(الصفحة 160)
أنبت اللحم والدّم(1) . وغير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال ، ولابدّ من الأخذ بهذه الطائفة دون الطائفة الاُولى لو لم تكن قابلة للجمع الدلالي مع الطائفة الثانية; لثبوت أوّل المرجحات بالإضافة إليها ، وهي الموافقة للشهرة العظيمة المحقّقة ، وعليه فالحدّ معتبر في ثبوت الرضاع المحرّم ، وله تحديدات وتقديرات ثلاثة : الأثر ، والزمان ، والعدد .
أمّا الأثر فهو أن يتحقّق الرضاع بمقدار ينبت اللحم ويشدّ العظم ، ويدلّ عليه مثل صحيحة حمّاد المتقدّمة كصحيحة علي بن رئاب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال : ما أنبت اللحم وشدّ العظم ، قلت : فيحرم عشر رضعات؟ قال : لا ، لأنّه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات(2) . ويستفاد من هذه الرواية أنّ الأثر ـ وهو نبات اللحم وشدّ العظم ـ هو الأصل في الحدّ ، والعدد حاك عنه .
وامّا الزمان فيدلّ عليه مثل رواية زياد بن سوقة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : هل للرضاع حدّ يُؤخذ به؟ فقال : لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها ، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتهما امرأة اُخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما(3) .
- (1) الكافي : 5/438 ح5 ، التهذيب : 7/312 ح1294 ، الاستبصار : 3/193 ح699 ، الوسائل : 20/382 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب3 ح1 .
- (2) التهذيب : 7/313 ح1298 ، الاستبصار : 3/195 ح704 ، الوسائل : 20/374 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح2 .
- (3) التهذيب : 7/315 ح1304 ، الاستبصار : 3/192 ح696 ، الوسائل : 20/374 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح1 .
(الصفحة 161)
وأمّا العدد فيدلّ عليه مثل هذه الرواية .
ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرنا كون الأصل في التحديد هو الأثر ، فإن تحقّق وحده فالظاهر تحقق الرضاع المحرّم وإن لم يتحقق الزمان أو العدد ، إنّما الإشكال في أنّه لو تحقق أحد الأخيرين ولم يتحقّق الأثر فهل يتحقّق الرضاع المحرّم أم لا ، ونهى في المتن عن ترك الاحتياط مع فرض حصول أحدهما دونه .
هذا ، ولكن قد يقال : إنّ أقصى ذلك من الحكم بالكاشفية ، إ نّما هو بالإضافة إلى غير معلوم الحال لا الأعمّ منه وما علم عدمه ، وهو الذي قوّاه صاحب الجواهر(1)وليس ببعيد .
ثمّ إنّ ظاهر النصّ والفتوى اعتبار الأمرين في لزوم اعتبار الجمع بين الأمرين وعدمه معاً من نبات اللحم واشتداد العظم في تحقّق الحرمة ، فلا يكفي حينئذ أحدهما خلافاً للشهيد في اللمعة(2) حيث إنّه حكي عنه الاكتفاء بأحدهما ، وحكاه السيّد في نهاية المرام عن جماعة(3) وقوّاه وعلّله بالتلازم(4) واحتمل التعليل به في الروضة ، ولكن رجّح اعتبار الجمع(5) . وقطع به في المسالك ، وردّ القول الآخر بالشذوذ ومخالفة النصوص والفتاوى(6) .
ولكنّه ذكر في الجواهر : إنّ التلازم في حيّز المنع خصوصاً بالنسبة إلى انبات
- (1) جواهر الكلام: 29 / 271 ـ 272 .
- (2) اللمعة الدمشقيّة : 111 .
- (3) الروضة البهية : 5/156 ، الحدائق الناضرة : 23/334 .
- (4) نهاية المرام : 1/103 .
- (5) الروضة البهية : 5/156 ـ 157 .
- (6) مسالك الأفهام : 7/213 .
(الصفحة 162)
اللحم ، ضرورة عدم استلزامه لشدّ العظم ، لبطؤ وتحلّله وتغذّيه ، فقد تكون بعض الرضعات مغذّياً للّحم خاصّة وبعضها مغذّياً للعظم خاصّة ، كما في صورة استغناء اللحم عن الغذاء . نعم يمكن دعوى التلازم من جهة اشتداد العظم باعتبار سبق اللحم عليه، فلا يشتدّ العظم إلاّ بعد أن يستغني اللحم المشتمل عليه عن الغذاء ، ويكون الجمع بينهما حينئذ في الأخبار مع اغناء الثاني عن الأوّل لوجهين :
الأوّل : أن نشر الحرمة لهما ، والآخر : أن تغذّى العظم بعد استغناء اللحم عن الغذاء ، فبعض الرضعات ينبت اللحم خاصّة ، وبعضها يشدّ العظم ، والكلّ معتبر مع احتمال عدمه أيضاً ، ضرورة إمكان تصوّر شدّ العظم خاصة من رضاع امرأة بعد استغناء اللحم من امرأة اُخرى(1) .
أقول : أوّلاً : إنّ هنا روايات ظاهرها أنّ الملاك هو انبات اللحم فقط ، مثل :
صحيحة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله : فما الذي يحرّم من الرضاع؟ فقال : ما أنبت اللحم والدّم(2) .
وصحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم والدّم(3).
ورواية ابن أبي يعفور ومرسلة ابن أبي عمير المتقدّمتين ، لكن ذكر في الجواهر: إنّ التحريم بماينبت اللحم يقتضي التحريم بما يشدّ العظم; للإجماع على اعتبار الاشتداد
- (1) جواهر الكلام : 29/272 .
- (2) الكافي : 5/439 ح9 ، التهذيب : 7/313 ح1296 ، الاستبصار : 3/194 ح701 ، الوسائل : 20/379 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح18 .
- (3) الكافي : 5/438 ح5 ، التهذيب : 7/312 ح1294 ، الاستبصار : 3/193 ح699 ، الوسائل : 20/382 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب3 ح1 .
(الصفحة 163)
جمعاً أو تخييراً(1) ، فإذا انتفى الأوّل ثبت الثاني ، ولا ينافي ذلك اعتبار إنبات الدم في هذه الاخبار; لأنّه متقدّم على انبات اللحم ، فلا يزيد اشتراطه على اشتراطه(2) .
وثانياً : إنّ جعل الملاك هو إنبات اللحم الذي هو أمر ظاهر محسوس ، وقابل لأن يدركه النوع أمر لاريب فيه; لأنّه يرجع إلى السّمن وزيادة الوزن وهما محسوسان، وأمّا اشتداد العظم فهو أمر لا يدركه إلاّ من كان متخصّصاً في هذه الجهات وهو قليل ، مع أنّ الظاهر الإرجاع في الرضاع المحرّم إلى العرف ، فكيف يجعل الأمر الذي لا يدركه العرف نوعاً علامة للرضاع المحرّم ، فلا محيص من الالتزام بالتلازم ومنع استظهار تخلّف الاشتداد عن الانبات كما في الجواهر . وبهذا الوجه يجمع بين ما دلّ على اعتبار كلا الأمرين وبين الأخبار الدالّة على اعتبار إنبات اللحم التي نقلنا جملة منها ، ويؤيّده الاجماع على اعتبار الاشتداد جمعاً أو تخييراً .
هذا ، وأمّا العدد فقد ذكر المحقّق في الشرائع : وهل يحرم بالعشر؟ فيه روايتان ، أصحّهما أنّه لا يحرم(3) . واللازم ذكر الطائفتين :
الطائفة الاُولى : ما تدلّ على الحرمة ، وهي رواية الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لا يحرم من الرضاع إلاّ المخبورة أو خادم أو ظئر ثم يرضع عشر رضعات يروى الصبي وينام(4) .
- (1) مسالك الأفهام: 7/213 ، رياض المسائل : 6/430 .
- (2) جواهر الكلام : 29/273 .
- (3) شرائع الإسلام : 2/282 .
- (4) التهذيب : 7/315 ح1305 ، الاستبصار : 3/196 ح709 ، الوسائل : 20/377 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح11 .
(الصفحة 164)
ورواية مسعدة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يحرم من الرضاع إلاّ ما شدّ العظم وأنبت اللحم، فامّا الرضعة والرضعتان والثلاث حتى بلغ عشراً إذا كنّ متفرّقات فلا بأس(1).
ورواية عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين؟ فقال : لا يحرم ، فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات ، فقال : إذا كانت متفرّقة فلا(2) .
ورواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال : ما ينبت اللحم والدّم ، ثم قال : أترى واحدة تنبته؟ فقلت : اثنتان أصلحك الله؟ فقال : لا ، فلم أزل أعد عليه حتى بلغت عشر رضعات(3) . وبعض الروايات الاُخر .
الطائفة الثانية : ما تدلّ على اعتبار خمس عشر رضعات ، وأنّ عشر رضعات لا يحرّمن ، مثل رواية زياد بن سوقة المتقدّمة . ورواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : عشر رضعات لا يحرّمن شيئاً(4) .
ورواية عبدالله بن بكير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : عشر رضعات لا تحرّم(5) .
- (1) الكافي: 5/439 ح10، التهذيب: 7/313 ح1297 ، الوسائل : 20/380 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح19.
- (2) التهذيب: 7/314 ح1302، الاستبصار: 3/194 ح703، الكافي: 5/439 ح 8 ، الوسائل : 20/375 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح5 .
- (3) الكافي : 5/438 ح2 و3 ، الوسائل : 20/380 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح21 .
- (4) التهذيب:7/313 ح1299، الاستبصار:3/195 ح706، الوسائل:20/374، أبواب مايحرم بالرضاع ب2 ح3.
- (5) التهذيب : 7/313 ح1300 ، قرب الإسناد : 170 ح 622 ، الوسائل : 20/375 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح4 .