(الصفحة 30)عدم الميل المانع عن انتشار العضو ، وهل يختصّ الحكم بالحاضر فلا بأس على المسافر وإن طال سفره ، أو يعمّهما فلا يجوز للمسافر إطالة سفره أزيد من أربعة أشهر ، بل يجب عليه مع عدم العذر الحضور لإيفاء حق زوجته؟ قولان : أظهرهما الأوّل ، لكن بشرط كون السفر ضروريّاً ولو عرفاً ، كسفر تجارة أو زيارة أو تحصيل علم ونحو ذلك ، دون ما كان لمجرّد الميل والأنس والتفرّج ونحو ذلك على الأحوط1.
1 ـ قد وقع التصريح من غير واحد من الأصحاب(1) ، بل المنسوب إلى الأكثر(2) ، بل قيل : هو المعروف من مذهب الأصحاب(3) ، بل عن المسالك أنّه موضع وفاق(4) ، هو أنّه لا يجوز أن يترك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّ الجواز لا يجتمع مع الفرض عن التزويج ـ صحيحة صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، أنّه سأله عن الرجل يكون عنده المرأة الشابّة فيمسك عنها الأشهر والسّنة لا يقربها ليس يريد الاضرار بها يكون لهم مصيبة ، يكون في ذلك آثماً؟ قال : إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك(5) . وزاد في رواية اُخرى إلاّ أن يكون بإذنها ، وموردها وإن كانت المرأة الشابّة إلاّ أنّ الظاهر عدم الاختصاص بها إجماعاً(6) .
- (1) شرائع الإسلام : 2/270 ، الروضة البهية : 5/104 ، مسالك الأفهام : 7/66 ، الحدائق الناضرة : 23/89 .
- (2) كشف اللثام : 7/270 .
- (3) رياض المسائل : 6/380 .
- (4) مسالك الأفهام : 7/66 .
- (5) التهذيب : 7/412 ح1647 ، وص419 ح 1678 ، الفقيه : 3/256 ح 1215 ، الوسائل : 20/140 ، أبواب مقدّمات النكاح ب71 ح1 .
- (6) رياض المسائل : 6/380 .
(الصفحة 31)
وتؤيّدها رواية أبي العباس الكوفي ، عن جعفر بن محمّد(1) ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من جمع من النساء ما لا ينكح فزنى منهنّ شيء فالإثم عليه(2) . بل قيل : وتؤيّدها أيضاً رواية حفص ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه ، فامّا أن يفيء وإمّا أن يطلّق ، فإن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمؤل(3) . وأورد عليه صاحب الجواهر بأنّه ظاهر في إلحاق المغاصبة بالإيلاء ، وهو غير ما نحن فيه(4) .
ثمّ الظاهر أنّ مقتضى الاطلاق أنّه لا فرق بين النكاح الدائم والمنقطع بعد كون المنقطعة زوجة كالدائمة ، كما أنّ الظاهر اختصاص الحكم بصورة عدم العذر ، وأمّا معه فيجوز الترك ما دام وجود العذر كخوف الضرر عليه أو عليها ، وعدم انتشار العضور لأجل عدم الميل أو غيره .
وهل يختصّ الحكم بالزوج الحاضر فيجوز السفر وان كان طويلاً غير ضروري ولو عرفاً ، أو يعمّه والمسافر فلا تجوز إطالة السفر أزيد من أربعة أشهر إلاّ إذا كان ضروريّاً .
وينافي الاستدلال من غير واحد(5) على المطلوب بما روته العامّة عن عمر أنّه سأل نساء أهل المدينة لما أخرج أزواجهنّ إلى الجهاد ، و سمع امرأة تنشد أبياتاً ، من جملتها :
- (1) كذا في الوسائل ، وفي الكافي : محمد بن جعفر .
- (2) الكافي : 5/566 ح42 ، الوسائل : 20/141 ، أبواب مقدّمات النكاح ب71 ح2 .
- (3) الكافي : 6/133 ح12 ، الوسائل : 22/341 ، أبواب الأيلاء ب1 ح2 .
- (4) جواهر الكلام : 29/116 .
- (5) مسالك الأفهام : 7/66 ـ 67 ، رياض المسائل : 6/381 .
(الصفحة 32)مسألة 14 : لا إشكال في جواز العزل ، وهو اخراج الآلة عند الانزال وافراغ المني إلى الخارج في غير الزوجة الدائمة الحرّة ، وكذا فيها مع اذنها ، وأمّا فيها بدون اذنها ففيه قولان : أشهرهما الجواز مع الكراهة وهو الأقوى ، بل لا يبعد عدم الكراهة في التي علم أنّها لا تلد ، وفي المسنّة والسليطة والبذية والتي لاترضع ولدها ، كما أنّ الأقوى عدم وجوب دية النطفة عليه وان قلنا بالحرمة ، وقيل : بوجوبها عليه للزوجة ، وهي عشرة دنانير ، وهو ضعيف في الغاية1.
- فوالله لولا الله لا شيء غيره
فوالله لولا الله لا شيء غيره
-
لزلزل من هذا السرير جوانبه
لزلزل من هذا السرير جوانبه
عن أكثر ما تصبر المرأة من الجماع؟ فقيل له : أربعة أشهر ، فجعل المدّة المضروبة للغيبة أربعة أشهر(1) . وذكر صاحب الجواهر : أنّ مقتضاه عدم الفرق بين الحاضر والغائب ، فيجب على النائي الرجوع من السفر لاداء ما عليه ما لم يكن سفراً واجباً ـ إلى أن قال : ـ لكن السيرة القطعية على خلاف ذلك ، اللّهم إلاّ أن يكون المنشأ في ذلك نشوز أكثرهنّ ، فانّ الظاهر سقوط ذلك(2) .
أقول : الالتزام بكون المنشأ للجواز هو نشوز أكثرهنّ مشكل جدّاً ، بل اللازم الالتزام بجواز السفر وترك الوطء في المدّة المذكورة مع وجود داع عقلائي له كالتجارة ونحوها ، دون ما كان للميل والتفرّج والانس ، بل يمكن القول بثبوت السيرة فيه أيضاً ، لكن الاحتياط في الترك كما لا يخفى .1 ـ قال المحقّق في الشرائع : العزل عن الحرّة إذا لم يشترط في العقد ولم تأذن ،
- (1) المصنف لعبد الرزاق : 7/151 ح12593 ، السنن الكبرى للبيهقي : 9/29 ، كنز العمال : 16/576 ح45924 مع اختلاف في لفظ الحديث والشعر .
- (2) جواهر الكلام : 29/116 .
(الصفحة 33)
قيل : هو محرّم ، ويجب معه دية النطفة عشرة دنانير ، وقيل : هو مكروه وإن وجبت الدية ، وهو أشبه(1) . وذكر صاحب الجواهر(2) أنّ القائل بالقول الثاني هو المشهور نقلاً وتحصيلاً ، والدليل على الجواز روايات :
منها : صحيحة محمد بن مسلم ، التي رواها المشايخ الثلاثة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن العزل؟ فقال : ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء(3) .
ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن العزل؟ فقال : ذاك إلى الرجل(4) .
ومنها : رواية عبد الرحمن الحذاء ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان عليّ بن الحسين (عليهما السلام) لايرى بالعزل بأساً ، يقرأ هذه الآية :
{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم}(5) فكلّ شيء أخذ الله منه الميثاق فهو خارج ، وإن كان على صخرة صماء(6) .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) أنّه سئل عن العزل؟ فقال : أمّا الأمة فلا بأس ، وأمّا الحرّة فانّي أكره ذلك إلاّ أن يشترط عليها حين يتزوّجها(7) .
- (1) شرائع الإسلام : 2/270 .
- (2) جواهر الكلام : 29/112 .
- (3) الكافي : 5/504 ح3 ، التهذيب : 7/417 ح 1669 ، الفقيه : 3/273 ح 1295 ، الوسائل : 20/149 ، أبواب مقدّمات النكاح ب75 ح1 .
- (4) الكافي : 5/504 ح1 ، التهذيب : 7/416 ح1667 ، الوسائل : 20/149 ، أبواب مقدّمات النكاح ب75 ح2 .
- (5) سورة الأعراف : 7/172 .
- (6) الكافي : 5/504 ح4 ، التهذيب : 7/417 ح1670 ، الوسائل : 20/149 ، أبواب مقدّمات النكاح ب75 ح3 .
- (7) التهذيب : 7/417 ح1671 ، الوسائل : 20/151 ، أبواب مقدّمات النكاح ب76 ح1 .
(الصفحة 34)
ثمّ إنّ صاحب الوسائل نقل عن محمد بن مسلم في هذا المجال ستّ روايات مع اختلاف يسير(1) . وتبعه صاحب الجواهر(2) . والظاهر كما نبّهنا عليه مراراً الاتحاد وعدم التعدّد .
ومنها : رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : ما تقول في العزل؟ فقال : كان علي (عليه السلام) لا يعزل ، وأمّا أنا فأعزل ، فقلت : هذا خلاف! فقال : ما ضرّ داود أن خالفه سليمان ، والله يقول :
{ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمنَ}(3) .(4)
ومنها : رواية يعقوب الجعفي قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : لابأس بالعزل في ستّة وجوه : المرأة التي تيقّنت أنّها لا تلد ، والمسنّة ، والمرأة السليطة ، والبذية ، والمرأة التي لا ترضع ولدها ، والأمة(5) .
والدليل على المنع بدون اذنها النبويان المرويان عن طرق العامة ، ففي أحدهما : نهى أن يعزل عن الحرّة إلاّ باذنها(6) ، وفي الثاني : أنّه الوأد الخفيّ(7) ، أي قتل الولد ، مضافاً إلى أنّ فيه فواتاً لغرض النكاح وهو الاستيلاد ، وللحقّ الذي للزوجة وهو الالتذاذ ، بل ربما كان فيه إيذاء لها .
لكن الجمع بين الروايات على تقدير الاعتبار يقتضي الحمل على الكراهة ،
- (1) الوسائل : 20/149 ـ 150 ، أبواب مقدّمات النكاح ب75 ح1 ، 4 ، 5 و ب76 ح1 ـ 3 .
- (2) جواهر الكلام : 29/112 .
- (3) سورة الأنبياء : 21/79 .
- (4) مختصر البصائر : 95 ، الوسائل : 20/150 ، أبواب مقدّمات النكاح ب75 ح6 .
- (5) الفقيه : 3/281 ح1340 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 1/278 ح 17 ، الخصال : 328 ح 22 ، التهذيب : 7/491 ح 1972 ، الوسائل : 20/152 ، أبواب مقدّمات النكاح ب76 ح4 .
- (6) دعائم الإسلام : 2/212 ح777 ، مستدرك الوسائل : 14/233 ، أبواب مقدّمات النكاح ب57 ح1 .
- (7) السنن الكبرى للبيهقي : 7/231 .