(الصفحة 80)
فمضافاً إلى أنّه اتّفاقي كما في محكيّ كشف اللثام(1) وغيره(2) بل لعلّه من ضروريات الفقه ، فلأنّه ليس معاوضة مختصة ، ولذا لم يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه برؤية ولا وصف رافع للجهالة ، ويصحّ من غير تسمية العوض ومع العوض الفاسد ، ولأنّ فيه شائبة العبارة التي لا يدخلها الخيار ، ولأنّ فسخه باشتراط الخيار فيه يوجب ابتذال المرأة وضررها .
وعليه فلو شرطاه بطل الشرط بلا إشكال بمقتضى ما مرّ ، وهل يبطل العقد أيضاً فيه قولان ، المشهور(3) على البطلان ، وابن إدريس(4) على الثاني ، وهو محتمل كلام المحقّق في الشرائع(5) نظراً إلى وجود المقتضي ، وفساد الشرط موجب للغوية نفسه دون العقد ، ولتحقيق الحال في أنّ الشرط الفاسد يوجب فساد العقد أم لا مقام آخر .
وامّا جواز اشتراط الخيار في المهر مع تعيين المدّة فلعموم المؤمنون عند شروطهم(6) غاية الأمر أنّه مع فسخ ذي الخيار يسقط المهر المسمّى ويصير كالعقد بلا ذكر المهر ، فإن كان العقد دائماً وهو لا يعتبر فيه ذكر المهر أصلاً يتحقق الرجوع إلى مهر المثل . وامّا العقد المنقطع الذي يعتبر فيه ذكر المهر فهل يصح فيه اشتراط الخيار في المهر؟ فيه إشكال لأنّه على تقدير الفسخ وصيرورته كالعقد بلا ذكر المهر
- (1) كشف اللثام : 7/54 .
- (2) الروضة البهية : 5/120 ، مسالك الأفهام : 7/101 ، الحدائق الناضرة : 23/184 .
- (3) الخلاف : 4/292 ، شرائع الإسلام : 2/330 ، مسالك الأفهام : 7/102 .
- (4) السرائر : 2/575 .
- (5) شرائع الإسلام : 2/270 و 330 .
- (6) التهذيب : 7/371 ح1503 ، الاستبصار : 3/232 ح835 ، الوسائل : 21/276 أبواب المهور ب20 ح4 .
(الصفحة 81)مسألة 19 : إذا ادّعى رجل زوجيّة امرأة فصدّقته أو ادّعت امرأة زوجيّة رجل فصدّقها حكم لهما بذلك مع احتمال الصدق ، وليس لأحد الاعتراض عليهما من غير فرق بين كونهما بلديين معروفين أو غريبين ، وأمّا إذا ادّعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر فالبيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، فإن كان للمدّعي بيّنة حكم له وإلاّ فتتوجّه اليمين إلى المنكر ، فإن حلف سقطت دعوى المدّعي ، وإن نكل يردّ الحاكم اليمين على المدّعي ، فإن حلف ثبت الحق وإن نكل سقط ، وكذا لو ردّه المنكر على المدّعى وحلف ثبت وان نكل سقط ، هذا بحسب موازين القضاء وقواعد الدعوى; وأمّا بحسب الواقع فيجب على كلّ منهما العمل على ما هو تكليفه بينه وبين الله تعالى 1.
يصير كالعقد الفاسد من جهة خلوّه عن ذكر المهر ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ القدر المتيقّن من صورة البطلان هو الخلو عن المهر رأساً لا المقام الذي يكون المهر مذكوراً ، غاية الأمر اشتراط الخيار فيه .1 ـ الكلام في هذه المسألة في مقامين :
المقام الأوّل : في صورة ادّعاء أحدهما الزوجية وتصديق الآخر إيّاه في هذه الدعوى ، والظاهر أنّه مع احتمال الصدق يحكم لهما بذلك ، لأنّ الحق لا يعدوهما ، ومقتضى قاعدة الإقرار(1) القبول من دون فرق بين كونهما بلديين معروفين أو غريبين ، خلافاً لبعض العامّة حيث خصّ صحّة الإقرار منهما بالغريبين ، واعتبر في البلديين إقامة البيّنة بناء على اشتراط الاشهاد فيه وسهولة إقامة البيّنة فيهما دون
- (1) الوسائل : 23/184 ، كتاب الاقرار ب3 ح2 .
(الصفحة 82)مسألة 20 : إذا رجع المنكر عن إنكاره إلى الإقرار يسمع منه ويحكم بالزوجيّة بينهما ، وإن كان ذلك بعد الحلف على الأقوى .1
الغريبين(1) وفيه منع الاشتراط أوّلاً ومنع اقتضائه لذلك ثانياً ، كما لا يخفى .
المقام الثاني : في صورة الإدّعاء المذكور وانكار الآخر له وعدم تصديقه إيّاه ، وفي هذه الصورة بمقتضى «البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر» يكون الحكم للمدّعي في الدرجة الاُولى متوقّفاً على إقامته البيّنة ، وفي صورة عدم الإقامة تتوجّه اليمين على المنكر ، فإن حلف سقطت; وفي صورة النكول أو الردّ إلى المدّعى إن حلف المدّعي يثبت دعواه وإن نكل سقطت .
هذا بحسب موازين القضاء وقواعد الدعوى في صورة عدم علم القاضي ، وإلاّ فيحكم على طبق علمه بناء على ما هو الحقّ من جواز حكم القاضي على طبق علمه في حدود الله وفي حقوق الناس ، وإلاّ فبحسب الواقعة يجب على كلّ منهما العمل على ما هو تكليفه بينه وبين الله تعالى ، كما هو مذكور في محلّه ، فتدبّر .1 ـ وجه الاقوائية أنّ الانكار السابق لا دلالة له على عدم كونها زوجة له واقعاً ، وفي الحديث : إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان وبعضكم الحن بحجّته من بعض ، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فانّما قطعت له به قطعة من نار(2) ، وأمّا جواز الإقرار الفعلي فلما عرفت من أنّ الحق لا يعدوهما(3) فيقبل إقرارها بالزوجية ، وإن كان ذلك بعد الحلف على العدم .
- (1) مغني المحتاج : 3/148 .
- (2) الكافي : 7/414 ح1 ، التهذيب 6/229 ح 552 ، الوسائل : 27/232 ، أبواب كيفية الحكم ب2 ح1 .
- (3) تقدّم في المسألة 19 .
(الصفحة 83)مسألة 21 : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة وأنكرت ، فهل لها أن تتزوّج من غيره وللغير أن يتزوّجها قبل فصل الدّعوى والحكم ببطلان دعوى المدّعى أم لا؟ وجهان : أقواهما الأوّل خصوصاً فيما لو تراخى المدّعي في الدعوى أو سكت عنها حتى طال الأمر عليها ، وحينئذ إن أقام المدّعي بعد العقد عليها بيّنة حكم له بها وبفساد العقد عليها ، وإن لم تكن بيّنة تتوجّه اليمين إلى المعقود عليها ، فإن حلفت بقيت على زوجيّتها وسقطت دعوى المدّعي ، وكذا لو ردّت اليمين على المدّعي ونكل عن اليمين ، وانّما الإشكال فيما إذا نكلت عن اليمين أو ردّت اليمين على المدّعي وحلف ، فهل يحكم بسببهما بفساد العقد عليها فيفرّق بينها وبين زوجها أم لا؟ وجهان أوجههما الثاني ، لكن إذا طلّقها الذي عقد عليها أو مات عنها زال المانع فتردّ إلى المدّعي بسبب حلفه المردود عليه من الحاكم أو المنكر1.
1 ـ وجه جواز التزويج من الغير وتزويج الغير لها إنّه لم يثبت فعلاً كونها زوجة للرجل المدّعي ، ومجرّد طرح الدعوى ولزوم سماعها على القاضي لا يوجب العدم قبل الحكم بالعدم ، وإلاّ فمقتضى استصحاب عدم الزوجية وعدم ثبوت النكاح العدم ، خصوصاً فيما لو تراخى المدّعي في الدعوى أو سكت عنها حتى طال الأمر عليها .
وحينئذ إن كانت الحكومة ورفع التنازع منتهية إلى عدم الزوجية فهو ، وإلاّ فإن كان حكم الحاكم على طبق بيّنة المدّعي يحكم بفساد العقد وبكونها للرجل المدّعي ، كما أنّه على تقدير عدم البيّنة ووصول النوبة إلى اليمين إن حلفت الزوجة على عدم كونها زوجة للمدّعي بقيت على زوجيّتها للثاني ، وسقطت دعوى المدّعي بالمرّة ، وهكذا لو ردّت اليمين إلى المدّعي ونكل عن اليمين ، كما أنّه لا بيّنة له
(الصفحة 84)مسألة 22 : يجوز تزويج امرأة تدّعي أنّها خلية من الزوج مع احتمال صدقها من غير فحص حتى فيما إذا كانت ذات بعل سابقاً فادّعت طلاقها أو موته . نعم لو كانت متّهمة في دعواها فالأحوط الأولى الفحص عن حالها ، فمن غاب غيبة منقطعة لم يعلم موته وحياته إذا ادّعت زوجته حصول العلم لها بموته من الأمارات والقرائن وإخبار المخبرين جاز تزويجها وإن لم يحصل العلم بقولها ، ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها إذا لم يعلم كذبها في دعوى العلم ، ولكنّ الأحوط الترك خصوصاً إذا كانت متّهمة1.
إنّما الإشكال فيما إذا نكلت عن اليمين أو ردّت اليمين على المدعي فحلف على ثبوت دعواه ، فهل يحكم بفساد العقد الثاني عليها فيفرّق بينها وبين زوجها أم لا؟ فيه وجهان .
وفي المتن إنّ الأوجه الثاني ، ولكنّ الظاهر هو التفصيل بين الصورتين ، ففي صورة النكول لا يحكم بفساد العقد الثاني ، وفي صورة حلف المدّعي اليمين المردودة عليه يحكم بثبوت دعواه وفساد العقد الثاني ، والتفصيل في كتاب القضاء(1) إن شاء الله تعالى .1 ـ جواز تزويج المرأة المدّعية إنّها خلية من الزوج مع احتمال صدقها من غير فحص عن حالها إنّما هو باعتبار أنّه لا يعلم حالها إلاّ من قبلها ، وهي بمنزلة ذي اليد في الاخبار بالنجاسة ، ومثلها ممّا يكون خلاف الأصل والاستصحاب ، ولولاه يلزم سدّ باب النكاح نوعاً ، ففي صورة كونها ذات بعل سابقاً وادّعت طلاقها أو موت زوجها السابق وإن كان مقتضى الاستصحاب بقاء الزوجية السابقة وعدم
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 131 ـ 140 .