(الصفحة 563)
يكونان مشتركين في الولاية ، ولا ينتقض ذلك بأُمّ الأُمّ وأُمّ الأب ، نظراً إلى تسميتهما بالاُمّ لأنّ حضانة الأُمّ لما تكون مخالفة للأصل يقتصر فيها على المتيقّن ، وهي الأُم الأصليّة وبلا واسطة .
إنّما الكلام فيما إذا فقد أب الأب أيضاً ، فقد ذكر المحقّق في الشرائع : فإن عدم ـ أي أب الأب ـ قيل: كانت الحضانة للأقارب، وترتّبوا ترتيب الإرث، نظراً إلى الآية(1) . وفيه تردّد(2) . واختاره في المتن وأضاف أنّه مع التعدّد والتساوي في المرتبة والتشاح أُقرع بينهم ، والمستفاد من الجواهر كثرة أقوال الأصحاب في المسألة وتشتّتها .
فمنها : ما سمعت من أنّها للجدّ من الأب مع فقد الأبوين ، ومع عدمه فإن كان للولد مال استأجر الحاكم من يحضنه ، وإلاّ كانت حكم حضانته حكم الإنفاق تجب على الناس كفاية ، كما عن ابن إدريس(3) .
ومنها : ما اعتمد عليه في المسالك من أنّ حضانته بعد الأبوين للأولى بميراثه ، فإنِ اتّحد وإلاّ أُقرع بينهم(4) .
ومنها : ما في محكيّ الإرشاد من أنّها للأجداد دون من شاركهم في الإرث من الأخوة ، فإذا عدموا فإلى باقي مراتب الإرث(5) .
ومنها : ما عن المفيد من أنّها تكون لاُمّ الأب ، فإن لم تكن فلأبيه ، فإن لم يكونا
- (1) سورة الأنفال : 8/75 .
- (2) شرائع الإسلام : 2/346 .
- (3) السرائر : 2/654 .
- (4) مسالك الأفهام : 8/430 .
- (5) إرشاد الأذهان : 2/40 .
(الصفحة 564)
فلأُمّ الأُم(1) .
ومنها : ما عن أبي علي من أنّه من مات من الأبوين كان الباقي أحقّ به من قرابة الميّت ، إلاّ أن يكون المستحقّ له غير رشيد ، فيكون من قرب إليه أولى به ، فإن تساوت القرابات قامت القرابة مقام من هي له قرابة في ولايته ـ إلى أنّ قال : ـ والأُمّ أولى به ما لم تتزوّج ، ثمّ قرابتها أحقّ به من قرابة الأب; لحكم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بابنة حمزة لخالتها دون أمير المؤمنين (عليه السلام) وجعفر(2) إلى آخره(3) ،(4) .
والأمور الّتي ينبغي بل يجب أن تلحظ في المقام عبارة عن الآية الشريفة وقوله (صلى الله عليه وآله) المذكور في قصّة بنت حمزة ، وقوله (عليه السلام) في خبر داود المتقدّم : «الأم أحقّ به من العصبة»(5) وإشعار قوله تعالى :
{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}(6) . وما يُستفاد من مرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة(7) من ثبوت حقّ للوصي في الجملة ، وإن كانت الأُم أحقّ منه ، وأدلّة القرعة .
والظاهر أنّه مع عدم وجود الوصي للأب أو الجدّ يراعى مراتب الإرث ، وقصّة بنت حمزة لا تُنافيها; لأنّ عليّاً (عليه السلام)وجعفراً كانا ابني عمّ لها ، والخالة في المرتبة السابقة على ابن العمّ ، ومع التعدّد والتساوي في المرتبة والتشاح يُقرع بينهم ، وأمّا
- (1) المقنعة : 531 .
- (2) أمالي الطوسي : 342 ح700 ، الوسائل : 21/460 ، أبواب أحكام الأولاد ب73 ح4 .
- (3) حكي عنه في مسالك الأفهام : 8/431 ـ 432 ومختلف الشيعة : 7/309 .
- (4) جواهر الكلام : 31/296 ـ 297 .
- (5) في ص550 .
- (6) سورة آل عمران : 3/44 .
- (7) بل تقدّم في ص548 عن عبدالله بن سنان ، وقد قال صاحب الوسائل في ج21/456 ذ ح 2 : وبإسناده عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل ، وذكر الذي قبله .
(الصفحة 565)مسألة 18 : تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيداً فاذا بلغ رشيداً ليس لأحد حقّ الحضانة عليه حتى الأبوين ، بل هو مالك نفسه ذكراً كان أو أنثى1.
مع وجوده فبعد فقد الأبوين تصل النوبة إليه ، ثمّ مراتب الإرث ، كما لا يخفى .1 ـ لا إشكال ولا خلاف في أنّه إذا بلغ الولد خالياً عن الجنون والسفاهة لا يكون لأحد حقّ الحضانة عليه حتى الأبوين ، بل الخيار إليه في الإنضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما ، وفي الجواهر : بل يمكن تحصيل الإجماع عليه(1) . كما أنّه لا إشكال في سقوط حقّ الولاية إلاّ في باب النكاح في الباكرة ، حيث إنّك عرفت(2)الاختلاف فيها ، وقد مرّ هذا البحث .
بقي في أصل مسألة الحضانة أمرٌ يلزم ملاحظته ، وهي أنّ الحضانة من الحقوق الّتي أقلّ آثارها السقوط بالاسقاط أم من الأحكام ، وعلى الثاني بل هي من الأحكام الوجوبية أم الاستحبابيّة ، كما أنّه عليه تستحق الاُجرة أم لا ، والظاهر عدم تحرير هذه الحيثيّة في كلمات الأصحاب .
نعم ، ذكر في الجواهر بعد حكايتها عن القواعد(3) والمسالك(4) : أنّها ولاية وسلطنة على تربية الطفل ، وما يتعلّق بها أنّه إن كان المراد أنّها ولاية كغيرها من الولايات الّتي لا تسقط بالإسقاط ، وأنّه تجب على الأُم مراعاة ذلك على وجه لا تستحقّ عليه الأجرة ـ كما صرّح به في المسالك ـ ليس في شيء من الأدلّة ما تقتضي ذلك ، بل فيها ما يقتضي خلافه ، كالتعليق على مشيئتها والتعبير بالأحقيّة ، بل ظاهرها
- (1) جواهر الكلام : 31/301 .
- (2) في «فصل في أولياء العقد» مسأله 2 .
- (3 ، 4) قواعد الأحكام : 2/51 ، مسالك الأفهام : 8/421 .
(الصفحة 566)
كون هذه الأحقيّة مثلها في الرضاع ، وحينئذ لا يكون ذلك واجباً عليها ، ولها إسقاطه والمطالبة باُجرته ، اللّهمّ إلاّ أن يكون إجماعاً ولم نتحقّقه(1) .
أقول : الظاهر كون الحضانة حقّاً قابلا للإسقاط; لأنّه أقلّ آثار الحقّ كما عرفت ، ولكن هذا الحقّ له إضافة إلى الأُمّ أو الأب من جهة أنّ لهما الأولويّة في تربية الولد وما يتعلّق بها من غيرهما ، والأُم لها الأولويّة بالإضافة إلى الأب في مدّة الرضاع وبعدها التفصيل بين الأب والأُمّ ، وله إضافة إلى الولد من جهة كونه تحت تربية أحد الوالدين ، ولعلّه لذا ذكر الشهيد في قواعده أنّه لو امتنعت الأُم من الحضانة صار الأب أولى ، ولو امتنعا معاً فالظاهر إجبار الأب(2) . فإنّ الإجبار لا يكاد يتم إلاّ بناءً على ما ذكرناه ، ولا يبعد أن يقال بعدم السقوط بالإسقاط من هذه الجهة ، كما أنّه لا يبعد أن يقال بعدم استحقاق الأُجرة; لعدم إشعار شيء من الروايات الواردة في هذا المجال على الاستحقاق مع دلالة جملة منها عليه بالإضافة إلى الرضاع كما تقدّم(3) . فتدبّر جيّداً .
- (1) جواهر الكلام : 31/283 ـ 284 .
- (2) القواعد والفوائد : 1/396 .
- (3) في ص547 ـ 552 .
(الصفحة 567)
فصلٌ في النفقات
إنّما تجب النفقة بأحد أسباب ثلاثة : الزوجيّة والقرابة والملك .
مسألة 1 : إنّما تجب نفقة الزوجة على الزوج بشرط أن تكون دائمة فلا نفقة للمنقطعة ، وأن تكون مطيعة له فيما تجب إطاعتها له ، فلا نفقة للناشزة ، ولا فرق بين المسلمة والذمّية1.
1 ـ وجوب النفقة من حيث كونها نفقة إنّما يكون بأحد أسباب ثلاثة ، وأمّا من جهة وجوب حفظ النفس المحترمة كفاية أو عيناً فلا يدخل تحت هذه الأسباب الخاصّة ، لكن قد عرفت(1) الإشارة إلى أنّ سعة دائرة هذا الوجوب وضيقها يشكل الوصول إليها ، من جهة أنّه من المعروف بل المسلّم في الأنظار وجوب حفظ النفس المحترمة مطلقاً ، وانّه في أعلى مراتب الوجوب ، وأنّه لا يُقابله الواجبات الأُخر ، ويؤيّده عدم تأثير الإكراه على قتل مسلم في جوازه ولو وقع التهديد بالقتل .