(الصفحة 218)
ومن أحكام المصاهرة حرمة معقودة الأب فصاعداً على الابن ، وحرمة معقودة الابن فنازلاً على الأب ، من دون فرق بين أن يكون العقد دائمياً أو انقطاعياً ، وكذا من دون فرق بين صورة الدخول في الطرفين وعدمه ، وكذا لا فرق بين النسب والرضاع ، وهذه مسألة مسلّمة ، ويدلّ عليها روايات كثيرة ، مثل :
رواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) ، أنّه قال : لو لم تحرم على الناس أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) لقول الله عزّوجلّ :
{ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً}(1) حرمن على الحسن والحسين (عليهما السلام) بقول الله عزّوجلّ :
{ وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنَ النِّسَاءِ}(2) . ولا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جدّه(3) .
ورواية زرارة قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث : وإذا تزوّج الرجل امرأة تزويجاً حلالاً فلا تحلّ تلك المرأة لأبيه ولا لابنه(4) .
ورواية الحسن البصري ، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوّج امرأة من بني عامر وامرأة من كندة ولم يدخل بهما ولحقهما بأهلهما ، فلما مات استأذنتا أبا بكر ثمّ تزوّجتا فجذم أحد الزوجين وجنّ الآخر . قال عمر بن اُذينة ـ الواقع في سند الحديث ـ : فحدّثت بهذا الحديث زرارة والفضيل ، فرويا عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال : ما نهى الله عن
- (1) سورة الأحزاب : 33/53 .
- (2) سورة النساء : 4/22 .
- (3) الكافي: 5/420 ح1، التهذيب: 7/281 ح1190، الاستبصار: 3/155 ح566، تفسير العياشي : 1/230 ح70، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 101 ح244 ، الوسائل : 20/412 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب2 ح1.
- (4) الكافي : 5/419 ح7 ، التهذيب : 7/281 ح 1189 ، الإستبصار : 3/155 ح 565 ، الوسائل : 20/412 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب2 ح2 .
(الصفحة 219)مسألة 2 : لو عقد على امرأة حرمت عليه اُمّها وان علت نسباً أو رضاعاً ، سواء دخل بها أم لا ، وسواء كان العقد دواماً أو انقطاعاً ، وسواء كانت المعقودة صغيرة أو كبيرة . نعم الأحوط في العقد على الصغيرة انقطاعاً أن تكون بالغة إلى حدّ تقبل للاستمتاع والتلذّذ بها ولو بغير الوطء ، بأن كانت بالغة ستّ سنين فما فوق مثلاً ، أو يدخل في المدّة بلوغها إلى هذا الحدّ ، فما تعارف من إيقاع عقد
شيء إلاّ وقد عصي فيه حتى لقد نكحوا أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده ـ وذكر هاتين العامرية والكندية ـ ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام) : لو سألتهم عن رجل تزوّج امرأة فطلّقها قبل أن يدخل بها أتحلّ لابنه؟ لقالوا : لا ، فرسول الله أعظم حرمة من آبائهم(1) .
وما رواه الصدوق باسناده عن حمّاد بن عمرو وأنس بن محمد ، عن أبيه جميعاً ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه (عليهم السلام) ـ في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) ـ قال : يا علي إنّ عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله عزّوجلّ له في الإسلام : حرّم نساء الآباء على الأبناء ، فأنزل الله عزّوجلّ :
{ وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنَ النِّسَاءِ}(2) الحديث . ويستفاد منها أنّ المراد من قوله تعالى مجرّد النكاح والعقد ، سواء تحقّق الدخول أم لم يتحقّق ، وليس المراد بالنكاح في الآية الشريفة هو الوطء .
وغير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في هذا لمجال الدالّة على أ نّه لا خلاف فيه بين علماء الفريقين .
- (1) الكافي : 5/421 ح3 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 103 ح249 ، الوسائل : 20/413 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب2 ح4 .
- (2) الفقيه : 4/264 ح824 ، الخصال : 312 ح 90 ، الوسائل : 20/415 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب2 ح10 .
(الصفحة 220)الانقطاع ساعة أو ساعتين على الصغيرة الرضيعة أو من يقاربها مريدين بذلك محرّمية اُمّها على المعقود له لا يخلو من إشكال ، من جهة الإشكال في صحّة مثل هذا العقد حتّى يترتّب عليه حرمة اُمّ المعقود عليها ، وإن لا يخلو من قرب أيضاً ، لكن لو عقد كذلك أي الساعة أو الساعتين عليها فلا ينبغي ترك الاحتياط بترتّب آثار المصاهرة وعدم المحرمية ، لو قصد تحقق الزوجية ولو بداعي بعض الآثار كالمحرمية.1
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : وهل تحرم اُمّها ـ أي الزوجة ـ بنفس العقد ، فيه روايتان أشهرهما أنّها تحرم(1) . أي بنفس العقد دون اشتراط الدخول ، بل عن الغنية(2) والناصريات(3) الإجماع عليه ، ويدلّ عليه إطلاق قوله تعالى :
{ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}(4) والأخبار الكثيرة ، مثل :
رواية أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة وطلّقها قبل أن يدخل بها ، أتحلّ له بنتها؟ قال : فقال : قد قضى في هذا أمير المؤمنين (عليه السلام) لا بأس به ، إنّ الله يقول :
{ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِى فِى حُجُورِكُم مِن نِسَائِكُمُ اللاَّتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}(5) ولو تزوّج الابنة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها لم تحلّ له اُمّها ، قال : قلت له : أليس هما سواء؟ قال : فقال : لا ، ليس هذه مثل هذه ، إنّ الله تعالى يقول :
{ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} لم يستثن في هذه كما اشترط في
- (1) شرائع الإسلام : 2/287 .
- (2) غنية النزوع : 336 .
- (3) الناصريات : 317 .
- (4 ، 5) سورة النساء : 4/23 .
(الصفحة 221)
تلك ، هذه هنا مبهمة ليس فيها شرط ، وتلك فيها شرط(1) .
ورواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) في حديث ، قال : والاُمّهات مبهمات دخل بالبنات أو لم يدخل بهنّ ، فحرّموا وأبهموا ما أبهم الله(2) . والمراد من قوله : «مبهمات» أي مطلقات غير مقيّدات .
وفي مقابل هذه الطائفة طائفة اُخرى اشترط فيها في الحرمة الدخول كالربيبة ، مثل :
صحيحة جميل بن درّاج وحمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الاُمّ والبنت سواء إذا لم يدخل بها ، يعني إذا تزوّج المرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها ، فانّه إن شاء تزوّج اُمّها وإن شاء ابنتها(3) .
ومضمر محمد بن إسحاق بن عمّار قال : قلت له : رجل تزوّج امرأة ودخل بها ثمّ ماتت ، أيحلّ له أن يتزوّج اُمّها؟ قال : سبحان الله كيف تحلّ له اُمّها وقد دخل بها؟ قال : قلت له : فرجل تزوّج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها تحلّ له اُمّها؟ قال : وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل بها!(4) .
ومرسلة الصدوق عن جميل بن درّاج أ نّه سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها هل تحلّ له ابنتها؟ قال : الاُمّ والابنة في هذا سواء ،
- (1) تفسير العياشي : 1/230 ح74 ، الوسائل : 20/465 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب20 ح7 .
- (2) التهذيب : 7/273 ح1165 ، الاستبصار : 3/156 ح569 ، الوسائل : 20/463 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب20 ح2 .
- (3) التهذيب : 7/273 ح1168 ، الاستبصار : 3/157 ح572 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 99/239 ، الكافي : 5/421 ح 1 ، الوسائل : 20/463 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب2 ح3 .
- (4) التهذيب : 7/275 ح1170 ، الاستبصار : 3/158 ح574 ، الوسائل : 20/464 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب20 ح5 .
(الصفحة 222)
إذا لم يدخل بأحدهما حلّت له الاُخرى(1) .
هذا ، وذكر صاحب الوسائل في ذيل الصحيحة المتقدّمة أقول : التفسير ليس من الإمام بل هو من بعض الرواة ، فليس بحجّة بل هو ممنوع ، ولعلّ معنى الحديث أنّه إذا لم يدخل بالاُمّ فالاُمّ والبنت سواء في الإباحة ، فإن شاء دخل بالاُمّ وإن شاء طلّقها وتزوّج بالبنت ، أو معناه أنّه إذا لم يدخل بالزوجة فاُمّها وبنتها سواء في التحريم جمعاً قبل مفارقتها ، أو المراد إذا ملك أمة واُمّها فله وطء أيّهما شاء قبل وطء الاُخرى ، ويفهم هذا من نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ، حيث أورد الحديث بين أحاديث هذه المسألة وترك تفسيره .
وحكى صاحب الجواهر : أنّه قد قيل : من المحتمل قويّاً أن يكون ذلك من كلام الصدوق تفسيراً بالمعنى تبعاً لما فسّر به في تلك الرواية ـ إلى أن قال : ـ ومع ذلك هو مضطرب الاسناد; لأنّه كما ذكره الشيخ قال : لأنّ الأصل فيه جميل وحمّاد ، وهما تارة يرويانه عن الصادق (عليه السلام) بلا واسطة ، واُخرى يرويانه عن الحلبي عنه (عليه السلام) ، بل جميل يرويه مرّة ثالثة عن بعض أصحابه ، عن أحدهما (عليهما السلام) ، ومثل ذلك ممّا يضعف الاحتجاج به في الثاني ، مع أنّه مضمر لا صراحة فيه أيضاً(2) .
أقول : لو فرض التعارض بين الطائفتين وصحّة الاحتجاج بها في نفسها ، فالشهرة الفتوائية(3) المحققة ـ التي هي أوّل المرجّحات في الخبرين المتعارضين على
- (1) الفقيه : 3/262 ح1247 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 100 ح241 ، الوسائل : 20/464 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب20 ح6 .
- (2) جواهر الكلام : 29/351 ـ 352 .
- (3) الناصريات : 317 ، الخلاف : 4/303 ، غنية النزوع : 336 ، شرائع الإسلام : 2/287 ، الروضة البهية : 5/177 ، مسالك الأفهام : 7/283 ـ 286 .