(الصفحة 618)
اُجرة الإرضاع على الأب ، وبأصالة الأب المستفادة من قوله تعالى :
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِن ظُهُوْرِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}(1) الظاهر في أصالة ظهور الآباء على أرحام الاُمّهات .
وترك الاستفصال في حديث هند زوجة أبي سفيان ، حيث جاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت : إنّ أبا سفيان شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلاّ ما آخذ منه سرّاً وهو لا يعلم ، فهل عليَّ من ذلك شيء؟ فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف(2) .
ولم يقع فيه استفصال عن يسار الاُمّ بالإضافة إلى الولد وعدمه ، بالإجماع(3) على عدم وجوب الإرضاع على الأُمّ ، وبظاهر النصوص(4) المزبورة التي لا يتعدّى فيها إلى الأُمّ ، بل مطلق الاُنثى إلاّ بقاعدة الإشتراك المفقود هنا بالإجماع وغيره(5) .
هذا ، ومع عدم الأب أو فقره فنفقة الولد على الجدّ للأب الذي هو أب دون أُمّ الولد ، خلافاً لبعض العامّة(6) حيث إنّه ذكر أنّ على الأمّ الثلث وعلى الجدّ الثلثان ، فإنْ فقد الجدّ أو كان معسراً فعلى أب الجدّ لأنّه أيضاً أب ، والترتيب بين الأب والجدّ وأب الجدّ إنّما هو باعتبار آية
{ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
- (1) سورة الأعراف : 7/172 .
- (2) السنن الكبرى للبيهقي : 7/477 ، سنن الدارمي : 2/110 ح2256 .
- (3) رياض المسائل : 7/241 ، جواهر الكلام : 31/380 .
- (4) الوسائل : 21/525 ـ 526 ، أبواب النفقات ب11 .
- (5) جواهر الكلام : 31/381 .
- (6) المبسوط للسرخسي : 5/226 ـ 227 ، العزيز شرح الوجيز : 10/80 ، بدائع الصنائع : 3/444 .
(الصفحة 619)
بِبَعْض}(1) وباعتبار قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخبر السابق : خذوا بنفقة أقرب الناس منه في العشيرة كما يأكل ميراثه(2) . وإن كان لا يمكن الالتزام بهذه الضابطة; لاقتضائها تقدّم الأُمّ على الجدّ للأب ، ولا يلتزمون به ، ولو عدمت الآباء أو كانوا أجمع معسرين ولم يكن ثمّ ولد ولو أُنثى أو كان معسراً أيضاً فعلى أُمّ الولد الّتي هي أقرب النّاس إليه حينئذ ، ومشاركة للرجل في وجوب النفقة على الولد المعسر بقاعدة الإشتراك في الحكم .
ومع عدمها أو إعسارها فعلى أبيها واُمّها ، وإن علوا الأقرب فالأقرب وإن كان الأقرب اُنثى والأبعد ذكراً بلا خلاف فيه ، بل عن جماعة الإجماع عليه(3) . ومع التساوي في الدرجة يشتركون فيه بالسويّة وإن اختلفوا في الذكورة والأُنوثة; للإجماع(4) ظاهراً ، أو لأنّ المتفاهم من دليل الإنفاق مع الإتّحاد في الرتبة بالإضافة إلى المنفق ذلك .
قال صاحب الجواهر(قدس سره) : ولولاه لأمكن القول بالوجوب كفاية ، أو يكون التخيير بيد المنفَق عليه ، نحو رجوع المالك على ذوي الأيدي أو بالقرعة لتعيين من يُنفق منهم(5) .
هذا ، ولكنّ المتفاهم من الدليل ما ذكر ، مضافاً إلى الإجماع المزبور ، فلا مفرّ منه كما لا يخفى .
- (1) سورة الأنفال: 8/75.
- (2) في ص605 .
- (3) رياض المسائل : 7/274 .
- (4) رياض المسائل : 7/274 ، جواهر الكلام : 31/381 .
- (5) جواهر الكلام : 31/381 .
(الصفحة 620)
وفي حكم آباء الأُمّ وأُمهاتها أُمّ الأب وكلّ من تقرّب إلى الأب بالأُمّ ، كأبي أُمّ الأب واُمّ اُمّه واُمّ أبيه وهكذا ، فإنّه تجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه واُمّه مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الولد ، وظهر ممّا ذكرنا حال الأمثلة المذكورة في المتن ، هذا في الأُصول .
وأمّا الفروع : أي بالإضافة إلى المنفق المبحوث عنه في هذه الجهة ، فتجب نفقة الوالدين عند الإعسار على الولد الموسر ذكراً كان أو اُنثى ، ومع عدمه أو إعساره فعلى ولد الولد كذلك مطلقاً ، أي سواء كان ولد الإبن أو ولد البنت ، وهكذا الأقرب فالأقرب تشاركوا بالسويّة للدليل المتقدّم .
هذا ، ومع اجتماع الأُصول والفروع كما إذا كان له أب وابن معسرين ولم يقدر على نفقتهما جميعاً اشتركا بالسويّة ، كما إذا كان له ابن ابن وجدّ لأب فالحكم كذلك ، بخلاف ما إذا كان له ابن وجدّ لأب ، فإنّ الابن مقدّم لتقدّم رتبته على رتبة الجدّ ، كـما أنّه إذا كان له اُم وابن إبن تكون الأُمّ متقدّمة ، إنّما الإشكال فيما إذا اجتمعت الأُمّ مع الإبن أو البنت .
وقد احتاط في المتن وجوباً بالتراضي والتسالم على الإشتراك بالسويّة ، ووجه الإشكال كون الاُم والإبن في رتبة واحدة ، ولذا يرثان معاً في باب الإرث ، وكون الإبن مقدّماً على الجدّ الذي هو مقدّم على الأمّ ، وقد قوّاه صاحب الجواهر(قدس سره)(1) .
ولكن مقتضى الاحتياط ما أفاده في المتن في القواعد فيما لو كان له اُمّ وبنت
- (1) جواهر الكلام : 31/385 .
(الصفحة 621)
احتمل التشريك(1) . أي إمّا بالسويّة أو على نسبة الميراث واختصاص البنت بالنفقة ، وعلّله في الجواهر بعد ما قوّاه بأنّه من كسبه وبوجود ما يدلّ على عدم الوجوب على الأُمّ من الكتاب(2) والسنّة(3) . بخلاف البنت المأمورة بالمصاحبة بالمعروف ، التي هي أقرب وأكثر ميراثاً .
أقول : والظاهر اتّحاد حكمها مع الإبن وجريان الاحتياط المذكور فيها هنا ، وإن اختصّت البنت بثبوت الفرض لها في باب الميراث .
وأمّا الجهة الثانية : الراجعة إلى ترتيب المنفَق عليه ، فقد عرفت(4) أنّ نفقة النفس مقدّمة حتى على نفقة الزوجة ، وبعدها نفقة الزوجة ، لكن وقع البحث في أنّ نفقة المملوك هل تكون متقدّمة على نفقة الزوجة أم متأخّرة عنها؟ الظاهر هو الأوّل; لأنّ نفقة المملوك من شؤون نفقة النفس ، كإنفاق الخادم أو الحيوانات المملوكة له ، المحتاج إليها في كسبه وتعيّشه ، كما لا يخفى . ونفقة الأقارب في الرتبة المتأخّرة ، لكنّه إذا كـان موسراً قادراً على نفقة الجميع يجب عليه إنفاقهم مع القدرة عليه ، ومع الإعسار والقصور فهم مترتّبون يُراعى الأقرب منهم فالأقرب ، وإن كان قريبان أو أزيد في مرتبة واحدة ولا يكفي ما عنده للجميع ، وقد استقرب في المتن أنّه يقسم بينهم بالسويّة مع إمكانه وإمكان انتفاعهم به ، وإلاّ فالرجوع إلى القرعة ، بل قيل : إنّه لولا عدم ظهور المخالف في الإشتراك مع الانتفاع الذي لم يحصل به سدّ الخلّة لأمكن القول بالقرعة فيه أيضاً; لأنّه هو المكلّف به المنفق ،
- (1) قواعد الأحكام : 2/58 .
- (2) سورة الطلاق : 65/6 .
- (3) الوسائل : 21/525 ـ 526 ، أبواب النفقات ب11 .
- (4) في ص602 .
(الصفحة 622)مسألة 13 : لو كان له ولدان ولم يقدر إلاّ على نفقة أحدهما وكان له أب موسر ، فإن اختلفا في قدر النفقة وكان ما عنده يكفي لأحدهما بعينه كالأقلّ نفقه اختصّ به وكان الآخر على الجدّ ، وإن اتّفقا في مقدارها ، فإن توافق مع الجدّ في أن يشتركا أو يختصّ كلٌّ بواحد فهو ، وإلاّ رجعا إلى القرعة1.
والفرض عدم تمكّنه إلاّ من واحد .
هذا ، ولكن حصول سدّ الخلّة في الجملة بالإضافة إلى الجميع أولى من حصوله كاملا بالنسبة إلى واحد مثلا ومحروميّة الآخر مطلقاً .1 ـ لو كان له ولدان معسران فإن قدر على نفقة كليهما فهو ، ولا فرق في هذا الفرض بين أن يكون له أب موسر أم لا ، بل يجب عليه نفقة كلّ منهما بلا إشكال ، وإن لم يقدر إلاّ على نفقة أحدهما ، فتارة تكون نفقتهما متّحدتين في المقدار ، واُخرى تكونان مختلفتين ، كما أنّه تارة يكون له أب موسر وأُخرى لا يكون كذلك .
ففي الصورة الأولى : يختص الأقلّ نفقة به ويكون نفقة الآخر على أب الأب ، الذي فرض أنّه موسر يقدر على إنفاقه .
وفي الصورة الثانية : وهي الإتّفاق في المقدار ، فإن وقع التوافق مع الجدّ في أن يشتركا أو يختصّ كلّ بواحد ، وإلاّ يجب رجوعهما إلى القرعة ، أمّا صورة التوافق والتراضي فواضحة ، وأمّا مع عدم التراضي فليس هنا طريق إلاّ القرعة الّتي هي لكلّ أمر مشكل ، سيّما حقوق الناس ، كما أنّه لو لم يكن هنا أب موسر أصلاً ، ولم يقد إلاّ على نفقة أحدهما ، فمع عدم تراضي الولدين إلاّ بنفقة نفسه ، فقد عرفت أنّ الأقوى فيه الرجوع إلى القرعة .
أقول : ذكر صاحب الجواهر بعد ذكر مسألة المتن وحكمه بنحوه : أنّه قد يكون