(الصفحة 398)مسألة 5 : إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع اليمين إن لم تكن لمدّعيه بيّنة ، ويثبت بها العيب حتى العنن على الأقوى ، كما أنّه يثبت كلّ عيب بإقرار صاحبه أو البيّنة على إقراره ، وكذا يثبت باليمين المردودة على المدّعي ، ولو نكل المنكر عن اليمين ولم يردّها ردّها الحاكم على المدّعي ، فإن حلف يثبت به ، وتثبت العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع نسوة عادلات كما في نظائرها1.
1 ـ إذا وقع الاختلاف في أصل العيب وعدمه فالمنكر يكون قوله موافقاً للأصل ، أمّا في العيوب الحادثة فلأنّ الأصل عدم حدوثها بعد كون الحالة السابقة العدم ، وأمّا في غيرها من العيوب التي يمكن أن تكون موجودة من حين الولادة ، فلأنّ مقتضى أصالة السلامة المعتمدة عند العقلاء عدمها ، فالمنكر يكون قوله موافقاً لهذا الأصل ، مع أنّ تشخيص المدّعي والمنكر كما يأتي في كتاب القضاء(1) إن شاء الله تعالى بيد العرف ، وهو المعيار في ذلك ، ولا يكون مناطهما اُموراً اُخرى ، ومن الظاهر أنّ مدّعي العيب مدّع ومنكره منكر ، سواء كان هناك سائر المعايير أم لا .
نعم ، في العيوب الظاهرة التي تظهر للحاكم بالنظر ربما يقال : بأنّه لا حاجة إلى إجراء حكم المدّعي والمنكر ، بل تظهر للحاكم بالنظر ، وأمّا في غيرها فالحكم في المقام كسائر الموارد ، من أنّ الحقّ مع إقامته البيّنة ولو كان العيب المدّعى به عنناً ، فانّه لو قامت البيّنة على ثبوته ووجوده يثبت ، ومع عدم إقامته البيّنة تصل النوبة إلى يمين المنكر ، فإن حلف أو ردّ على المدّعي فبها ، ولو نكل فلم يحلف ولم يرد
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 75 ـ 77 .
(الصفحة 399)مسألة 6 : لو ثبت عنن الرجل فإن صبرت فلا كلام ، وإن لم تصبر ورفعت أمرها إلى حاكم الشرع لاستخلاص نفسها منه أجّلها سنة كاملة من حين المرافعة ، فإن واقعها أو واقع غيرها في أثناء هذه المدّة فلا خيار لها ، وإلاّ كان لها الفسخ فوراً عرفياً ، فإن لم تبادر به فإن كان بسبب جهلها بالخيار أو فوريّته لم يضرّ كما
يردّها الحاكم على المدّعي ، فان حلف ثبت وإن لم يحلف سقطت دعواه .
نعم خصوصية المقام إنّما هي في أنّ العيوب الباطنة تجزي شهادة النساء فيها أيضاً ، وقد ورد في بعض الروايات المتقدّمة(1) «وإن كان بها ما لا يراه الرجال جازت شهادة النساء عليها» وذلك مثل القرن والعفل كما عرفت(2) .
هذا ، ولكن ورد في خصوص العنن مرسلة الصدوق المعتبرة في نفسها ، قال : قال الصادق (عليه السلام) : إذا ادّعت المرأة على زوجها أنّه عنّين وأنكر الرجل أن يكون ذلك ، فالحكم فيه أن يقعد الرجل في ماء بارد ، فإن استرخى ذكره فهو عنّين ، وإن تشنّج فليس بعنّين(3) .
قال : وفي خبر آخر أنّه يطعم السمك الطري ثلاثة أيّام ، ثم يقال له : بل على الرماد ، فإن ثقب بوله الرماد فليس بعنّين ، وإن لم يثقب بوله الرماد فهو عنين(4) . لكن مشهور الأصحاب(5) أعرضوا عن الروايتين ، خصوصاً مع أنّ الثانية مرسلة .
- (1) في ص391 .
- (2) في ص 387 .
- (3) الفقيه : 3/357 ح1705 ، الوسائل : 21/234 ، أبواب العيوب والتدليس ب15 ح4 .
- (4) الفقيه : 3/357 ح1706 ، الوسائل : 21/234 ، أبواب العيوب والتدليس ب15 ح5 .
- (5) جامع المقاصد : 13/263 ، مسالك الأفهام : 8/133 ، جواهر الكلام : 30/353 .
(الصفحة 400)مرّ ، وإلاّ سقط خيارها ، وكذا إن رضيت أن تقيم معه ثمّ طلبت الفسخ بعد ذلك ، فانّه ليس لها ذلك1.
1 ـ لو ثبت عنن الرجل بإقراره أو قيام البيّنة عليه أو على إقراره ، فإن رضيت المرأة وصبرت مع هذا الرجل المعيوب فلا كلام ، وإن لم تصبر ورفعت إلى حاكم الشرع لاستخلاص نفسها منه أجّلها سنة كاملة من حين المرافعة ، كما يدلّ عليه فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقوله على ما في روايات كثيرة :
منها : رواية أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) : إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : يؤخّر العنّين سنة من يوم ترافعه امرأته ، فإن خلص إليها وإلاّ فرّق بينهما ، فإن رضيت أن تُقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار ولا خيار لها(1) .
وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : العنّين يتربّص به سنة ، ثمّ إن شاءت امرأته تزوّجت ، وإن شاءت أقامت(2) .
وغير ذلك من الروايات(3) الواردة في هذا المجال .
ثمّ إنّ الملاك في العنن عدم القدرة على وطء امرأته وغيرها ، فلو لم يقدر على وطء زوجته لجهة دون غيرها لا يكون عنّيناً ، كما أنّه لو مضت السنة مع عدم القدرة على الوطء مطلقاً ، فالواجب على الزوجة مع العلم المبادرة العرفيّة بالفسخ إن لم ترض أن تقيم معه . نعم لو كانت جاهلة بأصل الخيار أو بفوريته يكون الجهل
- (1) التهذيب : 7/431 ح1719 ، الإستبصار : 3/249 ح894 ، الوسائل : 21/232 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 ح9 .
- (2) التهذيب : 7/431 ح1716 ، الإستبصار : 3/249 ح891 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 77 ح170 ، الوسائل : 21/231 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 ح5 .
- (3) الوسائل : 21/229 ـ 234 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 و15 .
(الصفحة 401)مسألة 7 : الفسخ بالعيب ليس بطلاق ، سواء وقع من الزوج أو الزوجة ، فليس له أحكامه إلاّ تنصيف المهر في الفسخ بالعنن كما يأتي ، ولا يعتبر فيه
شروطه ، فلا يحسب من الثلاثة المحرّمة المحتاجة إلى المحلّل ، ولا يعتبر فيه عذراً ، كما مرّ(1) .
نعم ، لو علمت بذلك ورضيت بالإقامة معه ثمّ طلبت الخيار بعد ذلك فلا خيار ، كما وقع التصريح به في بعض الروايات المتقدّمة أيضاً; لأنّه بمجرّد الرضا بالإقامة معه وعدم المبادرة العرفيّة إلى الفسخ يسقط الخيار ، فلا يكون خيار بعد ذلك ، كما لايخفى .
وكيف كان فقد ذكر المحقّق في الشرائع : ولو ثبت العنن ثمّ ادّعى الوطء فالقول قوله مع يمينه(2) . والوجه فيه أنّه لا يعلم إلاّ من قبله ، لا يقال : إنّ مقتضى الاستصحاب بقاء العنن فالأصل مع المرأة ، لأنّا نقول : إنّ ثبوت العنن متوقّف على انقضاء الأجل من دون إمكان الوطء وهو لم يثبت ، وإنّما الثابت قبلها مجرّد العجز الذي يمكن معه العنّة وعدمها ، واستصحاب بقاء العجز لا يثبت العنّة بعد عدم حجّية الأصل المثبت .
ويؤيّده رواية أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : إذا تزوّج الرجل المرأة الثيّب التي تزوّجت زوجاً غيره فزعمت أنّه لم يقربها منذ دخل بها فإنّ القول في ذلك قول الرجل ، وعليه أن يحلف بالله لقد جامعها لأنّها المدّعية ، الحديث(3) .
- (1) في ص397 .
- (2) شرائع الإسلام : 2/321 .
- (3) الكافي : 5/411 ح7 ، التهذيب : 7/429 ح 1709 ، الإستبصار : 3/251 ح 899 ، الوسائل : 21/233 ، أبواب العيوب والتدليس ب15 ح1 .
(الصفحة 402)الخلوّ من الحيض والنفاس ولا حضور العدلين1.مسألة 8 : يجوز للرجل الفسخ بعيب المرأة من دون إذن الحاكم ، وكذا المرأة بعيب الرجل . نعم مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم ، لكن من جهة ضرب الأجل حيث إنّه من وظائفه لا من جهة نفوذ فسخها ، فبعدما ضرب الأجل لها كان لها التفرّد بالفسخ عند انقضائه وتعذّر الوطء في المدّة من دون مراجعته2
1 ـ الفسخ بالعيب لا يكون طلاقاً وإن وقع من الزوج بعيب المرأة المشترك أو المختصّ ، ولا يترتّب عليه أحكامه ولا يعتبر فيه شروطه ، فلا يحتاج بعد الثلاثة إلى المحلّل ، ولا يعتبر فيه ما يعتبر في الطلاق من حضور العدلين والخلوّ من الحيض والنفاس .
نعم ، يأتي إن شاء الله تعالى(1) أنّ في الفسخ بالعنن تنصيف المهر ، ولكن هذه لا تدلّ على كونه طلاقاً ، ولذا قال المحقّق في الشرائع تفريعاً على أنّه ليس بطلاق ، فلا يطّرد معه تنصيف المهر(2) . ومعناه عدم ثبوت التنصيف بالإضافة إلى جميع العيوب ، ونفى الخلاف والإشكال في هذه الجهة صاحب الجواهر(قدس سره)(3) ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في بعض المسائل الآتية(4) .2 ـ يجوز للرجل الفسخ بعيب المرأة ، سواء كان مشتركاً أو مختصّاً بها من دون الرجوع إلى الحاكم فضلاً عن استئذانه لاطلاق الأدلّة ، كما أنّه يجوز للمرأة الفسخ
- (1) في ص407 .
- (2) شرائع الإسلام : 2/320 .
- (3) جواهر الكلام : 30/344 .
- (4) في ص 406 .