(الصفحة 168)
صاحب الوسائل في موضعين من الباب الثاني من أبواب ما يحرم بالرضاع ، بل في ثلاثة مواضع وليس في موضعين ، منها : قوله : قد رضع منها عشر رضعات .
هذا ، مضافاً إلى عدم انحصار الرضاع المحرّم بالمذكورات فيها ، لأنّ رضاع المتبرّعة أو المستأجرة أيضاً يكون كذلك ، وإلى أنّ نوم الصبي بعده لا دخالة له أصلاً في التحريم ، وإلى احتمال الشيخ(قدس سره) أن يكون المراد به نفي التحريم عمّن أرضع رضعة أو رضعتين ، فلا مجال للأخذ بها .
وأمّا رواية مسعدة ، فانّما تكون دلالتها بالمفهوم ، ونحن لا نقول به كما حقّقناه في المباحث الاُصولية ، وهكذا بالإضافة إلى رواية عمر بن يزيد .
وأمّا رواية عبيد بن زرارة ، فهي على خلاف المطلوب أظهر دلالة ، ضرورة ظهوره في كون الجواب لا ، وإلاّ لذكره ، مضافاً إلى أنّه بنفسه روى عدم تحريم العشر كما مرّت في روايات الطائفة الثانية .
هذا ، مضافاً إلى احتمال التقية في روايات الطائفة الاُولى ، وإلى كونها مخالفة للأصل ، وإلى ما عرفت من أنّ الأصل هو الإنبات والاشتداد ، والعشرة لا تؤثّر في هذه الجهة ، فلا محيص إلاّ عن الأخذ بما يدلّ على اعتبار الخمس عشرة ، خصوصاً مع ما عرفت من عدم اشتهار غيره بين القدماء ، وإلى ذهاب الفقهاء من الرواة به ، بل لم ينقلوا روايات غيره أصلاً .
هذا ، وأمّا الزمان فلا شكّ في ثبوت التحريم برضاع يوم وليلة لفتوى الطائفة قديماً وحديثاً به(1) ، بل للإجماع المدّعى عليه في الخلاف(2)
- (1) الكافي في الفقه: 285، السرائر: 2 / 520، قواعد الاحكام: 2 / 10، المؤتلف من المختلف: 2 / 282، الروضة البهية: 5 / 157، مسالك الأفهام: 7 / 222 ، رياض المسائل: 6 / 431.
- (2) الخلاف : 5/95 .
(الصفحة 169)
والتذكرة(1) وكشف اللثام(2) . ويدلّ عليه جملة من الروايات التي ذكرناها ، وفي مقابلها ما في فقه الرضا (عليه السلام) ، الذي يكون فاقداً للحجّية رأساً(3) .
ومرسلة الصدوق في الهداية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ولا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع خمسة عشر يوماً ولياليهنّ ، وليس بينهنّ رضاع(4) .
ومثله مرسلته في المقنع قال : وروي أنّه لا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع خمسة عشر يوماً ولياليهنّ ليس بينهن رضاع(5) . ومن الظاهر أنّه لا مجال للأخذ بهما; لأنّهما مضافاً إلى كونهما مرسلتين غير معتبرتين مخالفة لكلتا الطائفتين من الروايات المتقدّمة ، الدالّة على كفاية العشر أو الخمس عشر مرّات .
نعم ، هنا رواية صحيحة رواها الشيخ والصدوق عن علاء بن رزين ، عن الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن الرضاع؟ فقال : لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضع من ثدي واحد سنة(6) . وذكر في الوسائل بعد نقلها : قال الشيخ : هذا نادر مخالف للأحاديث كلّها . أقول : يمكن حمله على التقية ، والحصر الإضافي بالنسبة إلى ما دون الخمس عشرة أو بالنسبة إلى ما ارتضع من لبن فحلين ، وأن يكون سنة ظرفاً
- (1) تذكرة الفقهاء : 2/620 .
- (2) كشف اللثام : 7/134 ـ 135 .
- (3) فقه الرضا (عليه السلام) : 30 ، مستدرك الوسائل : 14/366 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح2 .
- (4) الهداية : 266 ـ 267 ، مستدرك الوسائل : 14/366 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح1 .
- (5) المقنع : 330 ، الوسائل : 20/379 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح15 .
- (6) التهذيب : 7/318 ح1315 ، الاستبصار : 3/198 ح718 ، الفقيه : 3/307 ح 1475 ، الوسائل : 20/378 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح13 .
(الصفحة 170)مسألة 3 : المعتبر في إنبات اللحم وشدّ العظم استقلال الرضاع في حصولهما على وجه يُنسبان إليه ، فلو فرض ضمّ السُكّر ونحوه إليه على نحو يُنسبان إليهما أشكل ثبوت التحريم ، كما أنّ المدار هو الإنبات والشدّ المعتدّ به منهما على نحو مبان يصدقان عرفاً ، ولا يكفي حصولهما بالدّقة العقلية ، وإذا شكّ في حصولهما بهذه المرتبة أو استقلال الرضاع في حصولهما يرجع إلى التقديرين الآخرين1.
للرضاع كما يأتي في مثله ، ومفهومه غير مقصود .1 ـ قد عرفت(1) أنّ الأصل في التحديدات الثلاثة في الرضاع المحرّم هو الأثر ، وهو إنبات اللحم وشدّ العظم . فاعلم أنّ ظاهر ما يدلّ على الإنبات والشدّ أمران : أحدهما : صحّة النسبة إلى الرضاع بحيث كان الرضاع مؤثّراً فيه ، وثانيهما : استقلال الرضاع في حصولهما عرفاً ، فلو ضمّ السكّر أو ماؤه إلى اللبن المفروض بحيث كان الإنبات والشدّ منسوبين إليهما معاً ،كالعلّتين بالإضافة إلى معلول واحد ، وإن كانت النسبة مختلفة ومقدار التأثير متفاوتاً ، فيشكل ثبوت التحريم بل الظّاهر عدمه ، وعليه فما هو المتداول في زماننا من ضمّ اللبن الصناعي المسمّى في الفارسيّة بـ «شير خشك» لا يوجب تحقّق التحريم .
ثمّ إنّ هذين العنوانين إنّما هما كسائر العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام يكون المرجع فيه هو العرف ، ولا يكفي الحصول بالدقّة العقلية المتحقّقة بأقلّ من التحديدات الثلاثة ، فاللاّزم الحصول بنظر العرف . غاية الأمر أنّه قد مرّ منّا(2) أنّ
- (1) في ص 161 .
- (2) في ص 162 ـ 163 .
(الصفحة 171)مسألة 4 : يُعتبر في التقدير بالزمان أن يكون غذاؤه في اليوم والليلة منحصراً باللّبن ، ولا يقدح شرب الماء للعطش ولا ما يأكل أو يشرب دواء إن لم يخرج ذلك عن المتعارف ، والظاهر كفاية التلفيق في التقدير بالزمان لو ابتدأ بالرضاع في أثناء الليل أو النهار1.
تشخيص الإنبات يغاير تشخيص الاشتداد ، فإنّ الأوّل أمرٌ يعرفه غالب الناس والعرف نوعاً ، وأمّا الثاني فلا يدركه إلاّ أفراد نادرة متخصّصة في هذه الأمور ، وإلاّ فالأفراد العادية لا يكاد لهم إحساس ذلك .
ثمّ إنّه لو شكّ في حصول العنوانين بالنحو المذكور ، فإنّه لو لم يكن شيء من التقديرين الآخرين فالظّاهر عدم تحقّق الرضاع المحرّم لاقتضاء الاستصحاب العدم ، ومع وجود واحد من التقديرين الآخرين فالّلازم الرجوع إليه خصوصاً مع عدم العلم بعدم العنوانين .1 ـ في الجواهر بعد حكاية تصريح كاشف اللثام(1) بالأمر المذكور قال : وهو متّجه مع فرض انتفاء صدق رضاع يوم وليلة بذلك ، لكن دعوى ذلك في جميع الأفراد محلّ شكّ ، كما لو فرض ارتضاع الصبي بعض الرضعة واشتغل بلعب ونحوه حتى تحقّق الفصل الطويل ثمّ ارتضع رضعة كاملة ، فإنّه قد يمنع عدم صدق رضاع يوم وليلة فيه ، ضرورة ابتناء ذلك على العرف(2) .
أقول : ظاهر ما يدلّ على اعتبار اليوم والليلة في تحقّق الرضاع المحرّم امران :
أحدهما : أن يستفيد الطفل غذائه من اللبن ولم يمض عليه زمان يكون محتاجاً
- (1) كشف اللثام : 7/139 .
- (2) جواهر الكلام : 29/289 .
(الصفحة 172)مسألة 5 : يُعتبر في التقدير بالعدد أمور :
منها : كمال الرضعة ، بأن يُروى الصّبي ويصدر من قبل نفسه ، ولا تُحسب الرضعة الناقصة ولا تُضمّ الناقصات بعضها ببعض ، بأن تُحسب رضعتان ناقصتان أو ثلاث رضعات ناقصات مثلا واحدة . نعم لو التقم الصبي الثدي ثمّ رفضه لا بقصد الإعراض بأن كان للتنفّس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال من ثدي إلى آخر وغير ذلك كان الكلّ رضعة واحدة .
ومنها : توالي الرضعات ، بأن لا يفصل بينها رضاع امرأة أخرى رضاعاً تامّاً كاملا على الأقوى ومطلقاً على الأحوط . نعم لا يقدح القليل جدّاً ، ولا يقدح في
إليها وممنوعاً عنها .
ثانيهما : أن لا يستفيد من غير اللّبن ولو كان دواء بنحو غير المتعارف ، نعم الدواء غير الخارج عن المتعارف لا يضرّ ، نعم ذكر في الجواهر : ثمّ إنّه هل المعتبر مع ذلك حصول العدد بشرائطه كيف اتّفق أم يعتبر مع صحّة مزاج الولد؟ وجهان كما في المسالك ، قال : وتظهر الفائدة لو كان مريضاً ورضاعه قليل الكمّية ، وحصل العدد المعتبر منه بحيث كان مرتوياً في جميعها بحسب حاله ، فعلى الأوّل يكفي ذلك في نشر الحرمة ، عملا بإطلاق النصّ الشامل له . وعلى الثاني يُعتبر في الكميّة مقدار ما يتناوله صحيح المزاج ، حملا على المعهود . والوجهان آتيان في القدر الزماني(1) .
ثمّ إنّ الظاهر كفاية التلفيق في التقدير بالزمان لو ابتدأ بالرضاع في أثناء الليل أو النهار ، لأنّ العرف لا يفهم من مثل هذا التقدير إلاّ مجموع ساعات اليوم والليلة وإن كانت بنحو التلفيق ، كما هو واضح .
- (1) مسالك الأفهام : 7/224 ، جواهر الكلام : 29/289 .