(الصفحة 279)
وذكر السيّد في العروة : إنّ الأقوى المشهور ، والاخبار محمولة على الكراهة(1) .وذكر بعض الأعلام(قدس سره) في شرحها : إنّ الصحيح هو القول بالإطلاق ، قال على ما في تقريراته : دعوى أنّ التقييد مستفاد من إجماع الأصحاب على اختصاص الحكم بالطلاق رجعيّاً يدفعها أنّ ثبوته أوّل الكلام ، فقد ذهب جملة منهم كالمفيد(2) على ما نسب إليه في الحدائق(3) والشيخ(4) على ما نسب إليه في كشف اللثام(5) إلى الحرمة مطلقاً ، إذن فلا يبقى موجب لرفع اليد عن إطلاق تلك النصوص وتقييدها بالرجعي(6) .
نعم ربما يدّعى استفادة ذلك من موثقة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل طلّق امرأة أو اختلعت أو بانت أله أن يتزوّج باُختها؟ قال : فقال : إذا برئت عصمتها ولم يكن عليها رجعة فله أن يخطب اُختها(7) ومثلها من الروايات . بتقريب أنّ جوابه (عليه السلام) إنّما يدلّ على كون المانع من التزويج بالاُخت في الطلاق الرجعي هو بقاء العصمة وإمكان الرجوع ، فتدلّ على المنع في المقام مع عدم بقاء العصمة وجواز الرجوع ، وأمّا مع البقاء وعدم إمكان الرجوع فأيّ مانع في البين ، فيختصّ عدم الجواز بما إذا كان الطلاق رجعيّاً .
- (1) العروة الوثقى : 2/816 .
- (2) المقنعة : 501 .
- (3) الحدائق الناضرة : 23/627 .
- (4) التهذيب : 7/294 ذيل حديث 1232 .
- (5) كشف اللثام : 7/213 .
- (6) مستند العروة الوثقى ، كتاب النكاح : 1/196 ـ 197 .
- (7) الكافي : 5/432 ح7 ، التهذيب : 7/286 ح1206 ، الإستبصار : 3/169 ح619 ، الوسائل : 22/270 ، أبواب العدد ب48 ح2 .
(الصفحة 280)مسألة 12 : لو طلّق الرجل زوجته الحرّة ثلاث طلقات لم يتخلّل بينها نكاح رجل آخر حرمت عليه ، ولا يجوز له نكاحها حتّى تنكح زوجاً غيره بالشروط الآتية في كتاب الطلاق ، ولو طلّقها تسعاً للعدّة بتخلّل محلّلين في البين بأن نكحت بغير المطلِّق بعد الثلاثة الاُولى والثانية حرمت عليه أبداً ، وكيفيّة وقوع تسع طلقات للعدّة أن يطلّقها بالشرائط ثم يراجعها في العدّة ويطأها ، ثم يطلّقها في طهر آخر ثم يراجعها ثم يطأ ثمّ يطلقها الثالثة ، ثم ينكحها بعد عدّتها زوج آخر ثمّ يفارقها بعد أن يطأها ، ثم يتزوّجها الأوّل بعد عدّتها ، ثم يوقع عليها
واُجيب عن هذه الدّعوى بأنّ مورد هذه الرواية ومثلها أجنبيّ عن المقام ، فإنّ موردها صورة طلاق الاُخت وإرادة التزويج بالاُخت الاُخرى من جهة الجمع بين الاُختين الممنوع عنه كتاباً وسنّةً ، وأين ذلك من محلّ كلامنا والتزوّج بالخامسة في أثناء عدّة المطلّقة بائناً ، فإنّ ذلك من التعدّي عن مورد الحكم التعبّدي وقياس واضح .
وأنت خبير بأنّه من المستبعد جدّاً الفرق بين الطلاق البائن الذي فيه عدّة ، وبين الطلاق الذي لا عدّة فيه أصلاً كغير المدخول بها واليائسة ، ومن المستبعد جدّاً أن تكون العدّة التي لا يكون للزوج فيها الرجوع مطلقاً كالعدّة في الطلاق الثالث مانعة من التزويج بالخامسة ، خصوصاً مع عدم اجتماع مائه في خمس ، كما علّل به في بعض الروايات المتقدّمة ، وإن لا يكون للمشهور مستند في فتواهم ، أنّه يستفاد من مثل الرواية المتقدّمة ـ وإن كانت واردة في مسألة الاُختين ـ الملاك الكلّي من دون فرق بين المقام وبين مسألة الاُختين ، وهذا لا يكون قياساً بل تعميماً للعلّة المخصوصة لمثل المقام ، فالذي يترجّح في النظر ما قاله المشهور كما لا يخفى ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط لكثرة الروايات المطلقة ، فراجع .
(الصفحة 281)ثلاث طلقات مثل ما أوقع أوّلاً ثم ينكحها آخر ويطأها ويفارقها ويتزوّجها الأوّل ، ويوقع عليها ثلاث طلقات اُخرى مثل السابقات إلى أن يكمل تسعاً تخلّل بينهما نكاح رجلين ، فتحرم عليه في التاسعة أبداً1.
1 ـ وقع التعرّض في المسألة لأمرين :
أحدهما : حرمة المطلّقة الحرّة ثلاث طلقات لم يتخلّل بينها نكاح رجل آخر ، وتوقّف ارتفاع الحرمة على المحلّل الذي يأتي شروطه في كتاب الطلاق(1) إن شاء الله تعالى .
ثانيهما : الحرمة الأبدية بالإضافة إلى المطلّقة تسعاً للعدّة بتخلّل محلّلين في البين ، وسيأتي في كتاب الطلاق تفسير الطلاق العدّي والخصوصيات المعتبرة في تحقّق الحرمة الأبدية بعد تحقّق تسع طلقات في محلّه من كتاب الطلاق(2) إن شاء الله تعالى ، فانتظر .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الطلاق ، المسألة الثانية والثالثة من مسائل «القول في أقسام الطلاق» .
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الطلاق ، المسألة الرابعة من مسائل «القول في أقسام الطلاق» .
(الصفحة 282)
(الصفحة 283)
القول في الكفر
لا يجوز للمسلمة أن تنكح كافراً دواماً وانقطاعاً ، سواء كان أصلياً حربياً أو كتابيّاً أو كان مرتدّاً عن فطرة أو عن ملّة ، وكذا لا يجوز للمسلم تزويج غير الكتابية من أصناف الكفّار ولا المرتدّة عن فطرة أو عن ملّة ، وأمّا الكتابية من اليهودية والنصرانية ففيه أقوال ، أشهرها(1) المنع في النكاح الدائم والجواز في المنقطع ، وقيل : بالمنع مطلقاً وقيل : بالجواز كذلك ، والأقوى الجواز في المنقطع ، وأمّا في الدائم فالأحوط المنع1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :
الأوّل : أنّه لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر مطلقاً دواماً أو انقطاعاً أصلياً كان أو مرتدّاً ، حربياً أو كتابياً ، عن فطرة أو عن ملّة ، والدليل عليه كونه أمراً ضروريّاً بين فقهاء المسلمين ، ولو لم يكن ضروري الإسلام فلا أقل من كونه من ضرورة الفقه في الجملة ، وهذا من دون فرق بين الدوام والانقطاع وبين الكافر الأصلي ،
- (1) الكافي في الفقه : 299 ، شرائع الإسلام : 2/294 ، الروضة البهية : 5/228 ، الحدائق الناضرة : 24/5 .