(الصفحة 433)
التسليم حتى يقبض العوض .
هذا ، مضافاً إلى خبر زرعة ، عن سماعة قال : سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ثم جعلته من صداقها في حلّ ، أيجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال : نعم إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه(1) .
ولكن في محكيّ الحدائق(2) أنّه ليس لها ذلك دلالة; لأنّ كلاًّ منهما مخاطب باداء ما عليه عصى الآخر أو أطاع ، وفيه ما لايخفى ، لأنّ مقتضى المعاوضة ذلك ، ولو امتنعا جميعاً من التسليم حتى يقبض ففي محكيّ المسالك(3) وكشف اللثام(4) إيداع المهر من يثقان به ، فإذا وطأها قبضته ، لأنّ الوطء في النكاح هو القبض ، إذ البضع لا يدخل تحت اليد وإن كانت الزوجة أمة; لأنّ ملك الرقبة لغير مالك الاستمتاع ، ولهذا لا يجب عليه عوض البضع بالغصب ما لم يطأ .
وأورد عليه في الجواهر ـ مضافاً إلى أنّ الوضع في يد العدل حكم على الزوج ـ بأنّه لا دليل على وجوب امتثاله بناء على ثبوت الحقّ لكلّ منهما بمقتضى المعاوضة ، وبأنّ الفتاوى ظاهرة في استحقاق المرأة تسليم المهر أوّلاً; ولذا احتمل في الكتابين المذكورين أنّه يجبر الزوج على التسليم; لأنّ فائت المال يستدرك دون البضع ، والايقاف إلى أن يبادر أحدهما بالتسليم ، فيجبر الآخر(5) .
هذا بالإضافة إلى المهر الحال وأمّا المهر المؤجّل فليس لها أن تمتنع حتّى يبلغ
- (1) التهذيب : 7/374 ح1513 ، الوسائل : 21/301 ، أبواب المهور ب41 ح2 .
- (2) الحدائق الناضرة : 24/459 ـ 469 .
- (3) مسالك الأفهام : 8/194 .
- (4) كشف اللثام : 7/409 .
- (5) جواهر الكلام : 31/42 .
(الصفحة 434)
أجله ويصير حالاًّ ، بل هو حينئذ كبيع النسيئة مثلاً ، فانّه لا يجوز للبائع الامتناع من تسليم المبيع حتى يأتي زمان الثمن المؤجّل .
هذا ، ولا فرق في جميع ذلك بين يسار الزوج واعساره; لأنّهما يفترقان في ثبوت حقّ المطالبة وعدمه لا الحقّ الحاصل من المعاوضة .
ثمّ إنّ المحقّق(قدس سره) في الشرائع بعد الحكم بأنّ لها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض مهرها ، وأنّه لا فرق في ذلك بين يسار الزوج وإعساره قال : وهل لها ذلك بعد الدخول؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه لأنّ الاستمتاع حقّ لزم بالعقد(1) .
أقول : القائل بالقول الأوّل هما الشيخان في المقنعة(2) والمبسوط(3) نظراً إلى أنّ أحد العوضين ـ وهي منفعة البضع ـ تتجدّد لا يمكن القبض جملة ، والمهر بازاء الجميع ، فبالتسليم مرّة لم يحصل الاقباض فجاز الامتناع ، ودليل القول الثاني ما ذكره المحقّق ، فانّ الاستمتاع حقّ لزم بالعقد ، وقد خرج منه الاستمتاع أوّلاً قبل القبض بالإجماع فيبقى الباقي على أصله(4) .
ودعوى أنّ المهر في مقابل الدخول لا مرّة واحدة بل بجميع الدفعات ، مدفوعة ـ مضافاً إلى عدم معلومية تلك الدفعات لاحتمال عروض الموت أو الطلاق بعد الدخول مرّة واحدة ، ولا شبهة في استقرار جميع المهر حينئذ ـ أنّ كون النكاح معاوضة أو كالمعاوضة إنّما هو باعتبار وقوع المهر في مقابل البضع لا باعتبار تقسيمه على دفعات الدخول ، فالأقوى هو القول الثاني .
- (1) شرائع الإسلام : 2/325 .
- (2) المقنعة : 510 .
- (3) المبسوط : 4/313 .
- (4) الروضة البهية : 5/369 ، مسالك الأفهام : 8/194 ، كشف اللثام : 7/410 .
(الصفحة 435)مسألة 12 : يجوز أن يذكر المهر في العقد في الجملة ويفوّض تقديره وتعيينه إلى أحد الزوجين ، بأن تقول الزوجة مثلاً : «زوّجتك على ما تحكم ـ أو أحكم ـ من المهر» ، فقال : «قبلت» فإن كان الحاكم الزوج جاز أن يحكم بما شاء ولم يتقدّر في الكثرة والقلّة ما دام متموّلاً ، وإن كان الزوجة كان لها الحكم في طرف القلّة بما شاءت ما دام متموّلاً ، وأمّا في طرف الكثرة فلا يمضي حكمها فيما زاد على مهر السنّة ، وهو خمسمائة درهم1.
1 ـ وعمدة الدليل على ما ذكر من أصل الجواز ومن التفصيل بين الزوجين فيما ذكر الروايات الواردة في المسألة مثل :
رواية زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة على حكمها؟ قال : لا يجاوز حكمها مهور آل محمّد (صلى الله عليه وآله) اثنتي عشرة أوقية ونشّاً ، وهو وزن خمسمائة درهم من الفضة ، قلت : أرأيت إن تزوّجها على حكمه ورضيت بذلك؟ قال : فقال : ما حكم من شيء فهو جائز عليها قليلاً كان أو كثيراً ، قال : فقلت له : فكيف لم تجز حكمها عليه وأجزت حكمه عليها؟ قال : فقال : لأنّه حكّمها فلم يكن لها أن تجوز ما سنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتزوّج عليه نساءه فرددتها إلى السنّة ، ولأنّها هي حكّمته وجعلت الأمر إليه في المهر ورضيت بحكمه في ذلك ، فعليها أن تقبل حكمه قليلاً كان أو كثيراً(1) .
وصحيحة ابن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها ، قال : لها المتعة والميراث ولا مهر لها ،
- (1) الكافي : 5/379 ح1 ، التهذيب : 7/365 ح 1480 ، الإستبصار : 3/230 ح 829 ، علل الشرائع : 513 ح 1 ، الوسائل : 21/278 ، أبواب المهور ب21 ح1 .
(الصفحة 436)
قلت : فإن طلّقها وقد تزوّجها على حكمها؟ قال : إذا طلّقها وقد تزوّجها على حكمها لم تجاوز حكمها عليه أكثر من وزن خمسمائة درهم فضّة مهور نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1) .
ورواية أبي جعفر ـ يعنى الأحول ـ قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل تزوّج امرأة بحكمها ثمّ مات قبل أن تحكم؟ قال : ليس لها صداق وهي ترث(2) .
ورواية أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يفوِّض إليه صداق امرأته فنقص عن صداق نسائها؟ قال : تلحق بمهر نسائها(3) .
ثمّ الظاهر اختلاف موضوع هذه المسألة مع مسألة مفوّضة البضع المتقدّمة ، فانّ الموضوع هنا وجود المهر للبضع من ناحية الزوجة ، غاية الأمر الرجوع في التعيين والتقدير إلى أحدهما وتفويض أمر التعيين إليه ، وامّا هناك فالموضوع هو خلوّ العقد عن المهر رأساً ، وفي الحقيقة نقل البضع إلى الزوج كذلك ، ولذا يقال لها : مفوضة البضع ، فالتفويض هنا يرجع إلى التقدير والحكم وهناك إلى أصل البضع ، فالموضوع في المسألتين متفاوت .
ثمّ إنّ المفروض في المتن وفي الروايات أيضاً كون المهر إمّا بحكمه أو بحكمها ، ولكنّ الظاهر عدم الفرق بين الزوجين وبين الأجنبي ، وإن استشكل فيه في محكيّ القواعد(4) لعدم الفرق خصوصاً مع عدم كون الأجنبي ذا نفع ولا ذا ضرر غالباً ، كما لايخفى .
- (1) الكافي : 5/379 ح2 ، التهذيب : 7/365 ح 1481 ، الوسائل : 21/279 ، أبواب المهور ب21 ح2 .
- (2) الفقيه : 3/262 ح1250 ، الوسائل : 21/279 ، أبواب المهور ب21 ح3 .
- (3) التهذيب : 7/366 ح1482 ، الإستبصار : 3/230 ح831 ، الوسائل : 21/279 ، أبواب المهور ب21 ح4 .
- (4) قواعد الاحكام : 2/40 .
(الصفحة 437)مسألة 13 : لو طلّق قبل الدخول سقط نصف المهر المسمّى وبقي نصفه ، فإن كان ديناً عليه ولم يكن قد دفعه برأت ذمّته من النصف ، وإن كان عيناً صارت مشتركة بينه وبينها ، ولو كان دفعه إليها استعاد نصفه إن كان باقياً ، وإن كان تالفاً استعاد نصف مثله إن كان مثليّاً ، ونصف قيمته إن كان قيميّاً ، وفي حكم التلف نقله إلى الغير بناقل لازم ، ومع النقل الجائز فالأحوط الرجوع ودفع نصف العين إن طالبها الزوج1.
1 ـ الأصل في ذلك قوله تعالى :
{ وإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}(1) الآية ، والروايات(2) الواردة في هذا المجال كثيرة ، ولا خلاف فيه أصلاً ، وعليه فان كان المهر ديناً ولم يكن قد دفعه إليها ثمّ تحقّق الطلاق قبل الدخول برأت ذمّته من النصف ، من دون فرق بين أقسام الطلاق من جهة كونه خلعاً أو غيره ، وإن كانت عيناً تصير بالطلاق قبل الدخول مشتركة بينه وبينها .
ولو كان قد دفعها إليها فتارة تكون باقية واُخرى تالفة بالتلف الحقيقي ، ففي لاصورة الثانية ينتقل إلى نصف المثل إن كان مثليّاً ونصف القيمة إن كان قيميّاً ، وفي الصورة الاُولى استعاد نصف العين . وفي حكم التلف الحقيقي النقل إلى الغير بنقل لازم ، وأمّا في صورة النقل الجائز ، فإذا كانت العين متعلّقة لنظر الزوج يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي رجوع الزوجة في النقل المذكور ودفع نصف العين إلى الزوج; لإمكانه في فرض الجواز .
- (1) سورة البقرة : 2/237 .
- (2) الوسائل : 21/313 ـ 314 ، أبواب المهور ب51 .