(الصفحة 192)
عن الشهيد في بعض تحقيقاته القول بالحُرمة(1) . لكنّه رجع عنه وقطع بالجواز في اللّمعة(2) الّتي هي آخر ما صنّفه ، وما يمكن أن يكون وجهاً لعدم الجواز التعبير الواقع في صحيحة ابن مهزيار المتقدّمة «وكنّ في موضع بناتك» فتخيّل أنّه إذا كنّ كذلك تصير سائر أولادهما أخوة ولده وهم محرّمون ، خصوصاً مع أنّ الأخوّة في النسب منحصرون في الأولاد والربائب ، فيُحرمون في الرضاع .
ولكنّه أجاب عنه في الجواهر بأنّ المنساق من كلّ علّة لحكم أنّه علّة للحكم الّذي سيقت له ، على أنّ منصوص العلّة بناء على حجيّته في غير محلّ العلّة ، يُراد منه تسرية الحكم في كلّ موضوع وجدت فيه العلّة ، نحو «حرمت الخمر لإسكاره» المقتضي لحرمة كلّ مسكر ، ومقتضى ذلك الحرمة في كلّما صاروا في حكم ولده ، لا الحرمة بالنسبة إلى أولاده ، ضرورة عدم كون ذلك من مفاد العلّة ، بل هو قسم من مستنبط العلّة ، بتقريب أنّهم إذا صاروا بحكم ولده استلزم ذلك صيرورة ولده إخوة لهم ، فيحرم نكاحهم فيهم .
والتعدّي بالنحو الذي ذكروه يستلزم التحريم بالرضاع لكلّ امرأة صارت بمنزلة امرأة محرّمة نسباً أو مصاهرة وإن لم يوجد سببها ، فتحرم أمّ المرضعة على أب المرتضع; لصيرورتها بمنزلة أمّ الزوجة باعتبار كونها جدّة ولده ، بل ربّما صرّح بعض هؤلاء بحرمة أختها عليه(3) وهو كما ترى .
- (1) لم نعثر عليه ، وقال في الجواهر : 29/317 «إنّا لم نتحقّقه» .
- (2) اللّمعة الدمشقيّة : 112 .
- (3) جواهر الكلام : 29/317 .
(الصفحة 193)مسألة 13 : إذا أرضعت امرأة ابن شخص بلبن فحلها ثمّ أرضعت بنت شخص آخر من لبن ذلك الفحل فتلك البنت وإن حرمت على ذلك الإبن لكن تحلّ أخوات كلّ منهما لإخوة الآخر1.مسألة ـ 14 : الرضاع المحرّم كما يمنع من النكاح لو كان سابقاً يبطله لو حصل لاحقاً ، فلو كانت له زوجة صغيرة فأرضعتها بنته أو أُمّه أو أُخته أو بنت أخيه أو بنت أخته أو زوجة أخيه بلبنه رضاعاً كاملا بطل نكاحها وحرمت عليه; لصيرورتها بالرضاع بنتاً أو أُختاً أو بنت أخ أو بنت أخت له ، فحرمت عليه لاحقاً كما كانت تحرم عليه سابقاً ، وكذا لو كانت له زوجتان صغيرة وكبيرة
1 ـ أقول : أمّا تحقّق الحرمة بين الإبن والبنت الرّضاعيين فلما عرفت من اعتبار اتّحاد الفحل في تلك المسألة ، وهو موجود في المقام ، كما هو المفروض لفرض كون كلا الرضاعين بلبن فحل واحد ، وقد مرّ البحث في ذلك فراجع(1) .
وأمّا عدم حرمة أخوات كلّ منهما على إخوة الآخر فلأنّ المحرّم في النسب ليس هو أخ الأخت أو أخت الأخ ، فإنّه إذا تزوّج رجل له ابن من امرأة ، امرأة أخرى لها ابنة من رجل آخر مات أو طلّقها لا مانع هناك من تزويج الإبن مع الإبنة; لعدم ارتباط بينهما أصلا لا من حيث الوالد ولا الوالدة; غاية الأمر أنّه إذا حصل منهما ولد كان هناك أخوّة في البين من جهة الأب في طرف ومن جهة الأمّ من طرف آخر ، ولا يجوز للولد الثالث النكاح مع أحد الأوّلين ، فإذا كان الأمر في الأخوّة النسبيّة على هذا المنوال ففي الرضاعي المفروض في المقام بطريق أولى ، فلا وجه لحرمة أخوات كلّ منهما على إخوة الآخر بوجه .
(الصفحة 194)فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت عليه الكبيرة; لأنّها صارت أمّ زوجته ، وكذلك الصغيرة إن كانت رضاعها من لبنه أو دخل بالكبيرة; لكونها بنتاً له في الأوّل وبنت زوجته المدخول بها في الثاني . نعم ينفسخ عقدها وإن لم يكن الرضاع من لبنه ولم يدخل بالكبيرة وإن لم تحرم عليه1.
1 ـ قال في الجواهر : لا إشكال ولا خلاف في أنّ الرضاع المحرّم يمنع من النكاح سابقاً ويبطله لاحقاً; للقطع بعدم الفرق بين الابتداء والاستدامة في ذلك ، كما تطابقت عليه النصوص(1) والفتاوى من الخاصّة(2) بل والعامة(3)(4) .
أقول : وقد فرّع عليه في المتن صورتين :
الأولى : ما إذا كانت له زوجة صغيرة فأرضعتها بنته أو أمّه أو أخته أو بنت أخيه أو بنت أخته أو زوجته بلبنه رضاعاً كاملا محرّماً ، فإنّه يبطل في هذه الصورة نكاح تلك الزوجة الصغيرة وتحرم عليه أبداً; لصيرورتها بالرضاع بنتاً أو أختاً أو بنت أخ أو بنت أخت له ، وهذه العناوين محرّمة في باب النسب ، وفي المقام الرضاع يوجب التحريم وإن كان لاحقاً على العقد; لأنّ المفروض كونها زوجة قبل الرضاع المحرّم .
الثانية : ما لو كانت له زوجتان كبيرة وصغيرة رضيعة ، فأرضعت الكبيرة
- (1) الوسائل : 20/371 و399 و 402 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 و10 و14 .
- (2) جامع المقاصد : 2/233 ، الروضة البهيّة : 5/172 ـ 173 ، مسالك الأفهام : 7/257 .
- (3) الأم : 5/34 ، المغني لابن قدامة : 9/210 ـ 214 ، الشرح الكبير : 9/206 ، المجموع : 19/336 ـ 337 ، بدائع الصنائع : 3/410 ، العزيز شرح الوجيز : 9/583 ، ولكن وإن لم يصرّح بعضهم بأنّ الرضاع اللاّحق محرّم كالسابق ، إلاّ أنّ التزامهم بذلك يثبت حكمهم بانفساخ النكاح بالرضاع اللاحق في موارد متعدّدة .
- (4) جواهر الكلام : 29/324 .
(الصفحة 195)
الصغيرة رضاعاً كاملا محرّماً ، وفي هذه الصورة تحرم الكبيرة لأنّها صارت اُمّ زوجته; والظاهر أنّه لا فرق في تحقّق حرمتها بين أن يكون الرضاع من لبنه أم لا ، وكذلك لا فرق بين أن كانت الكبيرة مدخولا بها له أم لا ، وإن كان بينهما الفرق بالإضافة إلى حرمة الصغيرة كما سيأتي . وهذه الصورة هو الفرع المذكور في المباحث الاُصوليّة من بحث المشتقّ بلحاظ أنّ عنوان الزوجة من العناوين الاشتقاقيّة ، المبحوث عنها في ذلك المقام وإن لم تكن مشتقّة لغة وأدباً ، فيجري فيها البحث في أنّه حقيقة فيما انقضى عنه المبدأ أيضاً أو في خصوص المتلبّس بالحال .
فعلى الفرض الأوّل يتحقّق عنوان أُمّ الزوجة بالإضافة إلى الكبيرة حقيقةً; لأنّ الصغيرة وإن لم تكن بالفعل بزوجة إلاّ أنّها كانت كذلك وإن ارتفعت بالرضاع ، والأُمومة متحقّقة بالرضاع ، فيحصل عنوان أُمّ الزوجة واقعاً فتحرم على الزوج مؤبّدة .
وعلى الفرض الثاني ربّما يتحقّق الإشكال من جهة أنّ الأُمومة وارتفاع الزوجيّة يحصلان معاً ، ولا يحصل عنوان أمّ الزوجة في آن واحدة; لأنّه بالرضاع الكامل تخرج الصغيرة عن الزوجيّة ، إمّا بالتحريم أو انفساخ النكاح وسيأتي . وتحصل الأمومة للكبيرة .
وأمّا عنوان الأُمّ مع الزوجيّة فلا يتحقّق في آن واحد أصلا ، اللّهمّ إلاّ أن يُقال : إنّ عنوان أُم الزوجة من المحرّمات ولو بهذا النحو ، ولم يثبت ذلك ، هذا بالإضافة إلى الكبيرة .
وأمّا الصغيرة ، فإن كانت رضاعها من لبنه تصير بنتاً له فتحرم عليه ، كما أنّه إن دخل بالكبيرة تصير ربيبةً قد دخل بأُمّها ، فتحرم عليه من هذه الجهة وإن لم يكن الرضاع من لبنه . إنّما الإشكال فيما إذا لم يكن هناك شيء من الأمرين كون الرضاع
(الصفحة 196)
من لبنه والدخول بالكبيرة ، وفي هذا الفرض ينفسخ النكاح وإن لم يتحقّق التحريم ، ويدلّ عليه مثل :
رواية علي بن مهزيار ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قيل له : إنّ رجلا تزوّج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثمّ أرضعتها امرأة له أخرى ، فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : أخطأ ابن شبرمة ، تحرم عليه الجارية وامرأته الّتي أرضعتها أوّلا ، فأمّا الأخيرة فلم تحرم عليه كأنّها أرضعت إبنته(1) .
وقيل : بل تحرم أيضاً بأنّها صارت أُمّاً لمن كانت زوجته . وقال المحقّق في الشرائع : وهو أولى(2) . وحكي عن المسالك المناقشة في الخبر المزبور بضعف سنده بصالح بن أبي حمّاد الضعيف ، بل قال : ومع ذلك فهي مرسلة; لأنّ المراد بأبي جعفر (عليه السلام) حيث يطلق هو الباقر (عليه السلام) ، وبقرينة قول ابن شبرمة في مقابله; لأنّه كان في زمنه ، وابن مهزيار لم يدرك الباقر (عليه السلام) ، ولو أريد بأبي جعفر الثاني وهو الجواد (عليه السلام) بقرينة أنّه أدركه وأخذ عنه فليس فيه أنّه سمع ذلك بلاواسطة، فالإرسال متحقّق على التقديرين مع أنّ هذا الثاني بعيد ، لأنّ إطلاق أبي جعفر لا يحمل على الجواد (عليه السلام) ، ثمّ اختار هو ذلك معلّلا له بالصدق; لأنّ الأصحّ عدم اشتراط بقاء المعنى في صدق المشتقّ ، وبمساواة الرضاع للنسب ، وهو يحرّم سابقاً ولاحقاً(3) .
وأورد عليه في الجواهر بمنع الصدق واعتبار بقاء المبدأ في الصدق لو كان هذا منه لإمكان المنع ، إذ الموجود لفظ «النساء» لا «الزوجة» وهو جامد لا مشتّق . . . ومنع الإرسال على تقدير إرادة الجواد (عليه السلام) من أبي جعفر ، وكثرة إطلاقه على
- (1) الكافي: 5/446 ح13، التهذيب: 7/293 ح1232 ، الوسائل : 20/402 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب14 ح1.
- (2) شرائع الإسلام : 2/286 .
- (3) مسالك الأفهام : 7/269 .