(الصفحة 320)مسألة 16 : ومن أسباب التحريم اللعان بشروطه المذكورة في بابه(1) بأن يرميها بالزّنا ويدّعي المشاهدة بلا بيّنة ، أو ينفي ولدها الجامع لشرائط الإلحاق به وتنكر ذلك ورفعا أمرهما إلى الحاكم فيأمرهما بالملاعنة بالكيفية الخاصة ، فإذا تلاعنا سقط عنه حدّ القذف وعنها حدّ الزنا ، وانتفى الولد عنه وحرمت عليه مؤبّداً1.
عمل الوكيل على تقديره وإن كان يعدّ عملاً للموكّل ولو بالتسبيب ، إلاّ أنّك عرفت أنّ متعلّق الوكالة هو التزويج بعد الاحلال ، ونفس التوكيل لا دليل على حرمتها .
1 ـ سبب اللّعان أحد أمرين :
الأوّل : رمي الزوج الزوجة بالزنا وادّعائه المشاهدة . غاية الأمر أنّه لم يكن له بيّنة ، وإلى هذا الأمر يدلّ قوله تعالى :
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ}(2) إلى آخره .
الثاني : نفي ولد الزوجة في العقد الدائم مع كون شرائط الإلحاق موجودة بتمامها والزوجة منكرة ، فإذا رفعا أمرهما إلى الحاكم يأمرهما بالملاعنة بالكيفية الخاصة المذكورة في كتاب اللعان المأخوذة من الآية الشريفة ، فإذا تحقّقت الملاعنة يسقط عنه حدّ القذف لفرض عدم ثبوت البيّنة له ، ويسقط عنها حدّ الزنا لدلالة الآية الشريفة عليه ، وينتفى عنه الولد بالإضافة إلى الأمر الثاني ، وأمّا بالإضافة إلى الحرمة الأبدية الثابتة للزوجة بالنسبة إلى كلا الأمرين ، فلدلالة النصوص
- (1) تحرير الوسيلة : 2/322 ـ 325 .
- (2) سورة النور : 24/6 .
(الصفحة 321)مسألة 17 : نكاح الشغار باطل ، وهو أن تتزوّج امرأتان برجلين على أن يكون مهر كلّ واحد منهما نكاح الاُخرى ، ولا يكون بينهما مهر غير النكاحين ، مثل أن يقول أحد الرجلين للآخر : زوّجتك بنتي أو اُختي على أن تزوّجني بنتك أو اُختك ، ويكون صداق كلّ منهما نكاح الاُخرى ، ويقول الآخر : قبلت وزوّجتك بنتي أو اُختي هكذا ، وأمّا لو زوّج أحدهما الآخر بمهر معلوم وشرط عليه أن يزوّجه الاُخرى بمهر معلوم فيصحّ العقدان ، وكذا لو شرط أن يزوّجه الاُخرى ولم يذكر المهر أصلاً ، مثل أن يقول : «زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك» فقال : «قبلت وزوّجتك بنتي» فانّه يصحّ العقدان ويستحقّ كلّ منهما مهر المثل1.
المتعدّدة(1) والإجماع عليها(2) . فالمتحصّل أنّ من أسباب التحريم المؤبّد اللعان بالشروط المذكورة في بابه .1 ـ نكاح الشغار ـ بكسر الشين وفتحها والغين المعجمة ـ محرّم وباطل عندنا ، بل في الجواهر الإجماع(3) بقسميه عليه(4) بل لعلّ المحكيّ منهما متواتر ، وقد وردت فيه روايات متعدّدة ، مثل :
رواية غياث بن إبراهيم قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام(5) .
- (1) الوسائل : 22/407 ـ 412 ، كتاب اللعان ب1 .
- (2) مسالك الأفهام : 7/356 ، الحدائق الناضرة : 23/641 ، رياض المسائل : 6/518 .
- (3) الخلاف : 4/338 ـ 339 ، الروضة البهيّة : 5/244 ، كشف اللثام : 7/262 ، الحدائق الناضرة : 24/99 .
- (4) جواهر الكلام : 30/128 .
- (5) الكافي : 5/361 ح2 ، التهذيب : 7/355 ح1445 ، الوسائل : 20/303 ، أبواب عقد النكاح ب27 ح2 .
(الصفحة 322)
ومرفوعة جمهور عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن نكاح الشغار وهي الممانحة ، وهو أن يقول الرجل للرجل : زوّجني ابنتك حتّى أُزوّجك ابنتي على أن لا مهر بينهما(1) .
ورواية الحسين بن زيد ، عن الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث المناهي ، قال : ونهى أن يقول الرجل للرجل : زوّجني اُختك حتّى أزوّجك اُختي(2) .
ومرسلة ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) . أو عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : نهى عن نكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق إلاّ بضع صاحبتها ، وقال : لا يحلّ أن تنكح واحدة منهما إلاّ بصداق أو نكاح المسلمين(3) .
هذا ، والظاهر أنّ إضافة النكاح إلى الشغار إضافة بيانيّة من باب إضافة العام إلى الخاص ، وهو أمر كان معمولاً في الجاهليّة .
قال في الصحاح : الشغار بكسر الشين : نكاح كان في الجاهلية ، وهو أن يقول الرجل لآخر : زوّجني ابنتك أو اُختك على أن أزوّجك اُختي أو ابنتي ، على أنّ صداق كلّ واحدة منهما بضع الاُخرى ، كأنّهما رفعا المهر واخليا البضع عنه(4) .
وقال في القاموس : الشغار بالكسر ، أن تُزَوِّجَ الرجلَ امرأة على أن يزوّجك
- (1) الكافي : 5/361 ح3 ، التهذيب : 7/355 ح 1446 ، الوسائل : 20/304 ، أبواب عقد النكاح ب27 ح3 .
- (2) الفقيه : 4/3 ح1 ، الوسائل : 20/304 ، أبواب عقد النكاح ب27 ح4 .
- (3) الكافي : 5/360 ح1 ، الوسائل : 20/303 ، أبواب عقد النكاح ب27 ح1 .
- (4) الصحاح : 2/700 .
(الصفحة 323)
أُخرى بغير مهر ، صداق كلّ واحدة بضع الاُخرى ، أو يخصّ به القرائب(1) .
وقال المحقّق في الشرائع : وهو أن تُتزوّج امرأتان برجلين على أن يكون مهر كلّ واحدة نكاح الاُخرى(2) .
وكيف كان فيستفاد من بعض الروايات المتقدّمة والكلمات أنّ المهر في نكاح الشغار هو نكاح الاُخرى ، فإن كان المراد من نكاح الاُخرى هو البضع والاستمتاع ، كما في كلمات اللغويين يلزم أن يكون البضع مشتركاً بين الزوج والزوجة ، مضافاً إلى أنّ البضع لا يصلح أن يكون مهراً ، وإن كان المراد منه هو العقد لا الوطء والبضع فمن الواضح أنّه لا يكون هنا عقدان ولو مرتبطان ، بل عقد واحد مشتمل على إيجاب واحد وقبول واحد ، وقد تقدّم أنّه في المرسلة قد عبّر بجعل الصداق بضع الاُخرى ، وقد جعل الضابط كاشف اللثام في آخر كلامه أنّ كلّ نكاح جعل البضع فيه مهراً أو جزءه أو شرطه فهو باطل ، وإن جعل النكاح مهراً أو جزءه أو شرطه في نكاح بطل المسمّى دون النكاح ، وإن جعل شرطاً في النكاح ، فان علّق به بطل قطعاً ، وإلاّ فالظاهر فساد الشرط ، ويحتمل فساد المشروط أيضاً(3) .
قلت : الظاهر أنّ جعل النكاح مهراً أو جزءه أو شرطه يرجع إلى الأوّل; لأنّ البضع نتيجة النكاح وفائدته ، وهو المهر في الواقع .
هذا ، ولو وقع التزويج من أحدهما بمهر يصلح للمهرية وشرط عليه أن يزوّجه الاُخرى ، ثم تحقّق الوفاء بالشرط بعقد آخر يكون العقدان صحيحين بلا إشكال ،
- (1) القاموس المحيط : 2/62 .
- (2) شرائع الإسلام : 2/301 .
- (3) كشف اللثام : 7/265 .
(الصفحة 324)
وكذا لو وقع التزويج الأوّل بلا مهر بعد عدم لزوم ذكر المهر في النكاح الدائم ، كما سيأتي(1) إن شاء الله تعالى ، فانّ العقد الأوّل يقع صحيحاً والمهر فيه مهر المثل ، وكذا العقد الثاني المشروط كما لايخفى .