(الصفحة 315)
يحبسه وقال : إنّ مع العسر يسراً(1) .
هذا ، مضافاً إلى ما عرفت في المسألة التاسعة من عدم كون التمكّن من النفقة شرطاً لصحّة النكاح ابتداءً ، ففي الاستدامة أولى ، وإلى ثبوت الاستصحاب هنا .
الثانية : ما يدلّ على خلافها ، مثل :
صحيحة أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقّاً على الإمام أن يفرّق بينهما(2) .
وصحيحة ربعي والفضيل ، عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى :
{وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقُهُ فَلِيُنْفِق مِمَّا آتَاهُ اللّهُ}(3) قال : إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلاّ فرّق بينهما(4) هذا ، مضافاً إلى قوله تعالى :
{ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان}(5) ومن المعلوم أنّ الإمساك بلا نفقة ليس من الامساك بالمعروف .
أقول : غاية مفاد الطائفة الثانية تسلّط الحاكم على الفسخ لا تسلّط الزوجة . نعم يمكن أن يقال : بأنّه مع عدم الحاكم للزوجة بنفسها الفسخ هذا ، ولكنّ الشهرة مع الطائفة الاُولى ، ولا نسلّم أن لا يكون الإمساك بلا نفقة مع الاعسار الواقعي إمساكاً بالمعروف . نعم لو كان له النفقة ولكن امتنع عن الإنفاق ترفع الزوجة أمرها إلى الحاكم ، وهو يجبره على الإنفاق أو ينفق من ماله ، وعلى فرض عدم الإمكان
- (1) الجعفريات : 108 ، مستدرك الوسائل : 15/218 ، أبواب النفقات ب1 ح5 .
- (2) الفقيه : 3/279 ح1330 ، الوسائل : 21/509 ، أبواب النفقات ب1 ح2 .
- (3) الطلاق : 65/7 .
- (4) الفقيه : 3/279 ح1331 ، الوسائل : 21/509 ، أبواب النفقات ب1 ح1 .
- (5) سورة البقرة: 2 / 229 .
(الصفحة 316)مسألة 11 : لا إشكال في جواز تزويج العربيّة بالعجمي والهاشمية بغير الهاشمي وبالعكس ، وكذا ذوات البيوتات الشريفة بأرباب الصنائع الدنيّة ، كالكنّاس والحجّام ونحوهما; لأنّ المسلم كفو المسلم ، والمؤمن كفو المؤمنة ، والمؤمنون بعضهم أكفّاء بعض كما في الخبر(1) . نعم يكره التزويج بالفاسق خصوصاً شارب الخمر والزاني كما مرّ (2) 1 .
يجبره على الطلاق ، ومع عدم الإمكان يطلّقها بنفسه مع إرادة الزوجة الطلاق ، كما لايخفى .1 ـ قال المحقّق في الشرائع : ويجوز انكاح الحرّة العبد ، والعربيّة العجميّ ، والهاشمية غير الهاشمي وبالعكس ، وكذا أرباب الصنائع الدنية بذوات الدين والبيوتات(3) لعموم الأدلّة وخصوص ما جاء من تزويج جويبر الدلفاء ومنجح بن رباح مولى علي بن الحسين (عليهما السلام) ولا بأس بذكر روايتهما .
وهي ما رواه أبو حمزة الثمالي في حديث ، قال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) ، فقال له رجل : إنيّ خطبت إلى مولاك فلان بن أبي رافع ابنته فلانة ، فردّني ورغب عنّي وازدرأني لدمامتي وحاجتي وغربتي ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : اذهب فأنت رسولي إليه فقل له : يقول لك محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : زوّج منجح بن رباح مولاي بنتك فلانة ولا تردّه ـ إلى أن قال : ـ
ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) : إنّ رجلاً كان من أهل اليمامة يُقال له : جويبر ، أتي
- (1) الفقيه : 3/249 ح1185 ، الوسائل : 20/74 ، أبواب مقدّمات النكاح ب27 ح8 .
- (2) في أوّل كتابنا هذا مسألة 3 و 4 .
- (3) شرائع الإسلام : 2/300 .
(الصفحة 317)
رسول الله (صلى الله عليه وآله) منتجعاً للإسلام فأسلم وحسن إسلامه ، وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً ، وكان من قباح السّودان ـ إلى أن قال : ـ وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة له ورقّة عليه ، فقال له : يا جويبر لو تزوّجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك ، فقال له جويبر : يارسول الله بأبي أنت واُمّي من يرغب فيّ ، فوالله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال ، فأيّة امرأة ترغب فيّ؟
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا جويبر إنّ الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً ، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً ، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً ، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها ، فالناس اليوم كلّهم أبيضهم وأسودهم وقرشيّهم وعربيّهم وعجميّهم من آدم ، وإنّ آدم خلقه الله من طين وإنّ أحبّ الناس إلى الله أطوعهم له وأتقاهم ، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً إلاّ لمن كان أتقى لله منك وأطوع ، ثمّ قال له : انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد فانّه من أشرف بني بياضة حسباً ، فقل له : إنّي رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليك ، وهو يقول لك : زوّج جويبراً بنتك الدلفاء ، الحديث .
وفيه : أنّه زوّجه إيّاها بعدما راجع النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فقال له : يا زياد ، جويبر مؤمن والمؤمن كفو المؤمنة ، والمسلم كفو المسلمة ، فزوّجه يازياد ولا ترغب عنه(1) .
وقد زوّج رسول الله (صلى الله عليه وآله) المقداد بن الأسود ضياعة ابنة الزبير بن عبد المطلب ، والشاهد الأقوى على ما في المتن ملاحظة أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) وزوجات الأئمة (عليهم السلام) ،
- (1) الكافي : 5/339 ح1 ، الوسائل : 20/67 ، أبواب مقدّمات النكاح ب25 ح1 .
(الصفحة 318)مسألة 12 : ممّا يوجب الحرمة الأبديّة التزويج حال الإحرام دواماً أو انقطاعاً ، سواء كانت المرأة محرمة أو محلّة ، وسواء كان إيقاع التزويج له بالمباشرة أو بالتوكيل ، محرماً كان الوكيل أو محلاًّ ، كان التوكيل قبل الإحرام أو حاله ، هذا مع العلم بالحرمة ، وأمّا مع جهله بها وإن بطل النكاح في جميع الصور المذكورة لكن لا يوجب الحرمة الأبدية1.
المشتملة على الإماء وصاحبة الحرف الدنيّة ، وعدم كونهنّ قرشيّات أو عربيّات بأجمعهنّ ، وقد تقدّم البحث عن كراهة تزويج الفاسق خصوصاً شارب الخمر والزاني ، فراجع .1 ـ قد فصّلنا الكلام في هذا المجال في البحث عن محرّمات الإحرام في كتاب الحجّ بما لا مزيد عليه ، وقلنا بثبوت أحكام ثلاثة :
أحدها : وهو المهم ، المقصود في محرّمات الإحرام هي الحرمة التكليفية ، المتعلّقة بإيقاع العقد لنفسه أو لغيره ولو كان محلاًّ .
وثانيها : هي الحرمة الأبدية ، والقدر المتيقّن من موردها ما إذا تزوّج المحرم لنفسه ، وكان عالماً بالحرمة التكليفية الإحرامية وان لم يدخل بها .
وثالثها : هو البطلان وعدم تأثير عقد المحرم في تحقّق الزوجية ولو بين محلّين ، من دون فرق بين مورد ثبوت الحرمة الأبدية وبين مورد غير ثبوتها ، ومن أراد التحقيق في هذه المسألة التي لها فروع كثيرة ومشتملة على روايات(1) متعدّدة موكول إلى ذلك المحل ، فليراجع(2) .
- (1) الوسائل : 12/436 ـ 440 ، أبواب تروك الاحرام ب14 و15 .
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحج : 3/438 ـ 462 .
(الصفحة 319)مسألة 13 : لا فرق فيما ذكر من التحريم مع العلم والبطلان مع الجهل بين أن يكون الإحرام لحجّ واجب أو مندوب أو لعمرة واجبة أو مندوبة ، ولا بين أن يكون حجّه وعمرته لنفسه أو نيابة عن غيره1.مسألة 14 : لو كانت الزوجة محرمة عالمة بالحرمة وكان الزوج محلاًّ فهل يوجب نكاحها الحرمة الأبدية بينهما؟ قولان ، أحوطهما ذلك ، بل لا يخلو من قوّة2مسألة 15 : يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق في العدة الرجعيّة من غير فرق بين المطلّقة تبرّعاً أو المختلعة إذا رجعت في البذل ، وكذا يجوز أن يوكّل محلاًّ في أن يزوّج له بعد احلاله ، بل وكذا أن يوكّل محرماً في أن يزوّج له بعد إحلالهما3 .
1 و 2 ـ قد تقدّم البحث في هاتين المسألتين أيضاً في كتاب الحجّ في البحث عن محرّمات الإحرام ، فراجع .3 ـ فانّ الرجوع في الطلاق في العدّة الرجعيّة ـ سواء كانت رجعية بالأصالة كما في الطلاق الرجعي ، أو بسبب رجوع الزوجة في البذل كما في الطلاق الخلعي ـ لا يكون عقداً ولا يعدّ نكاحاً لا مباشرة ولا غيرها ، فلا وجه لعدم جوازه ، وكذا يجوز أن يوكّل محلاًّ في أن يزوّج له بعد إحلاله ، فانّ متعلّق الوكالة هو التزويج بعد الاحلال ، والمفروض أنّ الوكيل محلّ ، والوكالة بنفسها في حال الاحرام جائزة لم يدّل دليل على حرمتها ، ومنه يظهر أنّه لا مانع من ذلك ـ وان كان الوكيل محرماً ـ بعد كون متعلّق الوكالة هو التزويج بعد إحلالهما وخروجهما عن الاحرام ، فانّ