(الصفحة 576)
قال : قلت : أليس الله يقول :
{لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ}(1) قال : فقال : إنّما عنى بذلك الّتي تطلّق تطليقة بعد تطليقة ، فتلك الّتي لا تخرج ولا تُخرَج حتى تطلّق الثالثة ، فإذا طُلِّقَت الثالثة فقد بانت منه ولا نفقة لها ، والمرأة الّتي يُطَلِّقها الرجل تطليقة ثمّ يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضاً تقعد في منزل زوجها ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدّتها(2) .
ورواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : المطلّقة ثلاثاً ليس لها نفقة على زوجها ، إنّما ذلك للّتي لزوجها عليها رجعة(3) .
ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن المطلّقة لها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدّتها؟ قال : نعم(4) فإنّ القدر المتيقّن من إطلاقها أو المحمول عليه إطلاقها هي ذات العدّة الرجعيّة .
وبالجملة : لا إشكال في ثبوت النفقة لذات العدّة الرجعيّة; لأنّها كما اشتهر(5)بمنزلة الزوجة غير المطلّقة ، ومن المعلوم أنّ من أشهر آثار الزوجيّة الإنفاق على الزوجة . نعم قد استشكل العلاّمة(6) في ثبوت النفقة بالإضافة إلى الموطوئة بشبهة الّتي لا رجوع للزوج عليها ما دامت كونها في عدّة وطء الشبهة ، في كلتا صورتيه
- (1) سورة الطلاق : 65/1
- (2) الكافي : 6/90 ح5 ، التهذيب : 8/132 ح458 ، الوسائل : 21/519 ، أبواب النفقات ب8 ح1 .
- (3) الكافي : 6/104 ح4 ، التهذيب : 8/133 ح 459 ، الإستبصار : 3/334 ح 1188 ، الفقيه : 3/324 ح 1571 ، الوسائل : 21/519 ، أبواب النفقات ب8 ح2 .
- (4) قرب الإسناد : ص 254 ح 1002 ، الوسائل : 21/522 ، أبواب النفقات ب8 ح11 .
- (5) شرائع الإسلام: 2/348، مسالك الأفهام: 8/449، كشف اللثام: 7/580، الحدائق الناضرة: 25/108، جواهر الكلام: 31/318.
- (6) قواعد الأحكام : 2/55 .
(الصفحة 577)
اللّتين هما الوطء بالشبهة قبل الطلاق والوطء بها بعده في زمن العدّة .
ووجه الإشكال أنّ النفقة إنّما تجب للزوجة ومن في حكمها ، وهي من في العدّة الرجعيّة ، ويكون للزوج عليها حقّ الرجوع وبقاء حكم الزوجية ، وإن امتنع الرجوع للزوج الآن لوجود المانع ، كما تجب النفقة على الزوجة الصائمة أو المحرمة مع امتناع الاستمتاع بهما ، وقال : في الجواهر : وربّما فرّق بينهما ـ يعني بين الصورتين ـ بوجود النصّ على الإنفاق في المطلّقة بخلاف الباقية في النكاح ، ثمّ قال : إلاّ أنّه كما ترى ، ضرورة أولويّتها منها بذلك(1) .
المقام الثاني : في سقوط نفقة البائن وسكناها ، سواء كانت عن طلاق أو فسخ أو بردّته عن فطرة أو قبل الدخول ونحو ذلك ، ويدلّ عليه مضافاً إلى انقطاع الزوجيّة بذلك بنحو لا يكون له فيها الرجوع روايات متكثّرة ، مثل :
صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن المطلّقة ثلاثاً على السنّة هل لها سكنى أو نفقة؟ قال : لا(2) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئل عن المطلّقة ثلاثاً ألها سكنى ونفقة؟ قال : حبلى هي؟ قلت : لا ، قال : لا(3) .
ورواية سماعة قال : قلت له : المطلّقة ثلاثاً لها سكنى أو نفقة؟ فقال : حبلى هي؟ قلت : لا ، قال : ليس لها سكنى ولا نفقة(4) .
- (1) جواهر الكلام : 31/318 .
- (2) الكافي 6/104 ح2 ، التهذيب : 8/133 ح 460 ، الإستبصار : 3/334 ح 1189 ، الوسائل : 21/520 ، أبواب النفقات ب8 ح5 .
- (3) الكافي 6/104 ح3 ، الوسائل : 21/521 ، أبواب النفقات ب8 ح6 .
- (4) الكافي 6/104 ح5 ، الوسائل : 21/520 ، أبواب النفقات ب8 ح3 .
(الصفحة 578)
ومن الواضح أنّه لا خصوصيّة للمطلّقة ثلاثاً ، بل إنّما هي من جهة كون طلاقها بائناً ، ويدلّ عليه صحيحة سعد المتقّدمة في المقام الأوّل ، وبهاتين الروايتين الأخيرتين الظاهرتين في الفرق بين الحبلى وغيرها تحمل صحيحة عبدالله بن سنان على صورة عدم كونها حبلى ، كما أنّه يحمل بعض الروايات الدّالّة بإطلاقها على ثبوت النفقة للمطلّقة بائناً على صورة الحمل ، مثل :
صحيحة ابن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن المطلّقة ثلاثاً على العدّة لها سكنى أو نفقة؟ قال : نعم(1) .
ورواية عليّ بن جعفر المتقدّمة ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)قال : سألته عن المطلّقة لها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدّتها؟ قال : نعم .
ويمكن حمل الأخيرة على خصوص الرّجعيّة ، كما أنّه يمكن حمل كليهما على الاستحباب ، كما حمل الشيخ الاُولى عليه ، فتدبّر .
ثمّ إنّه قد استثنى من المطلّقة بائناً من كانت حاملا ، فإنّه يلزمه الإنفاق عليها حتى تضع حملها ، وظاهر المتن اختصاص استثناء الحامل بالمطلّقة ، وعدم شموله لِما إذا كانت عدّة البائنة عن فسخ ، وفي الجواهر : نعم لو قلنا بأنّ النفقة للحمل أمكن حينئذ وجوبها ، بل في القواعد(2) الجزم به ، بل ظاهر كشف اللثام(3) نفي الإشكال عنه ، وإن كان فيه ما ستعرفه(4) .
أقول : قال الله تعالى في سورة الطلاق :
{وَإِنْ كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْل فَأَنْفِقُواْ عَلَيْهِنَّ
- (1) التهذيب : 8/133 ح461 ، الإستبصار : 3/334 ح1190 ، الوسائل : 21/521 ، أبواب النفقات ب8 ح8 .
- (2) قواعد الأحكام : 2/55 .
- (3) كشف اللثام : 7/581 .
- (4) جواهر الكلام : 31/320 .
(الصفحة 579)
حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}(1) . ووقوع هذا القول في ذيل آية المطلّقات أوجب توهّم الاختصاص بها ، وعدم الشمول لما إذا كان عن فسخ ، مع أنّ الظّاهر عدم الاختصاص بها ، وإلاّ لكان اللازم الالتزام بثبوت وجوب الإمكان بالإضافة إلى المطلّقات البائنة كالمطلّقات الرجعية ، والروايات المتقدّمة لا يظهر منها الإختصاص بالمطلّقة الحُبلى ، كما أنّ الرّوايات الواردة الدّالّة على ثبوت نفقة المطلّقة الحامل لا دلالة لها على ذلك ، بل فيها ما يشمل صورة الفسخ بالإطلاق .
ففي صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : الحامل أجلها أن تضع حملها ، وعليه نفقتها بالمعروف حتى تضع حملها(2) .
وذكر صاحب الجواهر في مبحث آخر : أنّ الخبر يحتاج إلى جابر وليس(3) . ولعلّه لوجود الشهرة باعتقاده على خلافه ولم تثبت ، وإن كان بعضها يدلّ بمفهوم الوصف على ذلك ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الحُبلى المطلّقة يُنفق عليها حتّى تضع حملها ، الحديث(4) إلاّ أنّه لا حجيّة لمفهوم الوصف ، بل ولا شيء من المفاهيم حتى مفهوم الشرط ، كما قد قُرّر في محلّه من علم الاُصول .
وبالجملة : لا يمكن استفادة الاختصاص من الأدلّة اللّفظية إلاّ أن يكون إجماع عليه ، كما يظهر من الجواهر(5) .
- (1) سورة الطلاق : 65/6 .
- (2) الكافي 6/103 ح1 ، التهذيب : 8/133 ح 463 ، الوسائل : 21/518 ، أبواب النفقات ب7 ح3 .
- (3) الكافي 6/103 ح 3 ، تفسير العياشي : 1/121 ح 385 ، الوسائل : 21/518 ، أبواب النفقات ب 7 ح 4 .
- (4) جواهر الكلام : 31/359 ـ 360 .
- (5) جواهر الكلام : 31/323 .
(الصفحة 580)
وكيف كان فقد وقع الخلاف فيما إذا كانت النفقة ثابتة لأجل الحمل في أنّه هل النفقة ثابتة للحمل أو لاُمّه فالمحكيّ عن مبسوط الشيخ(1) وتبعه عليه جماعة(2) بل في الحدائق النسبة إلى الأكثر(3) هي للحمل ، وعن ابن حمزة(4) وجماعة(5) هي للحامل ، وتظهر الفائدة بين القولين في موارد كثيرة لعلّها تبلغ عشرة موارد .
منها : وجوب القضاء وعدمه فيما إذا لم ينفق عليها بناء على أنّ نفقة الأقارب لا تُقضى ، بخلاف الزوجة فإنّها تقضى .
ومنها : فيما لو كانت ناشزاً وقت الطلاق أو نشزت بعد ، فإنّ النفقه حينئذ ساقطة بناء على كونها للحامل دون ما إذا كانت للحمل إلى غير ذلك من الموارد .
وقد استدلّ لأوَّلِ القولين بدوران النفقة معه وجوداً وعدماً ، وبانتفاء الزوجيّة الّتي هي أحد أسباب الإنفاق كالملك ، فليس إلاّ القرابة وبنص الأصحاب على أنّه ينفق عليها من مال الحمل ، كما أنّه لو استدلّ لثاني القولين بأنّه لو كانت للحمل لوجبت نفقته دون نفقتها ، ولما كانت نفقته مقدّرة بحال الزوج; لأنّ نفقة الأقارب غير مقدّرة بخلاف نفقة الزوجة ، وبأنّه لو كانت للحمل لوجبت على الجدّ كما لو كان منفصلا ، ولسقطت بيساره بإرث أو وصيّته قد قبلها وصيّه .
أقول : ظاهر الآية الشريفة المتقدّمة الدالّة على وجوب الإنفاق على ذوات الأحمال كون النفقة مرتبطة بالحامل لأجلّ التعبير بـ «على» وإن كان الحمل
- (1) المبسوط : 6/28 .
- (2) المهذّب : 7/348 ، كشف الرموز : 2/202 ، مختلف الشيعة : 7/324 .
- (3) الحدائق الناضرة : 25/111 .
- (4) الوسيله : 328 .
- (5) غُنية النزوع : 385 ، مسالك الأفهام : 8/475 .