(الصفحة 374)
«يردّ» مبنيّة للفاعل ، والضمير يردّ إلى الرجل ، ولأجله لم يحكم الأكثر(1) بالخيار لها في البرص والجذام . نعم رواه الشيخ في موضع من التهذيب(2) بصورة القاعدة الكليّة ، ولكنّ الظاهر أنّها من تقطيع الشيخ(3) كتقطيع صاحب الوسائل في كثير من الموارد على ما نبّهنا عليه مراراً ، ومنها هذه الرواية بصورة اُخرى .
وكيف كان فلا يتمّ الاستدلال بهذه الرواية ، كما أنّه لا يصحّ الاستدلال عليه بأولويّة ثبوته للمرأة في الرجل من العكس الثابت نصّاً(4) وفتوى(5) كما ستعرف لكون الرجل له طريق تخلّص بالطلاق دونها ، فانّه يمكن منع القطع بها .
ولأجل ذلك توقّف في الحكم بعض متأخّري المتأخّرين(6) وخصّه بالمتجدّد دون السابق ، لكن قد عرفت أولويته من الجنون بعده في الحكم المزبور ، كما أنّ الظاهر أنّه لا فرق بعد صدق اسم الجنون بين عقله أوقات الصلاة وعدمه ، خلافاً لظاهر المحكي عن ابن حمزة(7) والمبسوط (8) والمهذّب(9) من تقييد الخيار بذلك مطلقاً ، ولعلّه لدعوى توقّف صدق الجنون عليه وهو ممنوع جدّاً ، هذا بالإضافة
- (1) شرائع الإسلام : 2/318 ـ 319 ، جامع المقاصد : 13/234 ، الروضة البهية : 5/380 ، الحدائق الناضرة : 24/351 .
- (2) التهذيب : 7/424 ح1693 .
- (3) جواهر الكلام : 30/319 .
- (4) الوسائل : 21/207 ـ 214 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 و 2 .
- (5) شرائع الإسلام : 2/319 ، جامع المقاصد : 13/218 ـ 220 ، الروضة البهية : 5/390 ، مسالك الأفهام : 8/112 ، جواهر الكلام : 30/331 .
- (6) الحدائق الناضرة : 24/338 .
- (7) الوسيلة : 311 .
- (8) المبسوط : 4/250 .
- (9) المهذّب : 2/233 .
(الصفحة 375)
إلى السابق أو المقارن .
وأمّا بالنسبة إلى المتجدّد بعد العقد سواء كان قبل الوطء أو بعده أيضاً ، فقد ادّعي نفي وجدان الخلاف بل الاجماع(1) .
ويدلّ عليه رواية علي بن أبي حمزة قال : سئل أبو إبراهيم (عليه السلام) عن امرأة يكون لها زوج قد اُصيب في عقله بعدما تزوّجها أو عرض له جنون؟ قال : لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت(2) .
لكن المحكي عن ابن بابويه(3) والمفيد(4) والشيخ(5) وبني زهرة(6) والبراج(7)وإدريس(8) أنّهم قيّدوه بما إذا كان لا يعقل معه أوقات الصلاة وإلاّ فلا خيار ، وقال المحقّق في الشرائع : وقد يشترط في المتجدّد أن لا يعقِلَ أوقات الصلاة ، وهو في موضع التردّد(9) . وفي المتن التأمّل والإشكال فيما إذا لم يبلغ حدّاً لم يعرف أوقات الصلاة والنهي عن ترك الاحتياط فيه .
ومنشأ الإشكال مثل مرسلة الصدوق قال : روي أنّه إن بلغ به الجنون مبلغاً لا
- (1) جواهر الكلام : 30/321 .
- (2) التهذيب : 7/428 ح1708 ، الكافي : 6/151 ح 1 ، الفقيه : 3/338 ح 1628 ، الوسائل : 21/225 ، أبواب العيوب والتدليس ب12 ح1 .
- (3) أي عليّ بن بابويه ، قد حكى عنه في كشف الرموز : 2/177 والمختلف : 7/201 مسألة 128 .
- (4) المقنعة : 520 .
- (5) المبسوط : 4/252 ، الخلاف : 4/349 ، النهاية : 486 .
- (6) غنية النزوع : 354 ـ 355 .
- (7) المهذّب: 2 / 235.
- (8) السرائر : 2/611 .
- (9) شرائع الإسلام : 2/318 .
(الصفحة 376)
يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما ، فإن عرف أوقات الصلاة فلتبصر المرأة معه فقد بليت(1) .
وكذا مثل رواية الحلبي المتقدّمة المتضمّنة لقول أبي عبدالله (عليه السلام) : «إنّما يردّ النكاح من البرص ، والجذام ، والجنون ، والعفل» بناء على كون صيغة يردّ مبنية للمفعول .
هذا ، ولكنّ التحقيق أنّ معرفة أوقات الصلاة حدّ للجنون وتعريف له ، لا أنّ الجنون على قسمين فيرتفع الاختلاف .
هذا كلّه بالإضافة إلى الرجل ، وأمّا بالنسبة إلى المرأة فيدلّ على أصل جواز الفسخ بجنون المرأة صحيحة الحلبي المتقدّمة ، سواء كان الفعل فيها بصورة المبني للفاعل أو المبني للمفعول ، غاية الأمر أنّه في الصورة الاُولى ظاهر في خصوص المورد ، وفي الصورة الثانية مقتضى اطلاقها ذلك . نعم هذا كلّه بالنسبة إلى ما كان قبل العقد ، وأمّا ما يتجدّد بعد العقد ففي الشرائع لا يفسخ به(2) .
وقال في الجواهر : لا أجد فيه خلافاً بين العامّة والخاصّة إلاّ من ظاهر موضع من المبسوط وصريح آخره(3) فخيّره مطلقاً ، وعن أبي علي(4) في خصوص المجنون ، ثم قال : ولا ريب في ضعفهما(5) . بل قال المحقّق : وفي المتجدّد بعد العقد وقبل الدخول تردّد ، أظهره أنّه لا يبيح الفسخ تمسكاً بمقتضى العقد السليم
- (1) الفقيه : 3/338 ح1629 ، الوسائل : 21/226 ، أبواب العيوب والتدليس ب12 ح3 .
- (2) شرائع الإسلام : 2/320 .
- (3) المبسوط : 4/252 ـ 253 .
- (4) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/201 مسألة 128 .
- (5) جواهر الكلام : 30/341 .
(الصفحة 377)
عن معارض(1) .
أقول : في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : المرأة تردّ من أربعة أشياء : من البرص ، والجذام ، والجنون ، والقرن وهو العفل ما لم يقع عليها ، فإذا وقع عليها فلا(2) .
والظاهر أنّ المراد هو الوقوع عليها عالماً بعيبها ، ومقتضى اطلاقها جواز ردّها قبل الوقوع عليها ولو كان شيء من الأربعة متجدّداً بعد العقد ، إلاّأن يقال : إنّها بصدد نفي الخيار بعد الوقوع لا إثباته قبله مطلقاً ، فلا يجوز التمسك بإطلاقها ، وتصل النوبة إلى استصحاب بقاء العقد وعدم انفساخه بفسخه ، خصوصاً مع أنّه له طريق آخر للتخلّص وهو الطلاق ، فالأولى ما استظهره المحقّق سيّما بعد كونه موافقاً للشهرة الفتوائية ، ولعلّه يأتي البحث في هذه الجهة في عيوب المرأة .
ثمّ إنّه لا فرق في الجنون الموجب للخيار في الرجل أو في المرأة بين ما إذا كان اطباقيّاً أو ادواريّاً لإطلاق أدلّته ، وعليه فلو كان العقد واقعاً حال إفاقته ثمّ بلغ دور الجنون يكون ذلك موجباً لجواز الفسخ ، كما أنّه لا فرق بين النكاح الدائم والنكاح المؤجّل بعد كونهما قسمين من النكاح في الشريعة ، لإطلاق الأدلّة أيضاً .
المقام الثاني : في العيوب المختصّة بالرجال ، وهي اُمور :
أحدها: الخصاء ، ومعناها سلّ الخصيتين، أي إخراجهما أو رضّهما، والمشهور(3)أنّها من العيوب الموجبة لتسلّط المرأة على الفسخ في الجملة ، ويدلّ عليه مثل :
- (1) شرائع الإسلام : 2/320 .
- (2) الكافي : 5/409 ح16 ، الفقيه : 3/273 ح1296 ، التهذيب : 7/427 ح1703 ، الإستبصار : 3/248 ح889 ، الوسائل : 21/207 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح1 .
- (3) شرائع الإسلام : 2/318، جامع المقاصد : 13/227 ، مسالك الافهام : 8/103 ، الروضة البهية : 5/380.
(الصفحة 378)
صحيحة ابن مسكان قال : بعثت بمسألة مع ابن أعين قلت : سله عن خصيّ دلّس نفسه لامرأة ودخل بها فوجدته خصيّاً؟ قال : يفرّق بينهما ويوجع ظهره ، ويكون لها المهر لدخوله عليها(1) .
وفي رواية الكشي : إنّ ابن مسكان كتب إلى أبي عبدالله (عليه السلام) مع إبراهيم بن ميمون والسؤال والجواب ما ذكر غير الجملة الأخيرة في الجواب(2) .
وفي رواية بكير ـ وفي نسخة ابن بكير ـ عن أبيه ، عن أحدهما (عليهما السلام) في خصيّ دلّس نفسه لامرأة مسلمة فتزوّجها ، فقال : يفرّق بينهما إن شاءت المرأة ويوجع رأسه ، وإن رضيت به وأقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به أن تأباه(3) .
ورواية سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ خصيّاً دلّس نفسه لامرأة قال : يفرّق بينهما وتأخذ منه صداقها ويوجع ظهره كما دلّس نفسه(4) .
ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه قال : سألته عن خصيّ دلّس نفسه لامرأة ما عليه؟ فقال : يوجع ظهره ويفرّق بينهما وعليه المهر كاملاً إن دخل بها ، وإن لم يدخل بها فعليه نصف المهر(5) .
لكن مع ذلك كلّه فعن المبسوط والخلاف أنّه ليس بعيب مطلقاً ، محتجّاً بأنّ
- (1) التهذيب : 7/432 ح1722 ، الوسائل : 21/227 ، أبواب العيوب والتدليس ب13 ح3 .
- (2) إختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشّي» 383 ذ ح 716 ، الوسائل : 21/229 ، أبواب العيوب والتدليس ب13 ح7 .
- (3) الكافي : 5/410 ح3 ، التهذيب : 7/432 ح1720 ، الفقيه : 3/268 ح 1274 ، الوسائل : 21/226 ، أبواب العيوب والتدليس ب13 ح1 .
- (4) الكافي : 5/411 ح6 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 76 ح164 ، التهذيب : 7/432 ح 1721 ، الوسائل : 21/227 ، أبواب العيوب والتدليس ب13 ح2 .
- (5) قرب الإسناد : 248 ح 982 ، الوسائل : 21/228 ، أبواب العيوب والتدليس ب13 ح5 .