(الصفحة 611)مسألة 7 : لو لم يكن عنده ما ينفقه على نفسه وجب عليه التوسّل إلى تحصيله بأيّ وسيلة مشروعة حتى الاستعطاء والسؤال فضلا عن الاكتساب اللائق بحاله ، ولو لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته أو قريبه فلا ينبغي الإشكال في أنّه يجب عليه تحصيله بالاكتساب اللائق بحاله وشأنه ، ولا يجب عليه التوسّل إلى تحصيله بمثل الاستيهاب والسؤال . نعم لا يبعُد وجوب الاقتراض إذا أمكن من دون مشقّة وكان له محلّ الإيفاء فيما بعد ، وكذا الشراء نسيئة
بمقدار يكفي لنفقة الزوجة أو القريب ، ولا يمكن الجمع بينهما ، فإن اضطرّ إلى التزويج بحيث يكون في تركه عسر وحرج شديد أو مظنّة فساد ديني فله أن يصرفه في التزويج ، وإن لم يبق لقريبه شيء بعد صرف الزيادة في نفقة الزوجة ، لتقدّمها على نفقة الأقارب كما عرفت ، وإن لم يضطرّ إلى التزويج كذلك فقد احتاط في المتن بعدم التزويج والصرف في إنفاق القريب ، بل نفى خلوّ وجوبه عن القوّة ، والسرّ فيه إنّه وإن كان لا يمكن الجمع بين نفقة الزوجة والأقارب ، إلاّ أنّه حيث لا يكون بالفعل ذات زوجة ـ والمفروض عدم الإضطرار إلى التزويج من جهة العسر والحرج ، أو من جهة مظنّة فساد دينيّ ـ فلا يجب عليه بالفعل إلاّ الإنفاق على القريب القادر عليه .
ومنه يعلم أمران : أحدهما : أنّه مع الاضطرار لو تحمّل ولم يتزوّج يجب عليه نفقة الأقارب لفرض عدم وجود الزوجة ، ثانيهما : أنّه لو تزوّج مع عدم الإضطرار المذكور لا تسقط نفقة الزوجة ، بل هي باقية وإن كان أصل النكاح غير مضطرّ إليه ، وتقدّم على نفقة الأقارب ، ويجري هذا فيما لو تزوّج أزيد من واحدة ولم يمكن الجمع بين نفقة الزوجتين أو الزوجات مع الأقارب ، كما لا يخفى .
(الصفحة 612)بالشرطين المذكورين1.مسألة 8 : لا تقدير في نفقة الأقارب ، بل الواجب قدر الكفاية من الطعام
1 ـ من لم يكن عنده ما ينفقه على نفسه وجب عليه التوسّل إلى تحصيله بأيّ وسيله مشروعة ، سواء كانت إكتساباً لائقاً بحاله أو الاستعطاء والسؤال ، وقد مرّ(1) من كاشف اللثام ، ما يظهر منه عدم جواز الثاني ، وإيراد صاحب الجواهر عليه بعدم حرمة مطلق السؤال ، ولكن مع الإنحصار بالإستعطاء والسؤال يجب ذلك وإن كان مستلزماً لهتك المؤمن; لتقدّم وجوب حفظ النفس على حرمة الهتك ، وأمّا من لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته أو قريبه فلا إشكال في أنّه يجب عليه تحصيله بالإكتساب اللائق بحاله وشأنه إذا كان قادراً عليه ، ومع عدم القدرة لا يجب عليه التوسّل إلى تحصيله بمثل الاستيهاب والسؤال; لعدم وجوبهما وإن كانا غير محرّمين لفرض عدم الهتّك; لعدم كونهما طريقين عرفاً إلى حصول النفقة ، نعم لا يبعُد وجوب الإقتراض إذا أمكن من دون مشقّة وكان له محلّ الإيفاء فيما بعد; لأنّ الاقتراض سيّما مع وجود محلّ الإيفاء من الطرق العقلائيّة المتداولة ، وكذا الشراء نسيئة بالشرطين المذكورين مع عدم المشقّة ووجود محلّ الإيفاء فيما بعد ، فإنّه أيضاً متداول بين العقلاء .
وبالجملة : فرق بين نفقة النفس ونفقة الغير ـ وإن كانا واجبين ـ بعدم إنحصار تحصيل الأوّل بطريق خاصّ وهو الاكتساب اللائق بحاله ، وإنحصار لزوم تحصيل الثاني من الطرق العقلائيّة المتعارفة الشاملة للإقتراض والشراء نسيئة ، وعدم اللزوم من طريق الاستيهاب والسؤال لما ذكرنا ، فتدبّر جيّداً .
(الصفحة 613)والإدام والكسوة والمسكن مع ملاحظة الحال والشأن والزمان والمكان حسب ما مرّ(1) في نفقة الزوجة1.مسألة 9 : لا يجب إعفاف من وجبت نفقته ولداً كان أو والداً بتزويج أو إعطاء مهر له ، وإن كان أحوط مع حاجته إلى النكاح وعدم قدرته عليه وعلى بذل الصداق خصوصاً في الأب2
1 ـ قد عرفت(2) أنّه لا تقدير في نفقة الأقارب ، بل الواجب قدر الكفاية من الطعام والإدام والكسوة والمسكن مع ملاحظة الحال والشأن والزمان والمكان كنفقة الزوجة ، غاية الأمر أنّ الملاك هناك الزوجيّة من دون فرق بين صورتي الفقر والغنى ، وهنا معونة على سدّ الخلّة وتختصّ بصورة الفقر ، وأمّا كيفيّة الإنفاق ومقداره فلا فرق فيه بين المقامين أصلا .2 ـ لا يكون جزء النفقة الواجبة لأجل القرابة إعفاف من وجبت نفقته ولداً كان أو والداً بتزويج أو إعطاء مهر له ، وإن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي ذلك ، خصوصاً مع الاحتياط إلى النكاح وعدم قدرته عليه وعلى بذل الصداق ، سيّما إذا كان الاحتياج شديداً واقعاً في العسر والحرج بدونه ، سيّما بالإضافة إلى الأب الذي ليس فيه القدرة على إعطاء المهر نوعاً لا بالفعل ولا في الآتي; لخروجه عن القدرة على التكسّب غالباً ، ومع احتمال كون الإنسان وماله لأبيه ـ كما ورد في بعض الروايات(3) . وإن كان لا يمكن الالتزام بما هو ظاهره كما لا يخفى ـ أنّ ذلك كلّه
- (1) في مسألة 8 من مسائل « نفقة الزوجة » .
- (2) في ص607 ـ 608 .
- (3) الكافي: 5/395 ح3، قرب الإسناد: 285 ح1128،الوسائل:20/290و291،أبواب عقدالنكاح ب11ح5 و8.
(الصفحة 614)مسألة 10 : يجب على الولد نفقة والده دون أولاده لأنّهم إخوته ودون زوجته ، ويجب على الوالد نفقة ولده وأولاده دون زوجته 1.
مسألة 11 : لا تُقضى نفقة الأقارب ولا يتداركها لو فاتت في وقتها وزمانها ولو بتقصير من المنفق ، ولا تستقرّ في ذمّته بخلاف الزوجة كما مرّ . نعم لو لم ينفق عليه لغيبته أو امتنع عن إنفاقه مع يساره ورفع المنفَقُ عليه أمره إلى الحاكم فأمره بالإستدانة عليه فاستدان عليه اشتغلت ذمّته به ، ووجب عليه قضاؤه2 .
يجع ل خصوصيّة للأب في رعاية الاحتياط الاستحبابي .1 ـ لا يجب على الولد إلاّ نفقة الوالد دون أولاده ولو كان من أُمّه; لأنّهم إخوته ، وقد عرفت(1) عدم وجوب نفقتهم ودون زوجته لعدم ملاك وجود النفقة فيها لا القرابة ولا الزوجيّة للمنفق ، كما أنّه يجب على الوالد نفقة الولد وأولاده; لأنّهم كلّهم أولاد له دون زوجة الولد; لعدم المِلاك فيها أيضاً; لأنّ المفروض أنّها زوجة الولد لا زوجة المنفق ، وقد عرفت(2) الضابطة في نفقة القريب ، فراجع .2 ـ قد علّل عدم وجوب قضاء نفقة الأقارب وعدم لزوم تداركها لو فاتت في وقتها وزمانها ، ولو كان بتقصير من المنفق ، مضافاً إلى نفي وجدان الخلاف فيه ، بل الإجماع عليه كما في الجواهر(3) بأنّها مواساة لسدّ الخلّة ، ولا يمكن تداركه بعد فوته وإن كان عن تقصير ، وعليه فلا تستقرّ في ذمّته بخلاف نفقة الزوجة الّتي هي دين
- (1) في ص604 ـ 606 .
- (2) في ص607 ـ 611 .
- (3) جواهر الكلام : 31/379 .
(الصفحة 615)
على عهدة الزوج كما مرّ(1) . من دون فرق بين تقدير الحاكم إيّاها وعدمه ، خلافاً لبعض العامّة(2) . واستشكل فيه في الجواهر بأنّ الأصل القضاء في كلّ حقّ ماليّ لآدميّ .
ودعوى كون الحقّ هنا خصوص السدّ الذي لا يمكن تداركه واضحة المنع ، بعد إطلاق الأدلّة حرمة العلّة المستنبطة عندنا(3) . ويؤيده عطف الزوجة على الأقارب في كثير من أدّلة وجوب الإنفاق المتقدّمة ، كما أنّه يؤيدّ العلّة المستنبطة اعتبار الفقر والحاجة هنا دون الزوجة ، فالإنصاف عدم ثبوت القضاء ولو لمنع الضابطة الكليّة التي أفادها في كلّ حقّ ماليّ لآدمي ، فتدبّر جيداً .
وقد استثنى من نفقة الأقارب صورتان ، يتحقّق فيهما إشتغال الذمّة ووجوب القضاء والتدارك :
إحداهما : ما إذا لم ينفق عليه لغيبة المنفق ورفع المنفَق عليه أمره إلى الحاكم ، فأمره بالإستدانة عليه فاستدان عليه .
ثانيتهما : ما إذا امتنع المنفق عن إنفاقه مع القدرة عليه ويساره ، ورفع المنفق عليه أمره إلى الحاكم كذلك ، فإنّه في هاتين الصورتين تشتغل ذمّته به ويجب عليه قضاؤه ، ويكون أمر الحاكم بالاستدانة بمنزلة أمر المنفق بها ، لا بمعنى أن تكون ذمّة المنفق مشغولة به ابتداء ، بل بمعنى اشتغال ذمّة المنفِق عليه بذلك ، ووجوب القضاء عليه لوقوعه بأمره أو بأمر من يقوم مقامه ، ويحتمل اشتغال ذمّته به ابتداء ، كما لعلّه الظاهر من العبارة .
- (1) في ص591 ـ 593 .
- (2) بدائع الصنائع : 3/432 و451 ، الوجيز للغزالي : 2/116 .
- (3) جواهر الكلام : 31/380 .