(الصفحة 260)
(الصفحة 261)
القول في النكاح في العدّة وتكميل العدد
مسألة 1 : لا يجوز نكاح المرأة لا دائماً ولا منقطعاً إذا كانت في عدّة الغير ، رجعيّة كانت أو بائنة ، عدّة وفاة أو غيرها ، من نكاح دائم أو منقطع أو من وطء شبهة ، ولو تزوّجها فإن كانا عالمين بالموضوع والحكم بأن علما بكونها في العدّة وعلما بأنّه لا يجوز النكاح فيها أو كان أحدهما عالماً بهما بطل النكاح وحرمت عليه أبداً ، سواء دخل بها أو لا ، وكذا إن جهلا بهما أو بأحدهما ودخل بها ولو دبراً ، وأمّا لو لم يدخل بها بطل العقد ولكن لم تحرم عليه أبداً ، فله استئناف العقد عليها بعد انقضاء العدّة التي كانت فيها1.
1 ـ في هذه المسألة أحكام :
الأوّل : عدم جواز نكاح المرأة لا دواماً ولا انقطاعاً فيما إذا كانت في عدّة الغير مطلقاً ، ولو كانت بائنة أو عدّة الوفاة أو كانت العدة من وطء شبهة ، قال الله تعالى :
{ وَلاَ تَعزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ}(1) فإنّ المتفاهم عرفاً النهي
- (1) سورة البقرة : 2/235 .
(الصفحة 262)
عن نفس النكاح; لشيوع التعبير عن تحريم الفعل بالنهي عن مقدّماته لقصد المبالغة ، ضرورة أنّ العزم من حيث هو لا يكون محرّماً ، مع أنّه لو كان محرّماً فانّما هو باعتبار المعزوم عليه ، ضرورة أنّه لا مجال لاحتمال كون النكاح حلالاً والعزم عليه حراماً .
هذا ، مضافاً إلى ما في الجواهر من أنّه لا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه(1) .
الثاني : لو وقع التزويج في العدّة فهنا صور :
الصورة الاُولى : ما إذا كانا عالمين بالموضوع والحكم ، بأن علما بكونها في العدّة وعلما أيضاً بعدم جواز النكاح في العدّة ، ففي هذه الصورة يتحقّق ـ مضافاً إلى عصيان الحكم بالحرمة المعلومة ، كما هو المفروض الحرمة الأبدية ـ المساوقة للبطلان الدائم ، سواء تحقّق الدخول بها أم لا; ويدلّ عليه روايات كثيرة مستفيضة ، مثل :
رواية زرارة بن أعين وداود بن سرحان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) . وعن عبدالله بن بكير ، عن أدم بيّاع الهروي ، عنه (عليه السلام) في حديث ، أنّه قال : والذي يتزوّج المرأة في عدّتها وهو يعلم لا تحلّ له أبداً(2) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا تزوّج الرجل المرأة في عدّتها ودخل بها لم تحلّ له أبداً عالماً كان أو جاهلاً ، وإن لم يدخل بها حلّت للجاهل
- (1) جواهر الكلام : 29/428 .
- (2) الكافي : 5/426 ح1 ، التهذيب : 7/305 ح1272 ، الإستبصار : 3/185 ح674 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 108 ح268 ، الوسائل : 20/449 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب17 ح1 .
(الصفحة 263)
ولم تحلّ للآخر(1) .
وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (في التهذيب عن أبي عبدالله (عليه السلام)) قال : سألته عن الرجل يتزوّج المرأة في عدّتها بجهالة أهي ممّن لا تحلّ له أبداً؟ فقال : لا ، أمّا إذا كان بجهالة فليتزوّجها بعدما تنقضي عدّتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة ممّا هو أعظم من ذلك ، فقلت : بأيّ الجهالتين يعذر ، بجهالته أنّ ذلك محرّم عليه؟ أم بجهالته أنّها في عدّة؟ فقال : إحدى الجهالتين أهون من الاُخرى ، الجهالة بأنّ الله حرّم ذلك عليه ، وذلك بأنّه لا يقدر على الاحتياط معها ، فقلت : وهو في الاُخرى معذور؟ قال : نعم ، إذا انقضت عدّتها فهو معذور في أن يتزوّجها ، فقلت : فإن كان أحدهما متعمّداً والآخر بجهل ، قال : الذي تعمّد لا يحلّ له أن يرجع إلى صاحبه أبداً(2) .
ورواية إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : بلغنا عن أبيك أنّ الرجل إذا تزوّج المرأة في عدّتها لم تحلّ له أبداً ، فقال : هذا إذا كان عالماً ، فإذا كان جاهلاً فارقها وتعتدّ ثمّ يتزوّجها نكاحاً جديداً(3) .
ورواية حمران قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة تزوّجت في عدّتها بجهالة منها بذلك؟ قال : فقال : لا أرى عليها شيئاً ويفرّق بينها وبين الذي تزوّج بها
- (1) الكافي : 5/426 ح2 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 109 ح270 ، التهذيب : 7/306 ح1274 ، الإستبصار : 3/186 ح676 ، الوسائل : 20/450 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب17 ح3 .
- (2) الكافي : 5/427 ح3 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 110 ح271 ، التهذيب : 7/306 ح1274 ، الإستبصار : 3/186 ح676 ، الوسائل : 20/450 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب17 ح4 .
- (3) الكافي : 5/428 ح10 ، التهذيب : 7/307 ح 1275 ، الإستبصار : 3/287 ح 677 ، الوسائل : 20/453 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب17 ح10 .
(الصفحة 264)
ولا تحلّ له أبداً ، قلت : فإن كانت قد عرفت أنّ ذلك محرّم عليها ثمّ تقدّمت على ذلك؟ فقال : إن كانت تزوّجته في عدّة لزوجها الذي طلّقها عليها فيها الرجعة ، فانّي أرى أنّ عليها الرجم ، فإن كانت تزوّجته في عدّة ليس لزوجها الذي طلّقها عليها فيها الرجعة ، فانّي أرى أنّ عليها حدّ الزاني ، ويفرّق بينها وبين الذي تزوّجّها ، ولا تحلّ له أبداً(1) . وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
بقي في هذه الصورة ما إذا كان أحدهما جاهلاً والآخر عالماً ، فمقتضى المتن بطلان النكاح وثبوت الحرمة الأبديّة; والسرّ فيه أنّه لا مجال للإشكال في الأمرين بالإضافة إلى العالم ، فالعقد بالنسبة إليه باطل ، ولا معنى لأن يكون العقد الواحد صحيحاً وباطلاً واقعاً; لأنّه لا يتبعّض من هذه الجهة ، فلا معنى لأن يقال : إنّ البيع قد أثّر في الملكية بالنسبة إلى البائع دون المشتري مثلاً .
نعم ، ربّما يترتّب حكم الصحة ظاهراً على أحدهما والفساد على آخر في الظاهر دون الواقع ، كما لو وقع الإقرار بالزوجية من أحدهما والإنكار من الآخر ، فيلزم كلاًّ منهما على طبق إقراره وإنكاره ، لكن هذا ليس تبعيضاً للعقد في الواقع ، بل التبعيض إنّما هو بحسب مقتضى الإقرار والإنكار .
هذا ، ولكن في ذيل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة : فقلت : إن كان أحدهما متعمّداً والآخر يجهل ، فقال : الذي تعمّد لا يحلّ له أن يرجع إلى صاحبه أبداً . ومن المعلوم أنّه ليس المراد الصحّة بالإضافة إلى الجاهل واقعاً ، والبطلان بالنسبة إلى العالم كذلك ، لما عرفت من عدم إمكان التبعيض ، بل ربما يؤدّي ذلك
- (1) التهذيب : 7/487 ح1958 ، الإستبصار : 3/187 ح678 ، الوسائل : 20/455 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب17 ح17 .