(الصفحة 595)ذلك أيضاً فيما إذا دفع لها نفقة يوم وعرض أحد تلك العوارض في أثنائه ، فيستردّ الباقي من نفقة اليوم1.
1 ـ لو دُفعت إليها نفقة أيّام كاسبوع مثلا وانقضت المدّة ولم تصرفها على نفسها ، أو استفضلت منها شيئاً بالتقتير على نفسها ، فالظّاهر أنّ النفقة بأجمعها في الفرض الأوّل والزيادة في الفرض الثاني تكون ملكاً لها تفعل بها ما تشاء ، وأضاف الجواهر عقيب الأوّل قولا واحداً ، وعقيب الثاني بلا خلاف أجده بينهم(1) .
أقول : وهذا دليل على عدم ثبوت الملكيّة بالقبض من الأوّل ، إذ بعد صيرورتها ملكاً لها لا تعقل صيرورتها ملكاً لها ثانياً ، فالحكم بالملكيّة في هذه الصورة شاهد على عدمها من أوّل الأمر ، والظاهر أنّ الوجه في الثبوت هنا أنّه لا يجري فيه البذل والإباحة بعد خروجه عن محلّ الابتلاء نوعاً ومجيىء نفقة جديدة في البين ، فلا يجوز للزوج استرداد النفقة أو الزيادة .
نعم ، لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائناً مع عدم الحمل يوزع المدفوع على الأيّام الماضية والآتية ، ويستردّ منها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، والظاهر أنّه لا فرق بين اليوم والأيّام ولا فرق بين يوم الطلاق وغيره ، وإن كان ظاهر عبارة قواعد الفاضل(2) بلحاظ استثناء يوم الطلاق هو الفرق ، إلاّ أنّ الظاهر العدم وإن قيل في وجه الفرق : بانّها في صورة الطلاق مسلّمة للعوض الذي هو التمكين ، وإنّما ردّه الزوج بالطلاق بخلاف غيره من الصور ، إلاّ أنّها كما ترى .
- (1) جواهر الكلام : 31/344 ـ 345 .
- (2) قواعد الأحكام : 2/54 .
(الصفحة 596)مسألة 12 : كيفيّة الإنفاق بالطّعام والإدام إمّا بمؤاكلتها مع الزوج في بيته على العادة كسائر عياله ، وإمّا بتسليم النفقة لها وليس له إلزامها بالنحو الأوّل ، فلها أن تمتنع من المؤاكلة معه وتُطالبه بكون نفقتها بيدها تفعل بها ما تشاء ، إلاّ أنّه إذا أكلت وشربت معه على العادة سقط ما عليه وليس لها أن تُطالبه بعده1.مسألة 13 : ما يدفع إليها للطعام والأدام إمّا عين المأكول كالخبز والتمر والطبيخ واللحم المطبوخ ممّا لا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج ومزاولة ومؤونة وكُلفة ، وإمّا عين تحتاج إلى ذلك كالحبّ والارز والدقيق ونحوها ، فإن لم يكن النحوان خلاف المُتعارف فالزوج بالخيار بينهما ، وليس للزوجة الامتناع ، ولو اختار النحو الثاني واحتاج إعداد المدفوع للأكل إلى مؤونة كالحطب وغيره كان عليه ، وإن كان أحدهما خلاف المتعارف يتّبع ما هو المتعارف2
1 ـ لا شبهة في أنّه إذا أكلت وشربت مع الزوج على العادة سقط ما عليه من الإنفاق وليس لها أن تطالبه بعده ، إلاّ أنّ الكلام في أنّه هل يتعيّن على الزوجة قبول ذلك أو أنّ لها أن تمتنع من المؤاكلة معه وتُطالبه بكون نفقتها بيدها؟ ظاهر المتن هو الثاني ، ولعلّ الوجه فيه أنّ أمر النفقة بيد الزوجة ، ولعلّها لم يصرفها بل يبقيها إلى أوان آخر ، خصوصاً مع كون المؤاكلة معه على خلاف عادتها الشخصيّة في نوع الغذاء أحياناً ، والإنصاف التفصيل بين الصورتين .
2 ـ تقدّم البحث في هذه المسألة في ذيل المسألة العاشرة ، ولا حاجة إلى الإعادة ، فراجع .
(الصفحة 597)مسألة 14 : لو تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والإدام وتسلّمت ملكته وسقط ما هو الواجب عليه ، وليس لكلّ منهما إلزام الآخر به1.مسألة 15 : إنّما تستحقّ في الكسوة أن يكسوها بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره ، ولا تستحقّ عليه أن يدفع إليها بعنوان التمليك ، ولو دفع إليها كسوة لمدّة جرت العادة ببقائها إليها فكستها فخلقت قبل تلك المدّة أو سرقت وجب عليه دفع كسوة أُخرى إليها ، ولو انقضت المدّة والكسوة باقية على نحو يليق بحالها ليس لها مطالبة كسوة أُخرى ، ولو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق تستردّ إذا كانت باقية ، وكذا الحال في الفراش والغطاء
1 ـ لا شبهة في أنّه مع التراضي على بذل الثمن وقيمة الطعام والإدام ، وتسلّمت الزوجة ملكته وسقط ما هو الواجب عليه ، أمّا سقوط ما هو الواجب عليه فواضح مع ثبوت التراضي من الطرفين ، وأمّا الملكية فلاستلزامها للإباحة المطلقة هنا ، وإن كان بالنسبة إلى الطعام الذي يدفعه الزوج إليها يجري احتمال إباحة الأكل غير الملازم للملكية ، كما في إطعام الضيف ، والفرق إنّما هو في الوجوب والاستحباب من دون حصول الملكية في احديهما ، وأمّا مع عدم التراضي فالواجب على الزوج الإنفاق بالكيفيّة المذكورة ، وأمّا القيمة فلا يجب على الزوج ، وليس للزوجة إلزامه بها بعد فرض كونها قيمة للطعام والإدام لأنفسهما ، كما لا يخفى .
والواجب على الزوج إنّما هو الطعام والإدام كما عرفت(1) . وربّما لا يكون الزوج واجداً للقيمة حتى يعطيها الزوجة مع مطالبتها إيّاها ، فالحقّ ما أفاده في المتن من أنّه ليس لكلّ منهما إلزام الآخر به ، أي ببذل الثمن وقيمة الطعام والإدام .
(الصفحة 598)واللّحاف والآلات الّتي دفعها إليها من جهة الإنفاق ممّا تنتفع بها مع بقاء عينها ، فإنّها كلّها باقية على ملك الزوج تنتفع بها الزوجة ، فله استردادها إذا زال استحقاقها إلاّ مع التمليك لها1.
1 ـ الذي ينبغي التعرّض له هنا أنّ الكسوة لا تكون مثل طعام اليوم وإدامه ، فإنّك عرفت(1) حصول الملكية لهما للزوجة ، بل عرفت(2) كونها ـ أي النفقة ملكاً لها لو أنفق نفقة اسبوع أو شهر وانقضت المدّة ولم تصرفها أو استفضلت منها زيادة ، وأمّا الكسوة فلا حاجة فيها إلى التمليك بل تستحقّ فيها أن يكسوها بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره . لا يقال : إنّ لبس اللباس غير الملكي ربّما يكون منافياً لشأنها وعادة أمثالها ، كما نراه بالوجدان في زماننا بالإضافة إلى بعض القبائل; لأنّا نقول حيث إنّ الثوب الاستعاري أو الاستيجاري لا يكون مشخّصاً حتى للزوجة ، فلا يجب عليه أزيد من ذلك . نعم ، مع التميّز لا يبعُد أن يُقال بعدم الجواز .
وممّا ذكرنا يظهر حكم المسكن والخدام ونحوهما ممّا علم من الأدلّة عدم اعتبار الملك في إنفاقهنّ ، بل المقصود مجرّد الإمتاع ، كما أنّه ظهر إنّه لو دفع إليها كسوة لمدّة جرت العادة ببقائها إليها ، فكستها فخلقت قبل تلك المدّة أو سرقت وجب عليه دفع كسوة أُخرى إليها ، والظاهر أنّ المراد هي الخلقة بحيث لم يكن يتعارف من أمثالها كسوته ، فإنّ الأشخاص مختلفة من هذه الجهة .
وما وردت في صحيحة شهاب المتقدّمة(3) من أنّها لا تستحقّ في السنة إلاّ أربعة أثواب : ثوبين للشتاء وثوبين للصيف ، فهو محمول على ما هو المتعارف في ذلك
- (1) في ص591 ـ 594 .
- (2) في ص594 ـ 595 .
- (3) في ص592 .
(الصفحة 599)مسألة 16 : لو اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتّفاقهما على الاستحقاق ، فإن كان الزوج غائباً أو كانت الزوجة منعزلة عنه فالقول قولها بيمينها وعليه البيّنة ، وإن كانت في بيته داخلة في عيالاته فالظاهر أنّ القول قول الزوج بيمينه وعليها البيّنة1.
الزمان ، وإلاّ فربّما تحتاج إلى أزيد من أربعة وربّما لا تحتاج إلى أربعة أيضاً ، كما إنّه قد ظهر أنّه لو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق تستردّ إذا كانت باقية ، وهكذا الحال في الفراش والغطاء واللحاف والآلات الّتي يدفعها إليها من جهة إطاعة ما هو وظيفته في باب الإنفاق نعم لو ملّكها زائداً على ما هو الواجب عليه يجري عليه حكم الهبة ، فتدبّر .1 ـ لو اختلف الزوجان في الإنفقاق وعدمه مع الاتّفاق على الاستحقاق من جهة عدم النشوز ونحوه من موانع الاستحقاف ، فقد فصّل في المتن بين ما لو كان الزوج غائباً أو كانت الزوجة منعزلة عنه ، فالقول قولها وعليه البيّنة ، وإن كانت في بيته داخلة في عيالاته فاستظهر أنّ القول قول الزوج بيمينه وعليها البيّنة ، والظاهر أنّ منشأه هو جعل المعيار في تشخيص المدّعي والمنكر هو أنّ المدّعي من يكون قوله مخالفاً للظاهر ، والمنكر من يكون قوله مو افقاً للظاهر ، وقد أثبتنا في كتاب القضاء(1) أنّ التشخيص إنّما هو بيد العرف ، وقد جعل الماتن(قدس سره) الأولى الرجوع إليه ، مع أنّ مجرّد غيبة الزوج لا يستلزم الظهور في العدم ، خصوصاً إذا كان الزوج متديّناً متعهّداً بأحكام الشرع ، ويعلم أنّ من أحكام الزوجيّة الإنفاق على الزوجة .
فالإنصاف تقديم قول الزوج بيمينه مع عدم ثبوت البيّنة للزوجة في جميع
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 75 ـ 77 .