(الصفحة 559)
فرق بين الذكر والأنثى ، ففي الذكر يكون حقّ الحضانة بعد مدّة الرضاع للأب ، وفي الأنثى إلى أن تبلغ سبعاً للأمّ على المشهور(1) . أو تسعاً كما عن المفيد(2) وسلار(3)والقاضي(4) . وجه ما هو المشهور الجمع بين الروايات الدّالّة على حكم المقام ، فمقتضى روايتي الكناني وداود بن الحصين المتقدّمتين(5) إنقطاع حضانتها بالفطام مطلقاً من غير فرق بين الذكر والأنثى ، ومقتضى رواية أيّوب بن نوح المتقدّمة أيضاً هو بقاء حضانتها إلى أن تبلغ سبع سنين كذلك ، فتحمل الأوّلتان على الذكر والثانية على الأنثى للأجماع(6) والاعتبار ، نظراً إلى أنّ الوالد أنسب بتربية الذكر وتأديبه ، والوالدة أنسب بتربية الأنثى وتأديبها .
وأمّا قول غير المشهور فذكر صاحب الجواهر(قدس سره) : إنّا لم نقف على مستنده ، اللّهم إلاّ أن يُقال : إنّها لمّا كانت مستورة ولابدّ للأب من التبرّج كثيراً لم يكن بدّ من وليّ يربّيها إلى البلوغ ، وحدّه تسع سنين ، أو تستصحب الحضانة إليها بعد تنزيل خبري السبع على الذكر ، كما عن الخلاف(7) والمبسوط(8) وأبي علي(9) والقاضي(10)
- (1) النهاية : 504 ، السرائر : 2/653 ، غُنية النزوع : 387 ، الروضة البهية : 5/459 .
- (2) المقنعة : 531 .
- (3) المراسم: 166.
- (4) المهذّب : 2/352 .
- (5) في ص550 .
- (6) غُنية النزوع : 387 ، السرائر : 2/653 .
- (7) الخلاف : 5/131 .
- (8) المبسوط : 6/39 .
- (9) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/306 .
- (10) المهذّب: 2/352.
(الصفحة 560)
أيضاً ، فيقتصر بهما على الخروج منه عليه خاصّة(1) .
وأنت خبيرٌ بأنّ ما دلّ على السبع مضافاً إلى أنّه لا يكون إلاّ خبراً واحداً لا متعدّداً بأنّ مقتضى الجمع هو حمله على الأنثى ، فالظاهر حينئذ هو ما أفاده المشهور ، ولا يبقى معه مجال للاستصحاب ، كما لا يخفى .
وينبغي التنبيه في المقامين على أمر ، وهو أنّ ثبوت حضانة الأُمّ إنّما هو ما لم تتزوّج بالغير بعد مفارقتها من الأب بفسخ أو طلاق ، فلو تزوّجت به سقط حقّها عن الولد ، وقد نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر(2) . بل حكي عن الروضة الإجماع(3) . وفي مرسلة داود المنقري المتقدّمة «المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج» بل ربّما يستفاد ذلك من خبر داود الرقّي المتقدّم .
وفي النبوي العامّي أنّه (صلى الله عليه وآله) قال : الأمّ أحقّ بحضانة إبنها ما لم تتزوّج(4) .
وفي آخر : إنّ امرأة قالت : يا رسول الله إنّ ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء ، وحجري له حواء ، وإنّ أباه طلّقني وأراد أن ينتزعه منّي ، فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله) : أنت أحقّ به ما لم تنكحي(5) . مضافاً إلى أنّها بالتزويج يلزم عليها الاشتغال بحقوق الزوج ، وهو مانع عن الحضانة غالباً .
إنّما الكلام في عود الحضانة لها بطلاق الثاني إيّاها أو بموته مثلا ، فعن الشيخ(6)
- (1) جواهر الكلام : 31/291 .
- (2) جواهر الكلام : 31/289 .
- (3) الروضة البهيّة : 5/463 .
- (4) درر اللآلي : 1/457 ، مستدرك الوسائل : 15/164 ، أبواب أحكام الأولاد ب58 ح5 .
- (5) السنن الكبرى للبيهقي : 8/504 ، سنن أبي داود : 351 ح2276 .
- (6) المبسوط: 6/41.
(الصفحة 561)مسألة 17 : لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله كانت الأُم أحقّ بحضانة الولد ـ وإن كانت مزوّجة ذكراً كان أو اُنثى ـ من وصيّ أبيه ، وكذا من باقي أقاربه حتّى أبي أبيه وأمّه فضلا عن غيرهما ، كما أنّه لو ماتت الاُمّ في زمن حضانتها فالأبّ أحقّ بها من غيره ، وإن فقد الأبوان فهي لأبّ الأب ، وإذا عدم ولم يكن وصيّ له ولا للأب فلأقارب الولد على ترتيب مراتب الإرث ، الأقرب منهم يمنع الأبعد ومع التعدّد والتساوي في المرتبة والتشاحّ أُقرع بينهم . وإذا وجد وصيّ لأحدهما ففي كون الأمر كذلك أو كونها للوصي ثمّ إلى الأقارب وجهان ، لا يترك الاحتياط بالتصالح والتسالم1.
العود لوجود المقتضي وفرض إرتفاع المانع ، وعن ابن إدريس(1) عدم العود لاستصحاب السقوط بعد عدم الدّليل على العود ، وفي المتن نفي البعد عن الأوّل وجعل الاحتياط في التصالح والتّسالم ، والظّاهر ما في المتن من نفي البعد عن العود; لأنّ التزويج كان بمنزلة المانع والمفروض إرتفاعه ، وإن كان يمكن أن يُقال : بأنّه لا يكون المقصود من الحضانة مجرّد تحفّظ الولد ورعاية مصلحته ، بل الاُنس الحاصل بين الوالدة والولد عقيب الملازمة المتحقّقه بينهما غالباً ، ولو لأجل التصدّي لمصالحه ، وهذا الاُنس يرتفع بالتزويج خصوصاً مع طول مدّته ، ولا يعود نوعاً بعد ارتفاع الزوجية الثانية ، فالأحوط الوجوبي التصالح والتسالم .1 ـ لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله كانت الأُمّ أحقّ بحضانة الولد ، وإن كانت مزوّجة من دون فرق بين الذكر والأنثى من وصيّ الأبّ ، وكذا من باقي أقارب الولد حتى أبي أبيه واُمّه فضلا عن غيرهما; لأنّ المستفاد من قوله تعالى :
(الصفحة 562)
{ لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}(1) الآية ومن الروايات(2) أنّ حقّ الحضانة لا يعدو الأبوين وثابت بين الوالدين .
غاية الأمر أحقيّة أحدهما بالإضافة إلى الآخر على الاختلاف كما مرّ سابقاً ، وحينئذ فموت الأب موجب لإنتقال الحضانة إلى الأُمّ ، ومع وجودها لا تصل النوبة إلى غيرها ، ولا تكون الحضانة ولاية شرعيّة ثابتة للأب والجدّ له ، وفي رواية داود ابن الحصين المتقدّمة(3) «فإذا مات الأب فالأُمّ أحقّ به من العصبة» كما أنّه في صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة(4) أيضاً ، الواردة في موت الأب «وليس للوصيّ أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ويدفع إليه ماله» .
هذا ، مضافاً إلى أنّها أشفق وأرفق وأشد رعاية لمصلحة الولد; لاقتضاء الاُموميّة ذلك غالباً ، ويُؤيّده ما تقدّم(5) من الرواية الدّالّة على أنّ الأب إذا كان مملوكاً لا ينتقل إليه حقّ الحضانة ما دام كونه مملوكاً ، وأنّه إذا أُعتق تنتقل إليه .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه مع موت الأُم في زمن حضانتها فالأب أحقّ بها من غيره، وأمّا مع فقدان الأبوين فالحضانة لأب الأب ـ أي الجدّ للأب ـ لأنّ أصل الحضانة للأب; لأنّ له الولد ، والانتقال إلى الأُم مع وجودها إنّما هو بالنصّ(6) والإجماع(7) . فإذا انتفيا انتقلت إلى أب الأب ، لأنّه أب ومشارك للأب في كون الولد له ، ولذا
- (1) سورة البقرة : 2/233 .
- (2) الوسائل : 21/459 ـ 460 و470 ـ 472 ، أبواب أحكام الأولاد ب73 و81 .
- (3) في ص550 .
- (4) في ص548 .
- (5) في ص557 .
- (6) الوسائل : 21/470 ـ 472 ، أبواب أحكام الأولاد ب81 .
- (7) السرائر : 2/653 ، رياض المسائل : 7/251 .
(الصفحة 563)
يكونان مشتركين في الولاية ، ولا ينتقض ذلك بأُمّ الأُمّ وأُمّ الأب ، نظراً إلى تسميتهما بالاُمّ لأنّ حضانة الأُمّ لما تكون مخالفة للأصل يقتصر فيها على المتيقّن ، وهي الأُم الأصليّة وبلا واسطة .
إنّما الكلام فيما إذا فقد أب الأب أيضاً ، فقد ذكر المحقّق في الشرائع : فإن عدم ـ أي أب الأب ـ قيل: كانت الحضانة للأقارب، وترتّبوا ترتيب الإرث، نظراً إلى الآية(1) . وفيه تردّد(2) . واختاره في المتن وأضاف أنّه مع التعدّد والتساوي في المرتبة والتشاح أُقرع بينهم ، والمستفاد من الجواهر كثرة أقوال الأصحاب في المسألة وتشتّتها .
فمنها : ما سمعت من أنّها للجدّ من الأب مع فقد الأبوين ، ومع عدمه فإن كان للولد مال استأجر الحاكم من يحضنه ، وإلاّ كانت حكم حضانته حكم الإنفاق تجب على الناس كفاية ، كما عن ابن إدريس(3) .
ومنها : ما اعتمد عليه في المسالك من أنّ حضانته بعد الأبوين للأولى بميراثه ، فإنِ اتّحد وإلاّ أُقرع بينهم(4) .
ومنها : ما في محكيّ الإرشاد من أنّها للأجداد دون من شاركهم في الإرث من الأخوة ، فإذا عدموا فإلى باقي مراتب الإرث(5) .
ومنها : ما عن المفيد من أنّها تكون لاُمّ الأب ، فإن لم تكن فلأبيه ، فإن لم يكونا
- (1) سورة الأنفال : 8/75 .
- (2) شرائع الإسلام : 2/346 .
- (3) السرائر : 2/654 .
- (4) مسالك الأفهام : 8/430 .
- (5) إرشاد الأذهان : 2/40 .