(الصفحة 620)
وفي حكم آباء الأُمّ وأُمهاتها أُمّ الأب وكلّ من تقرّب إلى الأب بالأُمّ ، كأبي أُمّ الأب واُمّ اُمّه واُمّ أبيه وهكذا ، فإنّه تجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه واُمّه مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الولد ، وظهر ممّا ذكرنا حال الأمثلة المذكورة في المتن ، هذا في الأُصول .
وأمّا الفروع : أي بالإضافة إلى المنفق المبحوث عنه في هذه الجهة ، فتجب نفقة الوالدين عند الإعسار على الولد الموسر ذكراً كان أو اُنثى ، ومع عدمه أو إعساره فعلى ولد الولد كذلك مطلقاً ، أي سواء كان ولد الإبن أو ولد البنت ، وهكذا الأقرب فالأقرب تشاركوا بالسويّة للدليل المتقدّم .
هذا ، ومع اجتماع الأُصول والفروع كما إذا كان له أب وابن معسرين ولم يقدر على نفقتهما جميعاً اشتركا بالسويّة ، كما إذا كان له ابن ابن وجدّ لأب فالحكم كذلك ، بخلاف ما إذا كان له ابن وجدّ لأب ، فإنّ الابن مقدّم لتقدّم رتبته على رتبة الجدّ ، كـما أنّه إذا كان له اُم وابن إبن تكون الأُمّ متقدّمة ، إنّما الإشكال فيما إذا اجتمعت الأُمّ مع الإبن أو البنت .
وقد احتاط في المتن وجوباً بالتراضي والتسالم على الإشتراك بالسويّة ، ووجه الإشكال كون الاُم والإبن في رتبة واحدة ، ولذا يرثان معاً في باب الإرث ، وكون الإبن مقدّماً على الجدّ الذي هو مقدّم على الأمّ ، وقد قوّاه صاحب الجواهر(قدس سره)(1) .
ولكن مقتضى الاحتياط ما أفاده في المتن في القواعد فيما لو كان له اُمّ وبنت
- (1) جواهر الكلام : 31/385 .
(الصفحة 621)
احتمل التشريك(1) . أي إمّا بالسويّة أو على نسبة الميراث واختصاص البنت بالنفقة ، وعلّله في الجواهر بعد ما قوّاه بأنّه من كسبه وبوجود ما يدلّ على عدم الوجوب على الأُمّ من الكتاب(2) والسنّة(3) . بخلاف البنت المأمورة بالمصاحبة بالمعروف ، التي هي أقرب وأكثر ميراثاً .
أقول : والظاهر اتّحاد حكمها مع الإبن وجريان الاحتياط المذكور فيها هنا ، وإن اختصّت البنت بثبوت الفرض لها في باب الميراث .
وأمّا الجهة الثانية : الراجعة إلى ترتيب المنفَق عليه ، فقد عرفت(4) أنّ نفقة النفس مقدّمة حتى على نفقة الزوجة ، وبعدها نفقة الزوجة ، لكن وقع البحث في أنّ نفقة المملوك هل تكون متقدّمة على نفقة الزوجة أم متأخّرة عنها؟ الظاهر هو الأوّل; لأنّ نفقة المملوك من شؤون نفقة النفس ، كإنفاق الخادم أو الحيوانات المملوكة له ، المحتاج إليها في كسبه وتعيّشه ، كما لا يخفى . ونفقة الأقارب في الرتبة المتأخّرة ، لكنّه إذا كـان موسراً قادراً على نفقة الجميع يجب عليه إنفاقهم مع القدرة عليه ، ومع الإعسار والقصور فهم مترتّبون يُراعى الأقرب منهم فالأقرب ، وإن كان قريبان أو أزيد في مرتبة واحدة ولا يكفي ما عنده للجميع ، وقد استقرب في المتن أنّه يقسم بينهم بالسويّة مع إمكانه وإمكان انتفاعهم به ، وإلاّ فالرجوع إلى القرعة ، بل قيل : إنّه لولا عدم ظهور المخالف في الإشتراك مع الانتفاع الذي لم يحصل به سدّ الخلّة لأمكن القول بالقرعة فيه أيضاً; لأنّه هو المكلّف به المنفق ،
- (1) قواعد الأحكام : 2/58 .
- (2) سورة الطلاق : 65/6 .
- (3) الوسائل : 21/525 ـ 526 ، أبواب النفقات ب11 .
- (4) في ص602 .
(الصفحة 622)مسألة 13 : لو كان له ولدان ولم يقدر إلاّ على نفقة أحدهما وكان له أب موسر ، فإن اختلفا في قدر النفقة وكان ما عنده يكفي لأحدهما بعينه كالأقلّ نفقه اختصّ به وكان الآخر على الجدّ ، وإن اتّفقا في مقدارها ، فإن توافق مع الجدّ في أن يشتركا أو يختصّ كلٌّ بواحد فهو ، وإلاّ رجعا إلى القرعة1.
والفرض عدم تمكّنه إلاّ من واحد .
هذا ، ولكن حصول سدّ الخلّة في الجملة بالإضافة إلى الجميع أولى من حصوله كاملا بالنسبة إلى واحد مثلا ومحروميّة الآخر مطلقاً .1 ـ لو كان له ولدان معسران فإن قدر على نفقة كليهما فهو ، ولا فرق في هذا الفرض بين أن يكون له أب موسر أم لا ، بل يجب عليه نفقة كلّ منهما بلا إشكال ، وإن لم يقدر إلاّ على نفقة أحدهما ، فتارة تكون نفقتهما متّحدتين في المقدار ، واُخرى تكونان مختلفتين ، كما أنّه تارة يكون له أب موسر وأُخرى لا يكون كذلك .
ففي الصورة الأولى : يختص الأقلّ نفقة به ويكون نفقة الآخر على أب الأب ، الذي فرض أنّه موسر يقدر على إنفاقه .
وفي الصورة الثانية : وهي الإتّفاق في المقدار ، فإن وقع التوافق مع الجدّ في أن يشتركا أو يختصّ كلّ بواحد ، وإلاّ يجب رجوعهما إلى القرعة ، أمّا صورة التوافق والتراضي فواضحة ، وأمّا مع عدم التراضي فليس هنا طريق إلاّ القرعة الّتي هي لكلّ أمر مشكل ، سيّما حقوق الناس ، كما أنّه لو لم يكن هنا أب موسر أصلاً ، ولم يقد إلاّ على نفقة أحدهما ، فمع عدم تراضي الولدين إلاّ بنفقة نفسه ، فقد عرفت أنّ الأقوى فيه الرجوع إلى القرعة .
أقول : ذكر صاحب الجواهر بعد ذكر مسألة المتن وحكمه بنحوه : أنّه قد يكون
(الصفحة 623)مسألة 14 : لو امتنع من وجبت عليه النفقة عنها أجبره الحاكم ، ومع عدمه فعدول المؤمنين ، ومع فقدهم ففسّاقهم ، وإن لم يمكن إجباره فإن كان له مال أمكن للمنفق عليه أن يقتصّ منه مقدارها جاز للزوجة ذلك دون غيرها إلاّ بإذن الحاكم ، فمعه جاز له الأخذ وإن لم يكن اقتصاصاً ، وإن لم يكن له مال كذلك أمر الحاكم بالاستدانة عليه ، ومع تعذّر الحاكم يشكل الأمر1.
ذلك مؤيّداً لِما ذكرناه سابقاً فيما لو تعدّد المنفق الّذي حكموا فيه بالإشتراك فيها ، ضرورة أنّه يأتي فيه مثل ما هنا من احتمال القرعة ، وإلاّ كان المتّجه فيه الإشتراك وإن كان الموضوع في المسألتين مختلفاً ، فتأمّل جيّداً(1) .
قلت : ولعلّ الفرق توجّه الخطاب بالإنفاق هناك إلى أزيد من واحد في رتبة واحدة ، أو إلى واحد لا محالة يكون كذلك ، وهنا يكون المخاطب متعدّداً وإن وجب الإنفاق على كلّ منهما مع اليسار ، فاحتمال القرعة هنا أقوى ممّا هناك ، فتدبّر جيّداً .1 ـ إذا امتنع من وجبت النفقة عنها متّحداً أو متعدّداً أجبره الحاكم حسبة ، ومع عدمه فعدول المؤمنين ، ومع عدمهم ففسّاقهم; لأنّه أمرٌ لا يرضى الشارع بتركه ، وربّما يوجب الترك الوقوع في الهلاك ، مع أنّ حفظ النفس المحترمة من أهمّ الواجبات والفرائض . وإن لم يمكن إجباره ، فإن كان له مال أمكن للمنفَق عليه المقاصّة بمقدار النفقة ، فبالإضافة إلى الزوجة تجوز المقاصّة ولو مع عدم إذن الحاكم; لعدم توقّف المقاصّة المشروعة على إذن الحاكم ، وبالنسبة إلى الزوجة حيث يكون الإنفاق حقّاً لها عليه ـ ولذا يجب القضاء عن النفقة المتروكة ولو مع يسارها وغناها ـ لا تتوقّف المقاصّة على إذن الحاكم كما سيأتي في ذيل كتاب
- (1) جواهر الكلام : 31/388 .
(الصفحة 624)مسألة 15 : تجب نفقة المملوك حتى النحل ودود القزّ على مالكه ، ولا تقدير لنفقة البهيمة مثلا ، بل الواجب القيام بما تحتاج إليه من أكل وسقي
القضاء(1) إن شاء الله تعالى .
وأمّا بالإضافة إلى غير الزوجة فيحتاج إلى إذن الحاكم; لعدم صدق المقاصّة بعد عدم كون النفقة حقّاً على المنفق يجب قضاؤه لو ترك كما عرفت(2) فيما سبق ، لكن حيث إنّ إهمالها ربّما يوجب الترك لوقوع الهلاك يجوز للحاكم أن يأذن للمنفَق عليه الاستفادة من مال المنفَق مع عدم إمكان إجباره على أن ينفق بنفسه .
وإن لم يكن له مال يمكن للمنفَق عليه المقاصّة منه بمقدار النفقة أمر الحاكم بالاستدانة عليه بالنحو المذكور سابقاً(3) . ومع تعذّر الوصول إلى الحكم أو تعسّره جدّاً فقد استشكل في المتن ، ولكنّه قال في محكي المسالك : ولو لم يقدر على الوصول إلى الحاكم ففي جواز استقلاله بالاستقراض عليه أو البيع من ماله مع امتناعه أو غيبته وجهان : أجودهما الجواز; لأنّ ذلك من ضروب المقاصّة حيث يقع أخذ القريب في الوقت والزوجة مطلقاً(4) .
ولكن قد عرفت عدم صدق المقاصّة بالإضافة إلى القريب ، مع أنّ الكلام فيما إذا لم يمكن للمنفَق عليه المقاصّة من مال المنفِق فانحصر الطريق في بالإستقراض ، والمفروض تعذّر الوصول إلى الحاكم أو تعسّره ، فالظاهر جواز الاستدانة عليه بنفسه ، كما لا يخفى .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 377 ـ 378 .
- (2 ، 3) في ص614 ـ 616 .
- (4) مسالك الأفهام : 8/497 .