(الصفحة 264)
ولا تحلّ له أبداً ، قلت : فإن كانت قد عرفت أنّ ذلك محرّم عليها ثمّ تقدّمت على ذلك؟ فقال : إن كانت تزوّجته في عدّة لزوجها الذي طلّقها عليها فيها الرجعة ، فانّي أرى أنّ عليها الرجم ، فإن كانت تزوّجته في عدّة ليس لزوجها الذي طلّقها عليها فيها الرجعة ، فانّي أرى أنّ عليها حدّ الزاني ، ويفرّق بينها وبين الذي تزوّجّها ، ولا تحلّ له أبداً(1) . وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
بقي في هذه الصورة ما إذا كان أحدهما جاهلاً والآخر عالماً ، فمقتضى المتن بطلان النكاح وثبوت الحرمة الأبديّة; والسرّ فيه أنّه لا مجال للإشكال في الأمرين بالإضافة إلى العالم ، فالعقد بالنسبة إليه باطل ، ولا معنى لأن يكون العقد الواحد صحيحاً وباطلاً واقعاً; لأنّه لا يتبعّض من هذه الجهة ، فلا معنى لأن يقال : إنّ البيع قد أثّر في الملكية بالنسبة إلى البائع دون المشتري مثلاً .
نعم ، ربّما يترتّب حكم الصحة ظاهراً على أحدهما والفساد على آخر في الظاهر دون الواقع ، كما لو وقع الإقرار بالزوجية من أحدهما والإنكار من الآخر ، فيلزم كلاًّ منهما على طبق إقراره وإنكاره ، لكن هذا ليس تبعيضاً للعقد في الواقع ، بل التبعيض إنّما هو بحسب مقتضى الإقرار والإنكار .
هذا ، ولكن في ذيل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة : فقلت : إن كان أحدهما متعمّداً والآخر يجهل ، فقال : الذي تعمّد لا يحلّ له أن يرجع إلى صاحبه أبداً . ومن المعلوم أنّه ليس المراد الصحّة بالإضافة إلى الجاهل واقعاً ، والبطلان بالنسبة إلى العالم كذلك ، لما عرفت من عدم إمكان التبعيض ، بل ربما يؤدّي ذلك
- (1) التهذيب : 7/487 ح1958 ، الإستبصار : 3/187 ح678 ، الوسائل : 20/455 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب17 ح17 .
(الصفحة 265)
إلى التناقض كما في الجواهر(1) . وما حكاه عن المقدّس البغدادي من أنّه لا مانع من التزام تبعيض الصحّة في الواقع; لأنّها في المعاملة مجرّد ترتّب آثار ، فلا بأس في جريانها بالنسبة إلى شخص دون الآخر(2) واضح البطلان .
الصورة الثانية : ما إذا كانا جاهلين بأحد الأمرين من العدّة وحرمة النكاح فيها أو بأحدهما ، ولكن تحقّق الدخول ولو دبراً ، والحكم فيها أيضاً البطلان والحرمة الأبدية .
ويدلّ عليه صحيحة الحلبي المتقدّمة آنفاً ، ورواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : المرأة الحبلى يتوفّى عنها زوجها فتضع وتتزوّج قبل أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً ، فقال : إن كان الذي تزوّجها دخل بها فرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً ، واعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأوّل واستقبلت عدّة اُخرى من الآخر ثلاثة قروء ، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما ، وأتمّت ما بقى من عدّتها وهو خاطب من الخطّاب(3) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّه قال في رجل نكح امرأة وهي في عدّتها ، قال : يفرّق بينهما ثمّ تقضي عدّتها ، فإن كان دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها ويفرّق بينهما ، وإن لم يكن دخل بها فلا شيء لها ، الحديث(4) .
الصورة الثالثة : الصورة المفروضة مع عدم الدخول ، وحكمها كما في المتن بطلان النكاح وعدم تحقّق الحرمة الأبديّة ، فله استئناف النكاح بعد انقضاء العدّة
- (1 ، 2) جواهر الكلام : 29/431 .
- (3) الكافي : 5/427 ح5 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 109 ح269 ، التهذيب : 7/307 ح1277 ، الإستبصار : 3/187 ح680 ، الوسائل : 20/450 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب17 ح2 .
- (4) الكافي : 5/428 ح9 ، الوسائل : 20/452 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب17 ح8 .
(الصفحة 266)مسألة 2 : لو وكّل أحداً في تزويج امرأة له ولم يعيّن الزوجة فزوّجه امرأة ذات عدّة لم تحرم عليه وإن علم الوكيل بكونها في العدّة ، وإنّما تحرم عليه مع الدخول ، وأمّا لو عيّن الزوجة فإن كان الموكّل عالماً بالحكم والموضوع حرمت عليه ولو كان الوكيل جاهلاً بهما ، بخلاف العكس ، فالمدار علم الموكِّل وجهله لا الوكيل1.
من الأوّل .
ويدلّ عليه مضافاً إلى عدّة من الروايات المتقدّمة الدالّة على الحكم بالمنطوق أو المفهوم رواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يتزّوج المرأة في عدّتها؟ قال : إن كان دخل بها فرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً ، وأتمّت عدّتها من الأوّل وعدّة اُخرى من الآخر ، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما وأتمّت عدّتها من الأوّل وكان خاطباً من الخطّاب(1) .
ورواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن امرأة توفّي زوجها وهي حامل ، فوضعت وتزوّجت قبل أن يمضي أربعة أشهر وعشراً ، ما حالها؟ قال : إن كان دخل بها زوجها فرّق بينهما فاعتدّت ما بقي عليها من زوجها ، ثمّ اعتدتّ عدّة اُخرى من الزوج الآخر ثم لا تحلّ له أبداً ، وإن تزوّجت من غيره ولم يكن دخل بها فرّق بينهما ، فاعتدّت ما بقى عليها من المتوفّى عنها وهو خاطب من الخطّاب(2) .1 ـ الدليل على أنّ المدار في العلم والجهل هو الموكّل لا الوكيل أنّ الظاهر
- (1) الكافي : 5/428 ح8 ، الوسائل : 20/452 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب17 ح9 .
- (2) قرب الإسناد : 249 ح 986 ، مسائل عليّ بن جعفر : 109 ح 17 ، الوسائل : 20/456 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب17 ح20 .
(الصفحة 267)مسألة 3 : لا يلحق بالتزويج في العدّة وطء الشبهة أو الزنا بالمعتدّة ، فلو وطئ شبهة أو زنى بالمرأة في حال عدّتها لم يؤثّر في الحرمة الأبدية أيّة عدّة كانت إلاّ العدّة الرجعية إذا زنى بها فيها ، فانّه يوجب الحرمة كما مرّ1.
والمنساق من الروايات التي تقدّم أكثرها هو علم الزوج وجهله ، والزوج هو الموكّل لا الوكيل ، ولا فرق في ذلك بين أنواع الوكيل أصلاً ، وبعبارة اُخرى الملاك هو العلم والجهل بالإضافة إلى من يمكن منه الدخول بعد العقد في العدّة ، وهو الزوج كما هو واضح ، فالتفصيل بين الصورتين على ما مرّ يلاحظ بالإضافة إليه ، وكذا التفصيل بين صورة الدخول وعدمها ، فتدبّر .1 ـ الوجه في عدم اللّحوق أنّ مورد الروايات المتقدّمة(1) هو التزويج في العدّة بأقسامه المختلفة التي كان بعض فروضها صورة عدم الدخول رأساً ، وعليه فوطء الشبهة للمعتدّة أو الزنا بالمرأة في حال عدّتها لا يؤثّر في الحرمة الأبدية ، وإن كانت الثانية محرّمة بالحرمة التكليفية لفرض كون الوطء زنا ، ولا مجال لتوهّم أنّ الزنا بالمعتدّة أشدّ مثلاً من نكاحها المنقطع في العدّة ساعة أو ساعتين; لأنّا نتبع العناوين الواقعة في الأدلّة ، ولا سبيل لنا إلى العلم بالملاكات والمناطات ، والأدلّة موضوعها التزويج في العدّة على ما عرفت ، والتزويج فيها لا يشمل الزنا ووطء الشبهة .
نعم ، في خصوص الزنا والعدّة الرجعية قد عرفت(2) أنّ الزنا بالمعتدّة الرجعيّة يكون كالزنا بذات البعل موجباً للتحريم الأبدي ، ولكن هذا لا يتجاوز عن الزنا ولا يشمل وطء الشبهة ، كما انّه يختصّ بالعدّة الرجعية ولا يشمل مطلق المعتدّة ،
- (1) في ص262 ـ 266 .
- (2) في ص255 .
(الصفحة 268)مسألة 4 : لو كانت المرأة في عدّة الرجل جاز له العقد عليها في الحال ، ولا ينتظر انقضاء العدّة إلاّ في موارد لموانع طارئة كالطلاق الثالث المحتاج إلى المحلّل ، والتاسع المحرم أبداً ، وفيما إذا كانت معتدّة له بالعدّة الرجعية يبطل العقد عليها أيضاً; لكونها بمنزلة زوجته ، فلو كانت عنده متعة وأراد أن يجعل عقدها دواماً جاز أن يهب مدّتها ويعقد عليها دواماً في الحال ، بخلاف ما إذا كانت عنده زوجة دائمة وأراد أن يجعلها منقطعة فطلّقها لذلك طلاقاً غير بائن ، فانّه لا يجوز له إيقاع عقد الانقطاع عليها إلاّ بعد خروجها عن العدّة1.
فمقتضى القاعدة والأصل في غيرها عدم ثبوت الحرمة ، فتدبّر .1 ـ إذا كانت المرأة في عدّة شخص الرجل الذي يريد تزويجها ، فيجوز له العقد عليها في الحال ولا ينتظر انقضاء العدّة; لأنّ مورد الروايات المتقدّمة(1) هو ما إذا أراد تزويج معتدّة الغير ، وأمّا بالإضافة إلى من هي في عدّة الشخص فلا دلالة لها على الحرمة قبل انقضاء العدّة إلاّ في موارد لموانع طارئة ، مثل :
ما إذا كانت في عدّة الطلاق الثالث للرجل المطلِّق فانّه لا يجوز حينئذ; لأنّ الطلاق الثالث يحتاج إلى المحلّل ، وما إذا كانت في عدّة الطلاق التاسع للرجل المطلق ، فانّه حينئذ تصير محرّمة أبدية بالإضافة إلى الزوج المطلّق ، كما بيّن في محلّه .
نعم ، في خصوص المعتدّة الرجعية لا يجوز عقدها ، لأنّها بمنزلة الزوجة وهي لا تزوّج ، ورتّب عليه فرعين :
أحدهما : ما إذا كانت عنده زوجة منقطعة وأراد أن يجعل عقدها دواماً قبل الشروع في العدّة ، فاللازم أن يهب بقية المدّة حتى يجب عليها الاعتداد ، وحيث إنّ