(الصفحة 221)
تلك ، هذه هنا مبهمة ليس فيها شرط ، وتلك فيها شرط(1) .
ورواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) في حديث ، قال : والاُمّهات مبهمات دخل بالبنات أو لم يدخل بهنّ ، فحرّموا وأبهموا ما أبهم الله(2) . والمراد من قوله : «مبهمات» أي مطلقات غير مقيّدات .
وفي مقابل هذه الطائفة طائفة اُخرى اشترط فيها في الحرمة الدخول كالربيبة ، مثل :
صحيحة جميل بن درّاج وحمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الاُمّ والبنت سواء إذا لم يدخل بها ، يعني إذا تزوّج المرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها ، فانّه إن شاء تزوّج اُمّها وإن شاء ابنتها(3) .
ومضمر محمد بن إسحاق بن عمّار قال : قلت له : رجل تزوّج امرأة ودخل بها ثمّ ماتت ، أيحلّ له أن يتزوّج اُمّها؟ قال : سبحان الله كيف تحلّ له اُمّها وقد دخل بها؟ قال : قلت له : فرجل تزوّج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها تحلّ له اُمّها؟ قال : وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل بها!(4) .
ومرسلة الصدوق عن جميل بن درّاج أ نّه سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها هل تحلّ له ابنتها؟ قال : الاُمّ والابنة في هذا سواء ،
- (1) تفسير العياشي : 1/230 ح74 ، الوسائل : 20/465 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب20 ح7 .
- (2) التهذيب : 7/273 ح1165 ، الاستبصار : 3/156 ح569 ، الوسائل : 20/463 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب20 ح2 .
- (3) التهذيب : 7/273 ح1168 ، الاستبصار : 3/157 ح572 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 99/239 ، الكافي : 5/421 ح 1 ، الوسائل : 20/463 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب2 ح3 .
- (4) التهذيب : 7/275 ح1170 ، الاستبصار : 3/158 ح574 ، الوسائل : 20/464 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب20 ح5 .
(الصفحة 222)
إذا لم يدخل بأحدهما حلّت له الاُخرى(1) .
هذا ، وذكر صاحب الوسائل في ذيل الصحيحة المتقدّمة أقول : التفسير ليس من الإمام بل هو من بعض الرواة ، فليس بحجّة بل هو ممنوع ، ولعلّ معنى الحديث أنّه إذا لم يدخل بالاُمّ فالاُمّ والبنت سواء في الإباحة ، فإن شاء دخل بالاُمّ وإن شاء طلّقها وتزوّج بالبنت ، أو معناه أنّه إذا لم يدخل بالزوجة فاُمّها وبنتها سواء في التحريم جمعاً قبل مفارقتها ، أو المراد إذا ملك أمة واُمّها فله وطء أيّهما شاء قبل وطء الاُخرى ، ويفهم هذا من نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ، حيث أورد الحديث بين أحاديث هذه المسألة وترك تفسيره .
وحكى صاحب الجواهر : أنّه قد قيل : من المحتمل قويّاً أن يكون ذلك من كلام الصدوق تفسيراً بالمعنى تبعاً لما فسّر به في تلك الرواية ـ إلى أن قال : ـ ومع ذلك هو مضطرب الاسناد; لأنّه كما ذكره الشيخ قال : لأنّ الأصل فيه جميل وحمّاد ، وهما تارة يرويانه عن الصادق (عليه السلام) بلا واسطة ، واُخرى يرويانه عن الحلبي عنه (عليه السلام) ، بل جميل يرويه مرّة ثالثة عن بعض أصحابه ، عن أحدهما (عليهما السلام) ، ومثل ذلك ممّا يضعف الاحتجاج به في الثاني ، مع أنّه مضمر لا صراحة فيه أيضاً(2) .
أقول : لو فرض التعارض بين الطائفتين وصحّة الاحتجاج بها في نفسها ، فالشهرة الفتوائية(3) المحققة ـ التي هي أوّل المرجّحات في الخبرين المتعارضين على
- (1) الفقيه : 3/262 ح1247 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 100 ح241 ، الوسائل : 20/464 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب20 ح6 .
- (2) جواهر الكلام : 29/351 ـ 352 .
- (3) الناصريات : 317 ، الخلاف : 4/303 ، غنية النزوع : 336 ، شرائع الإسلام : 2/287 ، الروضة البهية : 5/177 ، مسالك الأفهام : 7/283 ـ 286 .
(الصفحة 223)
ما استفيد من مقبولة عمر بن حنظلة(1) المعروفة ـ مطابقة مع الطائفة الاُولى ، فلا محيص عن الأخذ بها إذا لم يحك الخلاف إلاّ عن الحسن(2) . حيث اشترط الحرمة بالدخول كالبنت ، والتحقيق ما عرفت .
نعم ، يبقى الكلام في الاحتياط الذي ذكره في المتن بالإضافة إلى الأمر الرائج بين كثير من المتديّنين ، حيث يعقدون الصغيرة عقداً انقطاعيّاً لأجل حصول المحرميّة بالإضافة إلى اُمّها وجواز النظر إليها ، من دون أن يكون المقصود هي الزوجية المتعارفة ، نظراً إلى أنّ مقتضى الاحتياط عدم العقد على الصغيرة جدّاً ساعة أو ساعتين ، بل تطويل المدّة إلى حدّ تبلغ قبول الاستمتاع ولو بغير الوطء ، كالبلوغ ستّ سنين على ما في المتن ، وأحوط منه أن تكون قابلة للاستمتاع بالوطء وإن لم يكن مريداً له بوجه ، كالبلوغ إلى حدّ البلوغ .
ولكنّ الظاهر عدم لزوم رعاية شيء من الاحتياطين ، وكفاية العقد الانقطاعي ساعة أو ساعتين مثلاً; لعدم انحصار فائدة النكاح بالوطء ولا بالاستمتاع ولو بغير الوطء ، بل المحرّمية بالإضافة إلى الأقرباء مثل اُمّ الزوجة تكون من الآثار .
غاية الأمر لزوم أن يكون النكاح المزبور مصلحة للصغيرة; لاشتمال المحرمية المنظورة على المصلحة لها ، أو لاشتمال عقد النكاح الكذائي على مهر يعتنى به ، كما أنّ اللازم أن يكون مع موافقة وليّها من الأب والجدّ ومثلهما على ما تقدّم ، لكن في المتن بعد الاستكشال في نكاح ساعة أو ساعتين وإن نفى خلوّ الصحّة عن قرب أيضاً قال : فلا ينبغي ترك الاحتياط بترتيب آثار المصاهرة وعدم المحرمية ، فيجمع بين عدم المزاوجة مع اُمّها وعدم النظر إليها ، كما لايخفى .
- (1) الكافي : 1/54 ح10 ، الوسائل : 27/106 ، أبواب صفات القاضي ب9 ح1 .
- (2) مختلف الشيعة : 7/48 ، إيضاح الفوائد : 3/66 .
(الصفحة 224)مسألة 3 : لو عقد على امرأة حرمت عليه بنتها وإن نزلت إذا دخل بالاُمّ ولو دبراً ، وامّا إذا لم يدخل بها لم تحرم عليه بنتها عيناً ، وإنّما تحرم عليه جمعاً بمعنى أنّها تحرم عليه ما دامت الاُمّ في حباله ، فإذا خرجت بموت أو طلاق أو غير ذلك جاز له نكاحها1.
1 ـ وقع الكلام في هذه المسألة في أمرين :
أحدهما : حرمة بنت الزوجة عيناً إذا دخل باُمّها ولو دبراً ، ويدلّ عليه مضافاً إلى جملة من الروايات المتقدّمة الدالّة على اشتراط حرمة البنت بالدخول باُمّها قوله تعالى :
{ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِى فِى حُجُورِكُم مِن نِسَائِكُمُ اللاَّتِى دَخَلْتُمِ بِهِنَّ فَإِن لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}(1) . وجملة من الروايات الاُخر ، مثل :
رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) ، أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : الربائب عليكم حرام من الاُمّهات اللاّتي قد دخل بهنّ ، هنّ في الحجور وغير الحجور سواء ، والاُمّهات مبهمات دخل بالبنات أو لم يدخل بهنّ ، فحرّموا وأبهموا ما أبهم الله(2) . ويستفاد منها أنّ قيد في الحجور في الآية الشريفة قيد غالبي لا احترازي ، فتدبّر .
وصحيحة منصور بن حازم قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) ، فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها ، أيتزوّج باُمّها؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : قد فعله رجل منّا فلم يرَ به بأساً ، فقلت له : جعلت فداك ما تفخر الشيعة إلاّ بقضاء عليّ (عليه السلام) في هذا في الشمخيّة التي أفتاها ابن مسعود أنّه لا بأس
- (1) سورة النساء : 4/23 .
- (2) التهذيب : 7/273 ح1165 ، الاستبصار : 3/156 ح569 ، الوسائل : 20/458 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب18 ح3 و ص 463 ح 2 .
(الصفحة 225)
بذلك ، ثمّ أتى عليّاً (عليه السلام) فسأله فقال له علي (عليه السلام) : من أين أخذتها؟ قال : من قول الله عزّوجلّ :
{ وَرَبَائِبُكُم اللاَّتِى فِى حُجُورِكُم مِن نِسَائِكُمُ اللاَّتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} . فقال علي (عليه السلام) : إنّ هذه مستثناة وهذه مرسلة واُمّهات نسائكم ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) للرجل : أما تسمع ما يروي هذا عن علي (عليه السلام) ، فلمّا قمت ندمت وقلت : أيّ شيء صنعت ، يقول هو : قد فعله رجل منّا فلم نرَ به بأساً وأقول أنا : قضى علي (عليه السلام) فيها ، فلقيته بعد ذلك فقلت : جعلت فداك مسألة الرجل إنّما كان الذي قلت يقول كان زلّة منّي فما تقول فيها؟ فقال : يا شيخ تخبرني أنّ عليّاً (عليه السلام) قضى بها وتسألني ما تقول فيها(1) .
وهنا بعض الروايات الاُخر الدالّة بإطلاقها على حرمة البنت وإن لم يدخل بها ، غاية الأمر أنّه رأى من الاُمّ ما يحرم على غيره ، مثل :
رواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة فنظر إلى بعض جسدها ، أيتزوّج ابنتها؟ قال : لا ، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوّج ابنتها(2) .
ورواية أبي الربيع قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة فمكث أيّاماً معها لا يستطيعها غير أنّه قد رأى منها ما يحرم على غيره ثمّ يطلقها ، أيصلح له أن
- (1) الكافي : 5/422 ح4 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 98 ح238 ، تفسير العياشي : 1/231 ح75 ، التهذيب : 7/274 ح 1169 ، الإستبصار : 3/157 ح 573 ، الوسائل : 20/462 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب20 ح1 .
- (2) الكافي : 5/422 ح3 ، التهذيب : 7/280 ح1187 ، الإستبصار : 3/162 ح590 ، الوسائل : 20/460 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب19 ح1 .