(الصفحة 59)فصل في عقد النكاح وأحكامه
النكاح على قسمين : دائم ومنقطع ، وكلّ منهما يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين دالّين على إنشاء المعنى المقصود والرّضا به دلالة معتبرة عند أهل المحاورة ، فلا يكفي مجرّد الرضا القلبي من الطرفين ولا المعاطاة الجارية في غالب المعاملات ولا الكتابة ، وكذا الإشارة المفهمة في غير الأخرس ، والأحوط لزوماً كونه فيهما باللفظ العربي ، فلا يجزي غيره من سائر اللغات إلاّ مع العجز عنه ولو بتوكيل الغير ، وإن كان الأقوى عدم وجوب التوكيل ، ويجوز بغير العربي مع العجز عنه ، وعند ذلك لا بأس بإيقاعه بغيره لكن بعبارة يكون مفادها مفاد اللفظ العربي بحيث تعدّ ترجمته1.
1 ـ إنّ انقسام النكاح إلى قسمين : دائم ومنقطع ، الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء من الإماميّة ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ من خصائص الإسلام ، ومن جملة أحكامه الظاهرة التي لا ارتياب فيها ، بل ربّما يمكن أن يحصل بسبب عدمه بعض
(الصفحة 60)
الإشكالات على الإسلام ، فانّ الزوجين قد يكونان في شرائط خاصّة غير مقتضية للازدواج الدائم ، ومع ذلك يكونان في أعلى مرتبة الشهوة والهيجان الجنسي ، فانّه في هذه الصورة إذا لم يكن النكاح المنقطع والازدواج المؤقّت مشروعاً لكان اللازم نوعاً الوقوع في الحرام كالطالبين والطالبات في الجامعات ، خصوصاً مع أنّ الإزدواج الموقت يكون له أحكام خاصّة ، ولا يكون فيها على الزوج كثير كلفة ومشقّة .
بخلاف الازدواج الدائم فيقع بين الزوجين الشابّين ذلك ، وإذا لم يردا الدخول يجوز اشتراط العدم ، ومع التراضي في هذه الصورة يجوز الفعل ، وكون ذلك أمراً يعدّ قبيحاً عند المتشرّعة انّما يكون منشأه عدم الالتزام بأحكام الإسلام طرّاً ، وإلاّ فلا قبح فيه ، والتوقّف على إذن الوالد أو أبيه محلّ إشكال وخلاف ، فالإنصاف أنّ النكاح المنقطع من خصائص الإسلام ، ومن حرّمه من المتصدّين للزعامة والحكومة فقد نقص في الإسلام .
ثمّ إنّ كلاًّ منهما يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين دالّين على إنشاء المعنى المقصود بالدلالة المعتبرة عند أهل المحاورة ، ولا يكفي مجرّد الرضا الباطني من الطرفين من دون إنشاء ، ولا المعاطاة الجارية في غالب المعاملات للاجماع(1) ظاهراً على عدم جريانها في النكاح ، ويمكن أن يكون الوجه فيه عدم دلالة الفعل على المقصود في باب النكاح نوعاً ، وهذا يكفي في عدم الجريان وان كان مقروناً بقرينة ، وكذا لا تكفي الكتابة ولا الإشارة وإن كانت الأولى صريحة
- (1) المبسوط : 4/193 ، شرائع الإسلام : 2/274 ، قواعد الأحكام : 2/4 ، الروضة البهية : 5/108 ، مسالك الأفهام : 7/97 ، الحدائق الناضرة : 23/157 .
(الصفحة 61)مسألة 1 : الأحوط لو لم يكن الأقوى أن يكون الإيجاب من طرف الزوجة والقبول من طرف الزوج ، فلا يجزي أن يقول الزوج : «زوّجتك نفسي» فتقول الزوجة : «قبلت» على الأحوط ، وكذا الأحوط تقديم الأوّل على الثاني ، وإن
والثانية مفهمة كافية في الأخرس .
وأمّا اعتبار كونه باللفظ العربي ، وعدم أجزاء غيره من سائر اللغات بنحو الاحتياط اللزومي فيما إذا لم يكن عاجزاً عنه ، فالوجه فيه أنّ الفروج يكون المطلوب فيها شدّة الاحتياط ، خصوصاً مع ملاحظة أصالة عدم تحقّق الزوجيّة ، ثمّ إنّ العجز تارة بملاحظة نفسه واُخرى عن توكيل الغير أيضاً ، ومقتضى الاحتياط الرعاية في صورة القدرة على التوكيل ، وأمّا في صورة العجز عنه أيضاً فلا إشكال في اجزاء سائر اللغات إذا كانت مفيدة للألفاظ العربي بحيث تعدّ ترجمة له .
والسرّ فيه أنّ النكاح لا يكون مثل الصلاة التي لا يجزي فيها الترجمة وسائر اللّغات ، لأنّ النكاح من المعاملات بالمعنى الأعم ، والشارع لم يخترعه ولم يؤسّسه بل انّما أضاف إلى النكاح المتداول بين العقلاء خصوصيات وجودية أو عدمية ، والغرض منه هو الغرض العقلائي المترتّب عليه ، غاية الأمر وجود أحكام خاصة لدى الشارع ، وأمّا الصلاة فهي حقيقة مخترعة شرعية وإن لم نقل بثبوت الحقيقة الشرعية لها ، وهدف الشارع وحدة المسلمون واتّحادهم في مقام أداء هذه الفريضة من دون اختلاف في البين ، ومن الواضح تأثير هذا في وحدة الأُمّة الإسلاميّة ، كما أنّ الكتاب الذي جاء به النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعنوان المعجزة الباقية الخالدة يكون بلسان عربيّ مبين ، والتحدّي أيضاً بهذه الملاحظة ، فلا يقاس النكاح بمثل باب الصلاة بوجه كما لا يخفى .
(الصفحة 62)كان الأظهر جواز العكس إذا لم يكن القبول بلفظ «قبلت» وأشباهه1.
1 ـ في هذه المسألة أمران :
الأوّل : أنّ المذكور في المتن أنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى أن يكون الإيجاب من طرف الزوجة والقبول من طرف الزوج ، والسرّ فيه ـ مضافاً إلى أنّه إجماعي(1) وفي صورة الشك تجري أصالة عدم الزوجية ، وأنّ الفروج يكون المطلوب فيها شدّة الاحتياط لاهتمام الشرع بها ـ التعبير في بعض الروايات المتقدّمة بأنّ الزوج يشتريها بأغلى الثمن(2) فجعل الزوج مشترياً ، ولازمه كون الزوجة بائعة ، والإيجاب إنّما هو من طرف البائع ، مع أنّ المقصود بالأصالة في عقد الزواج هو البضع والمهر عوض عنه ، فالمحور الأصلي في هذه المعاوضة ما يرتبط بالزوجة ، وعليه فالتقديم أي الإيجاب من قبل الزوجة لو لم يكن الأقوى يكون مقتضى الاحتياط .
الثاني : تقديم القبول على الإيجاب ، وقد عنون هذه المسألة الشيخ الأنصاري(قدس سره)في متاجره مفصّلاً(3) والتحقيق أنّه إذا كان القبول بلفظ «قبلت» وأشباهه ممّا يكون في معناه سبق شيء وحصول أمر سابق فلا يجوز أن يكون متقدّماً على الإيجاب ، وأمّا إذا لم يكن القبول بمثل لفظ «قبلت» بل كان ببعض ألفاظ اُخر دالّة على القبول ، كاشتريت في باب البيع وتزوّجت في باب النكاح ، فالظاهر أنّه لا دليل على اعتبار تقديم الإيجاب ، بل يجوز تقديم القبول ، ولكن مقتضى ما ذكرنا من شدّة الاحتياط في الفروج وسائر ما ذكر هو العدم ، كما لا يخفى .
- (1) الخلاف: 3/39 مسألة 56، غاية المراد: 2/15 ـ 16.
- (2) في ص52 و53 .
- (3) كتاب المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 16/140 .
(الصفحة 63)مسألة 2 : الأحوط أن يكون الإيجاب في النكاح الدائم بلفظي «أنكحت» أو «زوّجت» فلا يوقع بلفظ «متّعت» على الأحوط ، وإن كان الأقوى وقوعه به مع الإتيان بما يجعله ظاهراً في الدوام ، ولا يوقع بمثل «بعت» أو «وهبت» أو «ملّكت» أو «آجرت» وأن يكون القبول بلفظ «قبلت» أو «رضيت» ويجوز الاقتصار في القبول بذكر «قبلت» فقط بعد الإيجاب من دون ذكر المتعلّقات التي ذكرت فيه ، فلو قال الموجب الوكيل عن الزوجة للزوج : «أنكحتك موكّلتي فلانة على المهر الفلاني» فقال الزوج : «قبلت» من دون أن يقول «قبلت النكاح لنفسي على المهر الفلاني» صحّ1.
1 ـ في هذه المسألة أمران أيضاً :
الأوّل : لا إشكال في وقوع الإيجاب في النكاح الدائم بلفظي «أنكحت» أو «زوّجت» وأمّا وقوعه بلفظ «متّعت» ففيه خلاف وتردّد كما في الشرائع(1) وإن رجّح الجواز ، ومنشأ التردّد كونه من ألفاظ النكاح ، ولذا لو نسي الأجل انقلب دائماً ، ومن كونه حقيقة في المنقطع مجازاً في الدائم; والعقود اللازمة سيما النكاح لابدّ وأن يكون بغير الألفاظ المجازية .
هذا ، ولكن يمكن المناقشة في المجازية نظراً إلى أنّ تتبّع موارد الاستعمال في الكتاب والسنّة يقضي بعدم الاختصاص ، والإنصاف أنّه لو فرض في مقام ظهوره في الدوام بقرينة حال أو مقال يجوز الاكتفاء به ، واُمّا مثل «بعت» أو «وهبت» أو «ملّكت» أو «آجرت» فالظاهر عدم تحقّق الإيجاب في النكاح الدائم به ، لعدم الظهور العرفي في ذلك ، والنصوص وإن كانت خالية عن التعرّض لخصوص
- (1) شرائع الإسلام : 2/273 .