(الصفحة 459)
خاتمة
في
الشروط المذكورة في عقد النكاح
مسألة 1 : يجوز أن يُشترط في ضمن عقد النكاح كلّ شرط سائغ ، ويجب على المشروط عليه الوفاء به كما في سائر العقود ، لكن تخلّفه أو تعذّره لا يُوجب الخيار في عقد النكاح بخلاف سائر العقود . نعم لو كان الشرط الالتزام بوجود صفة في أحد الزوجين مثل كون الزوجة باكرة أو كون الزوج مؤمناً غير مخالف فتبيّن خلافه أوجب الخيار كما مرّت(1) الإشارة إليه1.
1 ـ أما جواز الاشتراط في ضمن عقد النكاح كلّ شرط سائغ ووجوب الوفاء على المشروط عليه فواضح لا ينبغي الارتياب فيه ، وأمّا عدم كون تخلّفه أو تعذّره موجباً للخيار بخلاف سائر العقود ، حيث يكون خيار تخلّف الشرط ثابتاً فيها ، فلما ذكره صاحب الجواهر(قدس سره) من الوجه لعدم جواز اشتراط الخيار في عقد النكاح ،
- (1) تحرير الوسيلة : 2/265 مسألة 13 .
(الصفحة 460)مسألة 2 : إذا اشترط في عقد النكاح ما يخالف المشروع مثل أن لا يمنعها من الخروج من المنزل متى ما شاءت وإلى أين شاءت ، أو لا يعطي حقّ ضرّتها من المضاجعة ونحوها ، وكذا لو شرط أن لا يتزوّج عليها أو أن لا يتسرّى بطل الشرط وصحّ العقد والمهر وإن قُلنا بأنّ الشرط الفاسد يفسد العقد1.
وهو معلوميّة عدم قبول عقد النكاح لذلك; لأنّ فيه شائبة العبادة الّتي لا تقبل الخيار ، ولحصر فسخه بغيره ، ولذا لا تجري فيه الإقالة بخلاف غيره من عقود المعاوضات ، بل ذكر في الجواهر بطلان اشتراط الخيار مسلّم(1) . وإن وقع الخلاف في بطلان العقد أيضاً وعدمه ، فالمشهور على الأوّل(2) وابن إدريس على الثاني(3) .
وكيف كان فلا إشكال في أنّ تخلّف الشرط لا يوجب خياراً ، كما إذا اشترطت الزوجة أن يسكنها الزوج في محلّ مخصوص ، وتخلّف الزوج فأسكنها في غيره . نعم لو كان الشرط الالتزام بوجود صفة في أحد الزوجين : مثل كون الزوجة باكرة أو كون الزوج مؤمناً غير مخالف فتبيّن خلافه أوجب الخيار لدلالة النصّ عليه ، وقد مرّت(4) الإشارة إليه ، وهذا كما في العيوب الموجبة للخيار المتقدّمة ، وكذا التدليس على ما تقدّم .1 ـ المقصود من هذه المسألة أنّ الشرط الفاسد في عقد النكاح لا يوجب فساد العقد والمهر ، وإن قُلنا بأنّ الشرط الفاسد في غير عقد النكاح مثل البيع ونحوه
- (1) جواهر الكلام : 31/106 .
- (2) الخلاف : 4/292 ، المبسوط : 4/304 ، الجامع للشرائع : 441 ، إرشاد الأذهان : 2/17 ، جامع المقاصد : 13/294 ـ 395 ، مسالك الأفهام : 8/256 .
- (3) السرائر : 2/575 .
- (4) في «القول في العيوب الموجبة لخيار الفسخ والتدليس» مسألة 13 .
(الصفحة 461)
يوجب فساد العقد أيضاً ، والوجه فيه أمّا الإجماع(1) كما يظهر من الجواهر . ولذا أورد على تردّد المحقّق في الشرائع في بطلان العقد مع إشتراط الخيار فيه بقوله :
وفيه تردّد منشأه الالتفات إلى تحقّق الزوجيّة لوجود المقتضى وارتفاعه عن تطرّق الخيار أو الالتفات إلى عدم الرّضا بالعقد لترتّبه على الشرط(2) . بأنّ الأولى جعل منشأه التردّد في أنّ بطلان هذا الشرط لمخالفته مقتضى العقد أو لكونه غير مشروع ، فيكون مخالفاً للكتاب والسنّة ، فعلى الأوّل يتّجه بطلان العقد دون الثاني ثمّ قال : اللّهم إلاّ أن يكون مراده ذلك(3) .
أو يكون الوجه في المسألة دلالة بعض الروايات(4) الواردة في بعض الشروط الفاسدة على عدم اقتضاء فساده لفساد العقد ، ولعلّ النكتة فيه إرادة الشارع تحقّق الزوجيّة الناهية عن الفحشاء والمنكر طبعاً ، وعدم حدوث الخلل أو التزلزل فيها .
ولذا قد شاع النقل عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : النكاح من سنّتي ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي(5) وأمثال ذلك من التعبيرات، وقد ورد الحثّ والترغيب عليه في الكتاب(6) والسنّة(7) كثيراً، كما تقدّم بعضها في هذا الكتاب(8) . نعم في الشرط المنافي
- (1) جامع المقاصد : 13/388 ، الروضة البهيّة : 5/362 ، مسالك الأفهام : 8/245 ، رياض المسائل : 7/171 .
- (2) شرائع الإسلام : 2/330 .
- (3) جواهر الكلام : 31/106 .
- (4) الوسائل : 21/275 و297 ، أبواب المهور ب20 و38 .
- (5) البحار : 103/220 ، سنن ابن ماجة 1/592 ح1846 ، عوالي اللئالي : 2/360 ح3 .
- (6) سورة النور: 24/32.
- (7) الوسائل : 20/13 ـ 18 ، أبواب مقدّمات النكاح ب1 .
- (8) أي في أوّل الكتاب .
(الصفحة 462)مسألة 3 : لو اشترط أن لا يفتضّها لزم الشرط ، ولو أذنت بعد ذلك جاز من غير فرق بين النكاح الدائم والمنقطع1.
لمقتضى العقد ، كما إذا شرطت أن لا يتمتّع منها بوجه أصلا لا يكاد يجتمع الشرط مع قصد النكاح ، وقد مرّ في كلام الجواهر الإشارة إليه ، فتدبّر .1 ـ لأنّ الدخول أحد الاستمتاعات ، ولا يكون تمام المنظور في باب النكاح سيّما في النكاح المنقطع ، فإذا شرط عدمه لحفظ بعض الخصوصيّات يكون الشرط لازماً ، ولا يكون منافياً لمقتضى العقد أو الكتاب والسنّة ، ومنه يظهر أنّه لو أذنت بعد تحقّق التزويج يصير جائزاً; لأنّ الإذن بمنزلة إسقاط الحقّ للمشروط له ، والمفروض تحقّق الزوجيّة المسوّغة للدخول وعدم كونه غير مشروع .
وقد مرّ(1) في أوّل مباحث النكاح المنقطع أنّ من مزايا الإسلام تشريع هذا النوع من النكاح ، وأنّه يمكن أن يُشترط فيه عدم الدخول حفظاً لبعض الخصوصيّات ، وأنّه لو أذنت بعد ذلك لا يكون مثل الزنا ، فيمكن للزوجين غير المتمكّنين من النكاح الدائم ، خصوصاً في هذه الأزمنة الّتي يكون إجتماع المرء والمرأة في بعض الجامعات وغيره غير قليل التوسّل إلى هذا النوع من النكاح والتذاذهما به ، من غير أن يكون مستلزماً لتالي فاسد شرعي أو اجتماعي ، وإلاّ يلتجئان إلى الزنا المحرّم أو بعض الاستمتاعات المحرّمة ، كما لا يخفى .
ومنه يظهر أنّ العامّة(2) القائلين بحرمته نظراً إلى تحريم بعض خلفائهم(3) له قد
- (1) في «القول في النكاح المنقطع» مسألة1 .
- (2) المغني لابن قدامة:7/571 ـ 572،الشرح الكبير: 7/536،المجموع:17/421،المبسوط للسرخسي: 5/152.
- (3) راجع الغدير : 6/205 ـ 213 ، مسند أحمد : 5/134 ح14840 وص148 ح14922 السنن الكبرى للبيهقي : 7/206 .
(الصفحة 463)مسألة 4 : لو شرط أن لا يُخرجها من بلدها أو أن يُسكنها في بلد معلوم أو منزل مخصوص يلزم الشرط2
أزالوا هذه المزية والخصيصة عن الإسلام الرّاقي ، الجامع لجميع الأمور الدّخيلة في صلاح المجتمع .
2 ـ ويدلّ على الجواز ـ مضافاً إلى دلالة «المؤمنون عند شروطهم»(1) عليه لكون الشرط سائغاً جائزاً ـ بعض الروايات ، مثل :
الرواية الصحيحة عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يتزوّج المرأة ويشترط أن لا يُخرجها من بلدها ، قال : يفي لها بذلك ، أو قال : يلزمه ذلك(2) .
والرواية الصحيحة لإبن أبي عُمير قال : قلت لجميل : فرجل تزوج المرأة وشرط لها المقام في بلدها أو بلد معلوم؟ فقال : قد روى أصحابنا عنهم (عليهم السلام) أنّ ذلك لها وأنّه لا يُخرجها إذا شرط ذلك لها(3) خلافاً للشيخ(4) وبعض آخر(5) من بطلان الشرط لأجل المخالفة لمقتضى العقد الذي هو استحقاق الاستمتاع بها في كلّ زمان ومكان ، ويرد عليهما مضافاً إلى أنّ مخالفة مقتضى العقد موجب لبطلان العقد أيضاً ، كما مرّ منع كون مقتضاه ذلك حتّى مع شرط العدم ، مضافاً إلى الروايات(6) .
- (1) التهذيب : 7/371 ح1503 ، الإستبصار : 3/232 ح835 ، الوسائل : 21/276 ، أبواب المهور ب20 ح4 .
- (2) الكافي : 5/402 ح 2 ، التهذيب : 7/372 ح1506 ، الوسائل : 21/299 ، أبواب المهور ب 40 ح1 .
- (3) التهذيب : 7/373 ح1509 ، الوسائل : 21/300 ، أبواب المهور ب40 ح3 .
- (4) النهاية : 474 .
- (5) السرائر : 2/590 ، إيضاح الفوائد : 3/209 ، جامع المقاصد : 13/398 .
- (6) الوسائل : 21/275 و297 ، أبواب المهور ب20 و38 .