(الصفحة 370)
المتعة؟ قال : نعم إذا كانت عارفة ـ إلى أن قال : ـ وإيّاكم والكواشف والدواعي والبغايا وذوات الأزواج ، قلت : ما الكواشف؟ قال : اللواتي يكاشفن وبيوتهنّ معلومة ويؤتين ، قلت : فالدّواعي؟ قال : اللواتي يدعون إلى أنفسهنّ وقد عرفن بالفساد ، قلت : فالبغايا؟ قال : المعروفات بالزّنا ، قلت : فذوات الأزواج؟ قال : المطلّقات على غير السنّة(1) .
ورواية محمد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة الحسناء الفاجرة هل تحبّ للرجل أن يتمتّع منها يوماً أو أكثر؟ فقال : إذا كانت مشهورة بالزنا فلا يتمتّع منها ولا ينكحها(2) بعد حمل النهي على الكراهة ، لما عرفت من استحباب كونها عفيفة ، وفي بعض الروايات التعبير بـ«لا ينبغي»(3) مع عدم كونها مأمونة ، كما أنّه يستحبّ منعها من الفجور لدلالة روايات كثيرة عليه ، التي منها رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :
سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا النثاء عليها في شيء من الفجور؟ فقال : لا بأس بأن يتزوّجها ويحصنها(4) . لكنّ المستفاد منها أنّ المنع عن الفجور لا يكون أمراً زائداً على التزوّج بها ، بل الاحصان يحصل بنفسه ، فالدليل حينئذ على المنع الزائد شيء آخر ، مثل أدلّة النهي عن المنكر الدالّة على وجوبه ، فتدبّر جيّداً .
- (1) الكافي : 5/454 ح5 ، التهذيب : 7/252 ح1088 ، الإستبصار : 3/143 ح514 ، الفقيه : 3/292 ح 1387 ، معاني الأخبار : 225 ح 1 ، الوسائل : 21/28 ، أبواب المتعة ب8 ح3 .
- (2) الكافي : 5/454 ح6 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 131 ح337 ، التهذيب : 7/252 ح 1087 ، الإستبصار : 3/142 ح 516 ، الوسائل : 21/28 ، أبواب المتعة ب8 ح4 .
- (3) الوسائل : 21/27 ، أبواب المتعة ب 8 ح1 .
- (4) التهذيب : 7/331 ح1363 ، الإستبصار : 3/168 ح616 ، الوسائل : 20/436 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب12 ح2 .
(الصفحة 371)
القول في العيوب الموجبة لخيار الفسخ ، والتدليس
وهي قسمان : مشترك ومختص ، أمّا المشترك فهو الجنون ، وهو اختلال العقل ، وليس منه الاغماء ، ومرض الصّدع الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات ، ولكل من الزوجين فسخ النكاح بجنون صاحبه في الرجل مطلقاً ، سواء كان جنونه قبل العقد مع جهل المرأة به أو حدث بعده قبل الوطء أو بعده . نعم في الحادث بعد العقد إذا لم يبلغ حدّاً لا يعرف أوقات الصلاة تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط ، وأمّا في المرأة ففيما إذا كان قبل العقد ولم يعلم الرجل دون ما إذا طرأ بعده . ولا فرق في الجنون الموجب للخيار بين المطبق والأدوار وإن وقع العقد حال إفاقته ، كما أنّ الظاهر عدم الفرق في الحكم بين النكاح الدائم والمنقطع .
وأمّا المختصّ ، فالمختصّ بالرجل ثلاثة :
الخصاء ، وهو سلّ الخصيتين أو رضّهما ، وتفسخ به المرأة مع سبقه على العقد وعدم علمها به .
(الصفحة 372)
والجبّ ، وهو قطع الذكر بشرط أن لا يبقى منه ما يمكن معه الوطء ولو قدر الحشفة ، وتفسخ المرأة فيما إذا كان ذلك سابقاً على العقد ، وأمّا اللاحق به ففيه تأمّل ، بل لا يبعد عدم الخيار في اللاحق مطلقاً سواء كان قبل الوطء أو بعده .
والعنن ، وهو مرض تضعف معه الآلة عن الانتشار بحيث يعجز عن الإيلاج ، فتفسخ المرأة بشرط عجزه عن الوطء مطلقاً ، فلو لم يقدر على وطئها وقدر على وطء غيرها لا خيار لها ، ويثبت به الخيار سواء سبق العقد أو تجدّد بعده ، لكن بشرط أن لم يقع منه وطؤها ولو مرّة حتّى دبراً ، فلو وطأها ثمّ حدثت به العنّة بحيث لم يقدر على الوطء بالمرّة فلا خيار لها .
والمختصّ بالمرأة ستّة : البرص ، والجذام ، والافضاء ، وقد مرّ تفسيره فيما سبق(1) .
والقرن ، ويقال له : العفل ، وهو لحم أو غدّة أو عظم ينبت في فم الرحم يمنع عن الوطء ، بل ولو لم يمنع إذا كان موجباً للتنفّر والانقباض على الأظهر .
والعرج البيّن ، وإن لم يبلغ حدّ الاقعاد .
والزمانة على الأظهر .
والعمى ، وهو ذهاب البصر عن العينين وإن كانتا مفتوحتين ، ولا اعتبار بالعور ولا بالعشا ، وهي علّة في العين لا يبصر في الليل ويبصر بالنهار ، ولا بالعمش ، وهو ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في غالب الأوقات1.
1 ـ يقع الكلام في الشروع بهذا الفصل في مقامات ثلاثة :
- (1) تحرير الوسيلة : 2 «أول كتاب النكاح» مسألة 12 .
(الصفحة 373)
المقام الأوّل : في العيب المشترك بين الرجل والمرأة ، وهو الجنون ، وقد وقع الاتّفاق على الفسخ به ، وهو مرض في العقل يوجب اختلاله وفساده وتعطيله عن أحكامه وأفعاله ولو في بعض الأوقات ، فالمجنون من اُصيب جنانه ـ أي قلبه ـ أو أصابته الجنّ أو حيل بينه وبين عقله فستر عقله ، وليس منه عرفاً الاغماء ومرض الصدع الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات .
وكيف كان فهو يوجب تسلّط الزوجة إذا كانت جاهلة على فسخ العقد إذا كان سابقاً على العقد أو مقارناً له; لقاعدة الغرور والتدليس والأولوية ، بالإضافة إلى رواية علي بن أبي حمزة الواردة في المتجدّد بعد التزويج الآتية إن شاء الله تعالى .
وربما يستدلّ لذلك بصحيحة الحلبي ، وهي ما رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في الرجل يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له ، قال : لا تردّ ، وقال : إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل . قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال : المهر لها بما استحلّ من فرجها ، ويغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها(1) . وقد رواها المشايخ الثلاثة إلاّ أنّه في الوسائل : أسقط الكليني(2) لفظ «انّما» وفي أحد طريقي الصدوق الرواية عن محمد بن مسلم ، أنّه سأل أبا جعفر (عليه السلام)وذكر نحوه ، إلاّ انّه ترك ذكر العفل(3) .
وأورد على الاستدلال بها صاحب الجواهر(قدس سره) بما يرجع إلى أنّه مبنيّ على استقلال قوله (عليه السلام) : «إنّما يردّ النكاح» في الجواب . مع أنّ الظاهر العدم ، وأنّ كلمة
- (1) الفقيه : 3/273 ح1299 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 78 ح171 ، التهذيب : 7/426 ح 1701 ، الإستبصار : 3/247 ح 886 ، الوسائل : 21/209 و213 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح6 ب2 ح5 .
- (2) الكافي : 5/406 ح 6.
- (3) الفقيه : 3/273 ح 1297 .
(الصفحة 374)
«يردّ» مبنيّة للفاعل ، والضمير يردّ إلى الرجل ، ولأجله لم يحكم الأكثر(1) بالخيار لها في البرص والجذام . نعم رواه الشيخ في موضع من التهذيب(2) بصورة القاعدة الكليّة ، ولكنّ الظاهر أنّها من تقطيع الشيخ(3) كتقطيع صاحب الوسائل في كثير من الموارد على ما نبّهنا عليه مراراً ، ومنها هذه الرواية بصورة اُخرى .
وكيف كان فلا يتمّ الاستدلال بهذه الرواية ، كما أنّه لا يصحّ الاستدلال عليه بأولويّة ثبوته للمرأة في الرجل من العكس الثابت نصّاً(4) وفتوى(5) كما ستعرف لكون الرجل له طريق تخلّص بالطلاق دونها ، فانّه يمكن منع القطع بها .
ولأجل ذلك توقّف في الحكم بعض متأخّري المتأخّرين(6) وخصّه بالمتجدّد دون السابق ، لكن قد عرفت أولويته من الجنون بعده في الحكم المزبور ، كما أنّ الظاهر أنّه لا فرق بعد صدق اسم الجنون بين عقله أوقات الصلاة وعدمه ، خلافاً لظاهر المحكي عن ابن حمزة(7) والمبسوط (8) والمهذّب(9) من تقييد الخيار بذلك مطلقاً ، ولعلّه لدعوى توقّف صدق الجنون عليه وهو ممنوع جدّاً ، هذا بالإضافة
- (1) شرائع الإسلام : 2/318 ـ 319 ، جامع المقاصد : 13/234 ، الروضة البهية : 5/380 ، الحدائق الناضرة : 24/351 .
- (2) التهذيب : 7/424 ح1693 .
- (3) جواهر الكلام : 30/319 .
- (4) الوسائل : 21/207 ـ 214 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 و 2 .
- (5) شرائع الإسلام : 2/319 ، جامع المقاصد : 13/218 ـ 220 ، الروضة البهية : 5/390 ، مسالك الأفهام : 8/112 ، جواهر الكلام : 30/331 .
- (6) الحدائق الناضرة : 24/338 .
- (7) الوسيلة : 311 .
- (8) المبسوط : 4/250 .
- (9) المهذّب : 2/233 .