(الصفحة 6)
تفصيل الشريعةفيشرح تحرير الوسيلة
النكاح
بسمه تعالى
هذا شرح كتاب النكاح من تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه الشريف و أسأله تعالى أن يوفّقني لاتمامه وإتمام سائر أجزاء الكتاب المسمّى بتفصيل الشريعة ، وكان تاريخ الشروع ليلة 17 شهر جمادى الاُولى من شهور سنة 1418 الهجرية القمرية بحق أوليائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين .
(الصفحة 7)
كتاب النكاح
[آداب النكاح]
وهو من المستحبّات الأكيدة ، وما ورد في الحثّ عليه والذمّ على تركه مما لا يحصى كثرة، فعن مولانا الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من التزويج(1) ، وعن مولانا الصادق (عليه السلام) : ركعتان يصلّيهما المتزوّج أفضل من سبعين ركعة يصلّيها عزب(2) ، وعنه (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : رذّال موتاكم العزّاب(3) ، وفي خبر آخر عنه (صلى الله عليه وآله) : أكثر أهل النار
العزّاب(4) . ولا ينبغي أن يمنعه الفقر والعيلة بعدما وعد الله عزّوجلّ
- (1) الفقيه : 3/241 ح1143 ، الوسائل : 20/14 ، أبواب مقدّمات النكاح ب1 ح4 .
- (2) الكافي : 5/328 ح1 ، التهذيب : 7/239 ح1044 ، الوسائل : 20/18 ، أبواب مقدّمات النكاح ب2 ح1 ، وفيها : أعزب .
- (3) الكافي : 5/329 ح3 ، التهذيب : 7/239 ح1045 ، المقنعة : 76 ، الوسائل : 20/19 ، أبواب مقدّمات النكاح ب2 ح3 .
- (4) الفقيه : 3/242 ح1149 ، الوسائل : 20/20 ، أبواب مقدّمات النكاح ب2 ح7 .
(الصفحة 8)بالإغناء والسعة بقوله عزّ من قائل : {إِن يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِه }(1) ، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) : من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظنّ بالله عزّ وجلّ(2)1.
1 ـ المشهور(3) بل عن المختلف الاجماع على أنّ النكاح في اللغة بمعنى الوطء ، والاطلاق على العقد مجاز بعلاقة السببية(4); بل قيل : إنّه في الشرع كذلك لأصالة عدم النقل; وقيل : إنّه العقد لشيوع استعماله كذلك; وعن الراغب الإصفهاني صاحب «المفردات» أنّه محال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد; لأنّ أسماء الجماع كلّها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه ، ومحال أن يستعير من لا يقصد(5); وقيل : إنّ أصله الالتقاء ، يقال تناكح الجبلان إذا التصقا . وعن الفراء أن نكح المرأة بالضم بضعها أي فرجها; وقيل : أصله الضم . وعن المصباح المنير للفيّومي أنّه مأخوذ من نكحه الدواء إذا خامره وغلبه ، أو من تناكحت الأشجار إذا انضمّ بعضها إلى بعض ، أو من نكح المطر الأرض إذا اختلط بثراها(6) .
قلت : إنّ هنا أمرين لابدّ من ملاحظتهما :
الأوّل : استعمال هذا اللفظ في الكتاب كثيراً ، والظاهر أنّ المراد من اللفظ في الجميع هو العقد ، حتَّى في مثل قوله تعالى :
{حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}(7) الوارد في الرجل المحلّل ، واشتراط الوطء فيه يعلم من دليل آخر لا نفس هذه الآية .
- (1) سورة النور : 24/32 .
- (2) الفقيه : 3/243 ح1154 ، الوسائل : 20/43 ، أبواب مقدّمات النكاح ب10 ح4 .
- (3) رياض المسائل : 6/337 .
- (4) مختلف الشيعة : 7/56 ـ 57 .
- (5) المفردات في غريب القرآن : 505 .
- (6) مصباح المنير : 624 .
- (7) سورة البقرة : 2/230 .
(الصفحة 9)
الثاني : عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في هذا الباب بوجه ، بل النكاح إنّما هو كالبيع مثلاً ، فكما أنّ الشارع لم يكن له في باب البيع معنى آخر ، بل كان البيع معمولاً عند العقلاء ، غاية الأمر اعتبار الشارع فيه اُموراً وجودية وعدميّة بعد امضاء البيع بقوله تعالى :
{ أَحَلَّ اللهُ البَيْعَ}(1) ، الذي معناه إنّ الله تبارك وتعالى أمضى البيع العقلائي ، ولا مجال لأن يقال : إنّ معناه أمضى الله البيع الشرعي; لأنّه ضرورية بشرط المحمول ، فكذلك النكاح لا يكون له في بابه معنى آخر ، بل أمضى النكاح العقلائي مع اعتبار اُمور وجوديّة أو عدمية فيه .
ودعوى الفرق بين النكاح وبين البيع من هذه الجهة ممنوعة جدّاً، ويؤيّد الأمرين إنّ معنى قوله : بعت لا يرجع إلى أوجدت عقد البيع ، بل العقد وجود انشائي يتحقّق بإيجاد مفهوم البيع بلفظ بعت مثلاً ، وكذا معنى قولها في إيجاب النكاح : أنكحت لا يرجع إلى أنّي أوجدت عقد النكاح بل الوجود الانشائي المذكور .
إذا عرفت الأمرين فاعلم أنّ معنى النكاح هو الأمر الأوّل ، لكن لا بمعنى نفس العقد الذي هو وجود انشائي لفظي ، بل بمعنى مدلول العقد الذي هو حصول السلطة للزوج على بضع الزوجة; لأنّه المفهوم العرفي من قوله : فلان زوج فلانة ، أي يكون مسلّطاً على بضعها ولو لم يقع منه وطء أصلاً أو لم يتمكّن من الوطء ، ولا فرق في هذا المعنى بين أن نقول بانحصار السبب في ألفاظ خاصة ، أو نقول بجريان المعاطاة في النكاح أيضاً وان كان خلاف الاجماع ظاهراً ، ويؤيّد ما ذكرنا ترتيب وجوب الوطء في زمان خاصّ أو جوازه على النكاح في كلمات الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، فيعلم أنّ النكاح أمر و الوجوب أو الجواز أمر آخر .
- (1) سورة البقرة : 2/275 .
(الصفحة 10)هذا ، وممّا يناسب تقديمه على مقاصد هذا الكتاب اُمور : بعضها متعلّق بمن ينبغي إختياره للزواج ومن لا ينبغي ، وبعضها في آداب العقد ، وبعضها في آداب الخلوة مع الزوجة ، وبعضها من اللواحق التي لها مناسبة بالمقام ، وهي تذكر في ضمن مسائل :مسألة 1 : ممّا ينبغي أن يهتمّ به الإنسان النظر في صفات من يريد تزويجها ، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) : إختاروا لنطفكم فإنّ الخال أحد الضجيعين(1) ، وفي خبر آخر : تخيّروا لنطفكم فإنّ الأبناء تشبه الأخوال(2) ، وعن مولانا الصادق (عليه السلام) لبعض أصحابه حين قال : هممت أن أتزوّج ، فقال لي : اُنظر أين تضع نفسك ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرّك ، فإن كنت لابدّ فاعلاً فبكراً تنسب إلى الخير وإلى حسن الخلق(3) الخبر ، وعنه (عليه السلام) : إنّما المرأة قلادة فانظر ما تتقلّد ، وليس للمرأة خطر لا لصالحتهنّ ولا لطالحتهنّ ، فامّا صالحتهنّ فليس خطرها الذهب والفضّة ، هي خير من الذهب والفضّة ، وأمّا طالحتهنّ فليس خطرها التراب ، التراب خير منها(4) . وكما ينبغي للرجل أن ينظر فيمن يختارها للتزويج كذلك ينبغي ذلك للمرأة وأوليائها بالنسبة إلى الرجل ، فعن مولانا
الرضا ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنهّ قال : النكاح رقّ ، فإذا أنكح
- (1) الكافي : 5/332 ح2 ، التهذيب : 7/402 ح 1603 ، الوسائل : 20/47 ، أبواب مقدّمات النكاح ب13 ح2 .
- (2) كنز العمال : 16/295 ح44557 ، الجامع الصغير : 1/503 ح3269 ، وفيهما «تخيّروا لنطفكم فانّ النساء يلدن أشباه اخوانهنّ وأخواتهنّ» .
- (3) الكافي : 5/323 ح3 ، الوسائل : 20/27 ، أبواب مقدّمات النكاح ب6 ح1 .
- (4) معاني الأخبار : 144 ح1 ، الوسائل : 20/33 ، أبواب مقدّمات النكاح ب6 ح16 .