الشيخ على ما إذا بلغ الحدّ الذي يحرّم ، فإنّ الزيادة قلّت أو كثرت تحرّم . قال : ويجوز أن يكون خرج مخرج التقيّة; لأنّه موافق لمذهب بعض العامّة(1) انتهى . ويمكن حمله على الكراهة وعلى تحديد كلّ رضعة ، فانّه إن رضع قليلاً أو كثيراً فهي رضعة محسوبة من العدد بشرط أن يروى ويترك من نفسه لما يأتي . وذكر بعد رواية زيد : أقول : حمله الشيخ على ما تقدّم في حديث عليّ بن مهزيار ، واستشهد للتقية بكون طريقه رجال العامّة والزيدية ، ويحتمل الكراهة .
ومضمرة ابن أبي يعفور قال : سألته عمّا يحرم من الرّضاع قال : إذا رضع حتى يمتلىء به بطنه ، فإنّ ذلك ينبت اللحم والدم ، وذلك الذي يحرّم(2) . والتعليل فيها يدلّ على عدم محرّمية الرضاع مطلقاً .
ومرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الرضاع الذي ينبت اللحم والدّم هو الذي يرضع حتى يتضلّع ويتملىء وينتهي نفسه(3) . وفيها أيضاً دلالة على ثبوت الحدّ للرضاع المحرّم .
الطائفة الثانية : ما تدلّ على التحديد ، مثل :
صحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يحرم من الرّضاع إلاّ ما
- (1) المغني لابن قدامة : 9/192 ، الشرح الكبير : 9/199 ـ 200 ، المجموع : 19/318 ، بدائع الصنائع : 3/405 ـ 406 ، مغني المحتاج : 3/416 .
- (2) التهذيب : 7/316 ح1307 ، الاستبصار : 3/195 ح708 ، الوسائل : 20/383 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب4 ح1 .
- (3) التهذيب : 7/316 ح1306 ، الاستبصار : 3/195 ح707 ، الكافي : 5/445 ح 7 ، الوسائل : 20/383 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب4 ح2 .
(الصفحة 160)
أنبت اللحم والدّم(1) . وغير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال ، ولابدّ من الأخذ بهذه الطائفة دون الطائفة الاُولى لو لم تكن قابلة للجمع الدلالي مع الطائفة الثانية; لثبوت أوّل المرجحات بالإضافة إليها ، وهي الموافقة للشهرة العظيمة المحقّقة ، وعليه فالحدّ معتبر في ثبوت الرضاع المحرّم ، وله تحديدات وتقديرات ثلاثة : الأثر ، والزمان ، والعدد .
أمّا الأثر فهو أن يتحقّق الرضاع بمقدار ينبت اللحم ويشدّ العظم ، ويدلّ عليه مثل صحيحة حمّاد المتقدّمة كصحيحة علي بن رئاب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال : ما أنبت اللحم وشدّ العظم ، قلت : فيحرم عشر رضعات؟ قال : لا ، لأنّه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات(2) . ويستفاد من هذه الرواية أنّ الأثر ـ وهو نبات اللحم وشدّ العظم ـ هو الأصل في الحدّ ، والعدد حاك عنه .
وامّا الزمان فيدلّ عليه مثل رواية زياد بن سوقة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : هل للرضاع حدّ يُؤخذ به؟ فقال : لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها ، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتهما امرأة اُخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما(3) .
- (1) الكافي : 5/438 ح5 ، التهذيب : 7/312 ح1294 ، الاستبصار : 3/193 ح699 ، الوسائل : 20/382 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب3 ح1 .
- (2) التهذيب : 7/313 ح1298 ، الاستبصار : 3/195 ح704 ، الوسائل : 20/374 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح2 .
- (3) التهذيب : 7/315 ح1304 ، الاستبصار : 3/192 ح696 ، الوسائل : 20/374 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح1 .