(الصفحة 34)
ثمّ إنّ صاحب الوسائل نقل عن محمد بن مسلم في هذا المجال ستّ روايات مع اختلاف يسير(1) . وتبعه صاحب الجواهر(2) . والظاهر كما نبّهنا عليه مراراً الاتحاد وعدم التعدّد .
ومنها : رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : ما تقول في العزل؟ فقال : كان علي (عليه السلام) لا يعزل ، وأمّا أنا فأعزل ، فقلت : هذا خلاف! فقال : ما ضرّ داود أن خالفه سليمان ، والله يقول :
{ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمنَ}(3) .(4)
ومنها : رواية يعقوب الجعفي قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : لابأس بالعزل في ستّة وجوه : المرأة التي تيقّنت أنّها لا تلد ، والمسنّة ، والمرأة السليطة ، والبذية ، والمرأة التي لا ترضع ولدها ، والأمة(5) .
والدليل على المنع بدون اذنها النبويان المرويان عن طرق العامة ، ففي أحدهما : نهى أن يعزل عن الحرّة إلاّ باذنها(6) ، وفي الثاني : أنّه الوأد الخفيّ(7) ، أي قتل الولد ، مضافاً إلى أنّ فيه فواتاً لغرض النكاح وهو الاستيلاد ، وللحقّ الذي للزوجة وهو الالتذاذ ، بل ربما كان فيه إيذاء لها .
لكن الجمع بين الروايات على تقدير الاعتبار يقتضي الحمل على الكراهة ،
- (1) الوسائل : 20/149 ـ 150 ، أبواب مقدّمات النكاح ب75 ح1 ، 4 ، 5 و ب76 ح1 ـ 3 .
- (2) جواهر الكلام : 29/112 .
- (3) سورة الأنبياء : 21/79 .
- (4) مختصر البصائر : 95 ، الوسائل : 20/150 ، أبواب مقدّمات النكاح ب75 ح6 .
- (5) الفقيه : 3/281 ح1340 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 1/278 ح 17 ، الخصال : 328 ح 22 ، التهذيب : 7/491 ح 1972 ، الوسائل : 20/152 ، أبواب مقدّمات النكاح ب76 ح4 .
- (6) دعائم الإسلام : 2/212 ح777 ، مستدرك الوسائل : 14/233 ، أبواب مقدّمات النكاح ب57 ح1 .
- (7) السنن الكبرى للبيهقي : 7/231 .
(الصفحة 35)مسألة 15 : يجوز لكلّ من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر ظاهره وباطنه حتى العورة ، وكذا مسّ كلّ منهما بكلّ عضو منه كلّ عضو من الآخر مع التلذّذ وبدونه1.
خصوصاً مع أنّ أصل الوطء يجوز تركه نوعاً ، فلا تصل النوبة إلى العزل ، وخصوصاً مع جواز الوطء في الأدبار على ما عرفت(1) ، وهو لا يحصل منه الولد كما لايخفى .
بقي الكلام في وجوب الدية على الزوج ، وهي عشرة دنانير ، والظاهر العدم ، فانّ موضوعها هو المفزع للمجامع ، وأمّا إذا أراد الزوج الانزال من غير وجود المفزع فالظاهر عدم الدليل على ثبوت الدية بوجه ، وتؤيّده سيرة المتشرعة فانّهم لا يرون الوجوب أصلاً ، ومنه يظهر الاشكال على المحقّق في الشرائع في العبارة المتقدّمة ، حيث إنّ ظاهرها وجوب الدية وإن قلنا بكراهة العزل فضلاً عن القول بالحرمة ، فتدبّر .1 ـ لا إشكال في أنّه يجوز لكلّ من الزوجين النظر إلى جسد الآخر ظاهره وباطنه ، وكذا مسّه بأيّ عضو كان مع التلذّذ أو بدونه ، وإن كره النظر إلى العورة ، للنهي(2) المحمول على الكراهة جزماً ، وفي محكي كشف اللّثام ربما يرشد إليه قوله تعالى :
{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ليُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مَن سَوْآتِهِمَا}(3) ،
- (1) في ص17-22 مسألة 11 .
- (2) الفقيه: 3/359 ح1712 وص363 ح1727، الوسائل: 20/121 ـ 122، أبواب مقدّمات النكاح ب59 ح5 و6.
- (3) سورة الأعراف : 7/20 .
(الصفحة 36)مسألة 16 : لا إشكال في جواز نظر الرجل إلى ما عدا العورة من مماثله ، شيخاً كان المنظور إليه أو شابّاً ، حسن الصورة أو قبيحها ما لم يكن بتلذّذ وريبة ،
وقوله تعالى :
{ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمْا}(1) ، وقوله تعالى :
{ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا ليُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}(2) (3) . لكن في الجواهر : وفيه ما لا يخفى(4) .
وكذا يجوز لكلّ من الرجل والمرأة النظر إلى المحارم ما عدا العورة ، وما عن ظاهر التحرير من أنّه ليس للمحرم التطلّع في العورة والجسد عارياً(5) واضح الضعف ، وإن كان في خبر أبي الجارود ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، المرويّ في تفسير عليّ ابن إبراهيم ، والمنقول في المستدرك في قوله تعالى :
{ وَلاَ يُبْدِيِنَ زِيَنَتُهنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}(6) فهو الثياب ، والكحل ، والخاتم ، وخضاب الكف ، والسّوار ، والزينة ثلاث : زينة للناس ، وزينة للمحرم ، وزينة للزوج ، فأمّا زينة الناس فقد ذكرناه ، وأمّا زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها ، والدملج وما دونه ، والخلخال وما أسفل منه ، وأمّا زينة الزوج فالجسد كلّه(7) ، لكنّه مضافاً إلى ضعف الرواية قد ذكرنا في كتاب الصلاة أنّ المراد من الآية هي أنّ المرأة بنفسها زينة ، والزينة الظاهرة هي الوجه والكفّان لا الزينة المتعارفة(8) ، فراجع .
- (1) سورة الأعراف : 7/22 .
- (2) سورة الأعراف : 7/27 .
- (3) كشف اللثام : 7/24 .
- (4) جواهر الكلام : 29/72 .
- (5) تحرير الاحكام : 2/3 .
- (6) سورة النور : 24/31 .
- (7) تفسير القمي : 2/101 ، مستدرك الوسائل : 14/275 ، أبواب مقدّمات النكاح ب85 ح3 .
- (8) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الصلاة : 1/569 ـ 576 .
(الصفحة 37)والعورة هي القبل والدبر والبيضتان ، وكذا لا إشكال في جواز نظر المرأة إلى ما عدا العورة من مماثلها ، وأمّا عورتها فيحرم أن تنظر إليها كالرجل1.مسألة 17 : يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه ما عدا العورة إذا لم يكن مع تلذّذ وريبة ، والمراد بالمحارم من يحرم عليه نكاحهنّ من جهة النسب أو الرضاع أو المصاهرة ، وكذا يجوز لهنّ النظر إلى ما عدا العورة من جسده بدون تلذّذ وريبة2
1 ـ لا شبهة في أنّه يجوز لكلّ من الرجل والمرأة النظر إلى المماثل ما عدى العورة ، من دون فرق بين ما إذا كان المنظور إليه شيخاً أو شابّاً ، حسن الصورة أو قبيحها ، ما لم يكن هناك تلذّذ وريبة في البين ، وأمّا العورة فحرام النظر إليها .
ويدلّ على كلا الأمرين استمرار سيرة المتشرّعة وعمل المسلمين على ذلك ، فتراهم ينظرون إلى مماثلهم وينظرن إلى مماثلهنّ في الشوارع والمجالس والمحافل ، ويسترون عوراتهم في الحمّامات بإزار ونحوه ، وإن رأوا من يدخلها بدونه يوبّخونه ، مع أنّه لا يعتبر في الساتر في الستر النفسي شيء مخصوص ، بل تكفي اليد ونحوها ، وقد روى ابن قدامة في المغني ، عن أبي حفص أنّ وفداً قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)وفيهم غلام حسن الوجه فأجلسه ، ومن ورائه(1) ، و كان ذلك بمرئى من الحاضرين ولم يأمره بالاحتجاب عن الناس ، واجلاسه ورائه تنزّهاً منه (صلى الله عليه وآله)وتعفّفاً وتعليماً للناس .1 ـ لا شبهة في أنّه يجوز لكلّ من الرجل والمرأة النظر إلى جسد محارمه ما عدا
- (1) المغني لابن قدامة : 7/463
(الصفحة 38)مسألة 18 : لا إشكال في عدم جواز نظر الرجل إلى ما عدى الوجه والكفين من المرأة الأجنبية من شعرها وسائر جسدها ، سواء كان فيه تلذّذ وريبة أم لا ، وكذا الوجه والكفّان إذا كان بتلذّذ وريبة ، وأمّا بدونها ففيه قولان بل أقوال : الجواز مطلقاً ، وعدمه مطلقاً ، والتفصيل بين نظرة واحدة فالأوّل ، وتكرار النظر فالثاني ، وأحوط الأقوال أوسطها1.مسألة 19 : لا يجوز النظر إلى الأجنبي كالعكس ، والأقرب استثناء الوجه والكفّين2
العورة إذا لم يكن هناك تلذّذ وريبة ، والمراد بالمحارم من يحرم عليه أو عليها نكاحها أو نكاحه ، سواء كان من جهة النسب أو الرضاع أو المصاهرة ، وقد تقدّم البحث عنه في ذيل المسألة الخامسة عشر .1 ـ العمدة في هذه المسألة البحث في الجواز وعدم الجواز بالنسبة إلى وجه الأجنبية وكفّيها بدون التلذّذ والريبة ، وفي المتن أنّ فيها أقوالاً ثلاثة ، ولكن نحن نحيل البحث في ذلك إلى بحث الستر الواجب النفسي بمناسبة الستر الواجب الشرطي في باب الصلاة ، وقد قدّمنا ذلك مفصّلاً ، فراجع(1) .2 ـ الظاهر أنّ مراده أنّ الأقرب استثناء الوجه والكفّين من الرجل الأجنبي في نظر الأجنبية ، وإن لم نقل بالجواز في العكس ، والظاهر أنّ الوجه في ذلك هو استلزام العسر والحرج لو لم نقل بالجواز فيه أيضاً ، وإن روى الصدوق في عقاب الأعمال أنّه قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): اشتدّ غضب الله عزّ وجلّ على امرأة ذات بعل ملأت
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الصلاة : 1/568 ـ 593 .