(الصفحة 585)
ما خلق الله في أرحامهنّ(1) . والأمر بالإنفاق على أُولات الأحمال(2) مع كون المرجع فيه غالباً إلى ادّعائهنّ(3) . وإن كان في هذا التعليل نظر; لأنّ النهي عن الكتمان لا يستلزم قبول قولهنّ مطلقاً ، كما أنّ الأمر بالإنفاق على أُولات الأحمال لا يوجب الإنفاق مع الشكّ في الحمل .
وعن الشيخ في المبسوط(4) تعليق الوجوب على ظهور الحمل ، وعن ابن إدريس(5) تعليق الوجوب على شهادة أربع قوابل(6) . وعن المسالك لعلّه أجود; لأنّ وجوب الإنفاق على الزوجة إنقطع بالطلاق البائن ، ووجوبه عليها مشروط بالحمل ـ كما هو مقتضى قوله تعالى :
{ وَإنِ كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْل}(7) والأصل عدمه . . . وهذا الوصف لا يتحقّق بمجرّد الدعوى(8) .
وكيف كان فإن تبيّن الحمل فذاك وإلاّ استُعيدت النفقة ، نظراً إلى عموم على اليد(9) وقاعدة من أتلف والتسليط كان مقيّداً بثبوت الحمل لا مطلقاً .
وفي جواز مطالبة المرأة بكفيل لاحتمال ظهور الخلاف وجهان ، وفي المسالك :
- (1) كما في سورة البقرة : 2/228 .
- (2) سورة الطلاق : 65/6 .
- (3) جواهر الكلام : 31/357 .
- (4) المبسوط : 6/26 .
- (5) كذا في الجواهر ، ولكن لم نعثر عليه في السرائر ـ نعم نسبه الشهيد في المسالك إلى التحرير .
- (6) تحرير الاحكام : 2/46 .
- (7) سورة الطلاق : 65/6 .
- (8) مسالك الأفهام : 8/474 .
- (9) السنن الكبرى للبيهقي : 6/95 ، كنز العمّال : 10/360 ح29811 وص 636 ح30338 .
(الصفحة 586)مسألة 8 : لا تقدير للنفقة شرعاً ، بل الضابط القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام وإدام وكسوة وفراش وغطاء وإسكان وإخدام وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها وغير ذلك .
فأمّا الطعام فكمّيته بمقدار ما يكفيها لشبعها ، وفي جنسه يرجع إلى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها والموالم لمزاجها وما تعوّدت به بحيث تتضرّر بتركه .
لا يخلو أوّلهما من قوّة للجمع بين الحقّين(1) . وفي الجواهر : أنّ ثانيهما أقوى بعد فرض وجوب الدّفع; لإطلاق الأدلّة وأصل البراءة . وفي المتن أرجحيّة الثاني إن قُلنا بوجوب تصديقها مطلقاً أو مع إخبار الثقة من أهل الخبرة(2) .
أقول : وجوب الدفع مطلقاً أو مع الإخبار المذكور وإن كان لا يُنافي الضمان مع ظهور الخلاف ، كما في وجوب دفع الطّعام إلى من كان مشرفاً على الموت جوعاً ، حيث إنّه لا يُنافي لزوم دفع البدل مثلا أو قيمته إلى صاحب الطعام ، إلاّ أنّ الظاهر عدم اجتماعه مع مطالبة الكفيل ، حيث إنّ المتفاهم عُرفاً من أدلّة وجوب الإنفاق هو الإنفاق من دون كفيل ، كما أنّ الظاهر أنّه لو أنفق على الحامل مع إحراز حملها ثمّ مات الحمل قبل أن يولد بالسقط أو بغيره لا يكون هناك ضمان للنفقة الّتي أتلفها . فإنّ المتفاهم العرفي عدم الضمان في هذه الصّورة ، فتدبّر جيّداً .
وهذا من دون فرق بين أن نقول بأنّ النفقة إنّما هي للحامل أو للحمل ، كما لا يخفى .
- (1) مسالك الأفهام : 8/474 .
- (2) جواهر الكلام : 31/359 .
(الصفحة 587)وأمّا الإدام فقدراً وجنساً كالطعام يُراعى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها وما يوالم مزاجها وما هو معتاد لها ، حتى لو كانت عادة أمثالها أو الموالم لمزاجها دوام اللّحم مثلا وجب ، وكذلك لو اعتادت بشيء خاصّ من الإدام بحيث تتضرّر بتركه ، بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده لأمثالها من غير الطعام والإدام كالشاي والتنباك والقهوة ونحوها ، وأولى بذلك المقدار اللازم من الفواكه الصيفيّة التي تناولها كاللازم في الأهوية الحارة ، بل وكذا ما تعارف من الفواكه المختلفة في الفصول لمثلها .
وكذلك الحال في الكسوة ، فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها وبلد سكناها والفصول الّتي تحتاج إليها شتاءً وصيفاً ، ضرورة شدّة الاختلاف في الكمّ والكيف والجنس بالنسبة إلى ذلك ، بل لو كانت من ذوات التجمّل وجب لها زيادة على ثياب البدن ثياب على حسب أمثالها .
وهكذا الفراش والغطاء ، فإنّ لها ما يفرشها على الأرض وما تحتاج إليه للنوم من لحاف ومخدّة وما تنام عليها ، ويرجع في قدرها وجنسها ووصفها إلى ما ذكر في غيرها ، وتستحقّ في الإسكان أن يسكنها داراً تليق بها بحسب عادة أمثالها ، وكانت لها من المرافق ما تحتاج إليها ولها أن تطالبه بالتفرّد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرّة أو غيرها من دار أو حجرة منفردة المرافق ، إمّا بعارية أو إجارة أو ملك ، ولو كانت من أهل البادية كفاها كوخ أو بيت شعر منفرد يناسب حالها .
وأمّا الإخدام فإنّما يجب إذا كانت ذات حشمة وشأن ومن ذوي الأخدام ، وإلاّ خدمت نفسها ، وإذا وجبت الخدمة فإن كانت من ذوات الحشمة بحيث يتعارف من مثلها أن يكون لها خادم مخصوص لابدّ من اختصاصها به ، ولو بلغت
(الصفحة 588)
حشمتها بحيث يتعارف من مثلها تعدّد الخدّام فلا يبعُد وجوبه .
والأولى إيكال الأمر إلى العُرف والعادة في جميع المذكورات ، وكذا في الآلات والأدوات المُحتاج إليها ، فهي أيضاً تلاحظ ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها الّتي تسكن فيها1.
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : وقدر النفقة ، فضابطه القيام بما تحتاج المرأة إليه من طعام وإدام وكسوة وإسكان وإخدام وآلة الإدهان، تبعاً لعادة أمثالها من أهل البلد(1).
أقول : المهمّ في المقام ملاحظة أمور :
منها : الدّليل على كون المعيار الإيكال إلى العرف في عادة الأمثال ، وهو إطلاق الأمر بالإنفاق كتاباً(2) وسنّة(3) الذي يرجع في مثله إليهما ، بعد إن لم يكن ثمّ تقدير شرعي ، وإن ورد في بعض الروايات(4) التقدير بالإضافة إلى بعض خصوصيّات الطعام أو الكسوة أو غيرهما ، والظاهر أنّه محمول على الاستحباب ، والذي ينبغي أن يلاحظ أنّها لو كانت لها عادة خاصّة على خلاف ما هي عادة لأمثالها من أهل البلد ـ مثل ما إذا كانت عادتها أكل اللحم في كلّ يوم لأجل الابتلاء بمرض خاصّ ، مع كون المتداول في البلد أكل اللحم في كلّ ثلاثة أيّام مثلا ، كما وقع تقديره به في بعض الروايات(5) ـ فهل اللازم حينئذ مراعاة حالها شخصيّاً أو مراعاة الأمثال في
- (1) شرائع الإسلام : 2/349 .
- (2) سورة البقرة : 2/233 ، سورة النساء : 4/34 ، سورة الطلاق : 65/6 .
- (3) الوسائل : 21/507 ـ 513 ، أبواب النفقات ب1 .
- (4) الوسائل : 21/512 ـ 513 ، أبواب النفقات ب1 ح11 وب2 ح1 .
- (5) الكافي : 5/511 ح5 ، الوسائل : 21/513 ، أبواب النفقات ب2 ح1 .
(الصفحة 589)
البلد؟ لا يبعُد أن يُقال بلزوم مراعاة الحال الشخصيّة خصوصاً مع علمه بالحال حال النكاح ، وبوجوب الإنفاق على الزوجة; لأنّ رزقها عبارة عن ذلك ، فيستفاد من قوله تعالى :
{ وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ}(1) هو الرزق المضاف إلى الزوجة الخاصّة ، لا الرزق المضاف إلى الأزواج المنصرف إلى ما هو المعتاد لأمثالها ، وهكذا بالإضافة إلى غير الطعام .
ومنها : إنّ ما أفاده من أنّه لا فرق في المسكن بين أن يكون بعارية أو إجارة أو ملك يمكن أن يُقال بوجود الفرق بينها بحسب عادة أمثالها من أهل البلد ، فإنّها ربّما لا تكون السكونة في بيت غير ملكيّ لائقة بحالها ، بحيث لو سكنت في دار غير ملكيّ يكون نقصاً لها بحسب العادة ، وفي هذه الصورة لا يبعُد أن يُقال بلزوم إسكانها في دار كذلك; لِما عرفت من أنّه لا تقدير للنفقة شرعاً ، والإطلاقات محمولة على عادة الأمثال في البلد .
ومنها : إنّ ما أفاده من أنّ لها أن تطالبه بالتفرّد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرّة أو غيرها ، يرد عليه إختلاف الأزواج بحسب ذلك ، فإن كان في بلد متداولا الجمع بين الضرّتين في دار واحد وكانت عادة أمثالها غير مقتضية للتفرّد فالمطالبة بالتفرّد حينئذ لا وجه لها ، وقد ذكر صاحب الجواهر : أنّ الأحسن الإحالة إلى العادة ، ولأجله يكون في كلماتهم التشويش والإضطراب ، وكأنّهم تبعوا ما في كتب العامّة(2) من التعرّض لأمثال هذه الأمور الّتي تستعملها قضاتهم لتناول العشر منها ، أو غير ذلك من المقاصد الفاسدة(3) .
- (1) سورة البقرة : 2/233 .
- (2) المجموع : 19/356 ـ 373 ، الأمّ : 5/95 ، المغني والشرح الكبير : 9/231 ـ 233 .
- (3) جواهر الكلام : 31/336 .