(الصفحة 421)إذا كان الزوج غير مسلم تفصيل1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :
المقام الأوّل : فيما إذا كان الزوج مسلماً ، فانّه لو جعل المهر ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير يكون العقد صحيحاً والمهر باطلاً ، فلا يقع ملكاً لها ، أمّا بطلان المهر فواضح بعد عدم حصول الملكية للمسلم بالإضافة إليه ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الغرض حصول ملكية الزوجة له ، فإذا لم تكن مسلمة كما إذا قلنا بصحّة تزويج المسلم الكتابية إمّا مطلقاً أو في النكاح المؤجّل ، كما عرفت(1) البحث فيه ، فما المانع من جعل الخمر أو الخنزير مهراً فيكون كبيعهما ممّن يستحلّهما ، وهو وإن كان محلّ بحث وكلام إلاّ أنّ عدم الصحّة فيه ليس من الواضحات ، وأمّا صحّة العقد مع بطلان المهر فظاهر في النكاح الدائم بعد عدم اعتبار ذكر المهر فيه أصلاً ، كما تقدّم فضلاً عن بطلانه .
وامّا في النكاح المنقطع فلأنّ ذكر المهر فيه وإن كان واجباً لكونه أشبه بالمعاوضات ، وقد عبّر عن المهر فيه في الآية الشريفة(2) بالأجر إلاّ أنّه لا يكون بمعاوضة حقيقية ، فلا يتحقّق بطلانها بسبب ذلك ، إلاّ أن يقال : بأنّه بعد اعتبار ذكر المهر وكونه ممّا يتموّل كما تقدّم(3) سابقاً يكون جعل الخمر أو الخنزير أو ما يشابههما مهراً منافياً لذلك ، فيوجب البطلان ، فتدبّر جيّداً .
المقام الثاني : فيما إذا كان الزوج غير مسلم ، ولا محالة تكون الزوجة أيضاً كذلك; لأنّ غير المسلم لا يجوز أن يتزوّج المسلمة .
- (1) في أوّل «القول في الكفر» .
- (2) سورة النساء : 4/24 .
- (3) في «القول في النكاح المنقطع» مسألة 5 .
(الصفحة 422)مسألة 3 : لابدّ من تعيين المهر بما يخرج عن الابهام ، فلو أمهرها أحد هذين أو خياطة أحد الثوبين مثلاً بطل المهر دون العقد ، وكان لها مع الدخول مهر المثل . نعم لا يعتبر فيه التعيين الذي يعتبر في البيع ونحوه من المعاوضات ،
وكيف كان فقد قال المحقّق في الشرائع : ولو عقد الذميان على خمر أو خنزير صحّ; لأنّهما يملكانه ، ولو أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض دفع القيمة لخروجه عن ملك المسلم ، سواء كان عيناً أو مضموناً(1) .
ويؤيّده خبر عبيد بن زرارة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : النصراني يتزوّج النصرانية على ثلاثين دنّاً خمراً وثلاثين خنزيراً ثمّ أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها قال : ينظر كم قيمة الخمر وكم قيمة الخنازير ، ويرسل به إليها ثمّ يدخل عليها وهما على نكاحهما الأوّل(2) .
ويؤيّده أيضاً ما في كتاب الديات(3) من أنّ اتلاف الخمر أو الخنزير على الذمي موجب للضمان ، وإن استشكل فيه صاحب الجواهر بأنّه مناف لقاعدة تكليف الكافر بالفروع ، ولما دلّ على دم قابليتهما للملك شرعاً من غير فرق بين المسلم والكافر(4) ويمكن الجواب عن اشكاله بأنّ قاعدة الاشتراك في التكليف لا تنافي الملكية ، كما أنّ ما دلّ على عدم القابلية للملك شرعاً إنما هو بالإضافة الى المسلم ، وقد عرفت ما في كتاب الديات ، فتدبّر .
- (1) شرائع الإسلام : 2/324 .
- (2) التهذيب : 7/356 ح1448 ، الكافي : 5/437 ح 9 ، الفقيه : 3/291 ح 1383 ، الوسائل : 21/243 ، أبواب المهور ب3 ح2 .
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الديات : 328 .
- (4) جواهر الكلام : 31/9 .
(الصفحة 423)فيكفي مشاهدة الحاضر وإِن جهل كيله أو وزنه أو عدّه أو ذرعه ، كصبرة من الطعام ، وقطعة من الذهب ، وطاقة مشاهدة من الثوب ، وصبرة حاضرة من الجوز وأمثال ذلك1.مسألة 4 : ذكر المهر ليس شرطاً في صحّة العقد الدائم ، فلو عقد عليها ولم يذكر لها مهراً أصلاً صحّ العقد ، بل لو صرّح بعدم المهر صحّ ، ويقال لذلك أي لإيقاع العقد بلا مهر : تفويض البضع ، وللمرأة التي لم يذكر في عقدها مهر :
1 ـ لابدّ من تعيين المهر على فرض ذكره بما يخرج عن الابهام ، فلو أمهرها أحد هذين أو خياطة أحد الثوبين مثلاً بطل المهر دون العقد ، وكان لها مع الدخول مهر المثل ، وما ورد في تزويج شعيب ابنته من موسى (عليهما السلام) من قوله تعالى حكاية عنه :
{ إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِى ثَمَانِىَ حِجَج فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ . . .}(1) فالظاهر أنّ المهر كان هو الأوّل والزائد أمر زائداً على المهر ، مع أنّه كان بحسب الظاهر الترديد في مقام المقاولة والمواعدة لا العقد ، وعلى أيّ فيعتبر فيه التعيين لا بنحو ترتفع الجهالة بالكلية كما في البيع; لأنّ النكاح لا يكون من مصاديق المعاوضة حقيقة حتّى يشمله نهي النبي (صلى الله عليه وآله)عن بيع الغرر(2) بناءً على شموله للمعاوضات الاُخر غير البيع ، وعليه فيكفي فيه مشاهدة الحاضر وإن كان مجهولاً كيلاً أو وزناً أو عدداً أو ذرعاً; لعدم انجراره إلى الاختلاف بعد كون الحاضر المشاهد مهراً ، وإن كان مجهولاً كذلك ، كما لايخفى .
- (1) سورة القصص : 28/27 .
- (2) السنن الكبرى للبيهقي : 5/338 .
(الصفحة 424)مفوضة البضع1.مسألة 5 : لو وقوع العقد بلا مهر لم تستحقّ المرأة قبل الدخول شيئاً إلاّ إذا طلقها ، فتستحقّ عليه أن يعطيها شيئاً بحسب حاله من الغنى ، والفقر ، واليسار ، والإعسار من دينار ، أو درهم ، أو ثوب ، أو دابّة أو غيرها ، ويقال لذلك الشيء : المتعة ، ولو انفسخ العقد قبل الدخول بأمر غير الطلاق لم تستحق شيئاً ، وكذا لو مات أحدهما قبله ، وأمّا لو دخل بها استحقّت عليه بسببه مهر أمثالها2
1 ـ قد عرفت(1) أنّ ذكر المهر لا يكون شرطاً في النكاح الدائم بخلاف المؤجّل ، فلو عقد عليها ولم يذكر لها مهراً صحّ العقد ، بل لو صرّح بعدم ثبوت المهر يكون العقد صحيحاً ، ويقال للعقد بدون المهر : تفويض البضع ، وللمرأة التي لم يذكر في عقدها مهر : مفوضة البضع ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ترتّب بعض الآثار على خصوص هذه الصورة ، فانتظر .2 ـ لو وقع العقد بلا مهر وهو الذي سمّيناه تفويض البضع ، فلا تكون المرأة مستحقّة لشيء قبل الدخول إلاّ إذا تحقّق الطلاق حينئذ ، فتستحقّ عليه أن يعطيها شيئاً من أمواله بحسب حاله من الغنى ، والفقر ، واليسار ، والاعسار من دينار ، أو درهم ، أو ثوب أو غيرها ، ويقال لذلك الشيء : المتعة ، قال الله تعالى :
{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ}(2) . وقال في موضع آخر :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ منِ قبْلِ أَن
- (1) في ص419 .
- (2) سورة البقرة : 2/236 .
(الصفحة 425)
تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّة تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}(1) .
ويدلّ عليه أيضاً رواية أبي الصلاح الكناني عنه (عليه السلام) قال : إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها ، وإن لم يكن سمّى لها مهراً فمتاع بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره(2) .
لكن قد يقال : إنّ ذلك لا ينافي اعتبار حالها أيضاً كما في صحيح الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يطلّق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئاً ، وإن لم يكن فرض لها شيئاً فليمتّعها على نحو ما يمتع به مثلها من النساء(3) .
وخبر أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها؟ ـ إلى أن قال : ـ فإن لم يكن فرض لها شيئاً فليمتّعها على نحو ما يمتّع به مثلها من النساء(4) . ولكن ظاهر الآية وكثير من النصوص اعتبار حال الزوج أوّلاً ، وأنّه لا يتعدّى عن حالين ثانياً الموسع والمقتر ، لكن ذكر المحقّق في الشرائع : فالغني يمتّع بالدابّة ، أو الثوب المرتفع ، أو عشرة دنانير ، والمتوسّط بخمسة دنانير ، أو الثوب المتوسط ، والفقير بالدينار ، أو الخاتم وما شاكله(5) . ولعلّه لانّ المستفاد من الآية أنّ الزوج يمتّع على قدره ، والناس لهم حالات ثلاثة .
- (1) سورة الأحزاب : 33/49 .
- (2) الفقيه : 3/326 ح159 ، تفسير العياشي : 1/124 ح397 ، الوسائل : 21/307 ، أبواب المهور ب48 ح8 .
- (3 ، 4) الكافي 6/106 ح3 ، و ص 108 ح 11 ، التهذيب : 8/342 ح 493 ، الوسائل : 21/307 ، أبواب المهور ، ب48 ح7 .
- (5) شرائع الإسلام : 2/326 .