(الصفحة 97)
فقال : إفعل ويكون ذلك برضاها ، فإنّ لها في نفسها حظّاً(1) .
هذا ، وقد وردت جملة من الروايات في النكاح المنقطع ، مثل :
رواية الحلبي قال : سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها؟ قال : لا بأس(2) .
وخبر القماط قال : سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن التمتّع من الأبكار اللواتي بين الأبوين؟ فقال : لا بأس ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب(3) .
ومرسلة أبي سعيد القمّاط ، عمّن رواه قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرّاً من أبويها فافعل ذلك؟ قال : نعم ، واتّق موضع الفرج ، قال : قلت : فإن رضيت بذلك؟ قال : وإن رضيت فانّه عار على الأبكار(4) .
القول الثاني : ما ذهب إليه الصدوق(5) والشيخ(6) وجماعة(7) على ما قيل ، بل مال إليه بعض متأخّري المتأخّرين(8) من سقوط أمرها مع الأب أو الجدّ للأب في الدائم والمنقطع ، وحكي عن السرائر أنّ الشيخ حكم بسقوط الولاية مع غيبتهما
- (1) التهذيب : 7/379 ح1534 ، الوسائل : 20/284 ، أبواب عقد النكاح ب9 ح2 .
- (2) التهذيب : 7/254 ح1098 ، الاستبصار : 3/145 ح526 ، الوسائل : 21/34 ، أبواب المتعة ب11 ح9 .
- (3) التهذيب : 7/254 ح1097 ، الاستبصار : 3/145 ح525 ، الوسائل : 21/33 ، أبواب المتعة ب11 ح6 ، رجل قِشْب : لا خير فيه (الصحاح للجوهري) .
- (4) التهذيب : 7/254 ح1096 ، الوسائل : 21/33 ، أبواب المتعة ب11 ح7 .
- (5) الهداية : 260 ، الفقيه : 3/250 ـ 251 ذح 1193.
- (6) النهاية : 465 .
- (7) كالقاضي في المهذّب : 2/194 ـ 195 ، وإبن أبي عقيل على ما حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/118 .
- (8) جامع المقاصد : 12/126 ، نهاية المرام : 1/77 ، الوافي : 21/405 .
(الصفحة 98)
عنها وإن كانا على مسافة قريبة(1) بل فيه أيضاً أنّه قد رجع عن هذا المذهب بالكليّة في كتاب التبيان(2) الذي صنّفه بعد كتبه جميعها ، واستحكام علمه وسيره للأشياء ووقوفه عليها وتحقيقه لها(3) ، وكيف كان فالدليل على هذا القول ظاهر جملة من الروايات مثل :
رواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، ليس لها مع الأب أمر ، وقال : يستأمرها كلّ أحد ما عدا الأب(4) .
ورواية الفضل بن عبد الملك ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوّجها هو أنظر لها ، وأمّا الثيب فانّها تستأذن وإن كانت بين أبويها إذا أرادا أن يزوّجاها(5) .
ورواية إبراهيم بن ميمون ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر ، وإذا كانت قد تزوّجت لم يزوّجها إلاّ برضا منها(6) .
ورواية ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تنكح ذوات الآباء من الابكار إلاّ بإذن آبائهنّ(7) .
ورواية الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الجارية يزوّجها أبوها بغير رضاء منها ،
- (1) الخلاف : 4/278 .
- (2) التبيان : 2/273 .
- (3) السرائر : 2/563 .
- (4) الكافي : 5/393 ح2 ، التهذيب : 7/380 ح1537 ، الاستبصار : 3/235 ح849 ، الوسائل : 20/273 ، أبواب عقد النكاح ب4 ح3 .
- (5) الكافي : 5/394 ح5 ، الوسائل : 20/269 ، أبواب عقد النكاح ب3 ح6 .
- (6) التهذيب : 7/380 ح1536 ، الاستبصار : 3/235 ح848 ، الوسائل : 20/284 ، أبواب عقد النكاح ب9 ح3 .
- (7) الفقيه : 3/250 ح1190 ، الوسائل : 20/277 ، أبواب عقد النكاح ب6 ح5 .
(الصفحة 99)
قال : ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة(1) .
وروايته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر؟ فقال : ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيّب(2) .
ورواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : لا تستأمر الجارية في ذلك إذا كانت بين أبويها ، فإذا كانت ثيِّباً فهي أولى بنفسها(3) .
هذا ، ولكن هذه الروايات ـ مضافاً إلى عدم خلوّ أكثرها من الإشكال من حيث السند ـ يكون المراد منها ولو بقرينة روايات المشهورة الأبكار التي لم يحصل لهنّ رشد في أمر النكاح ، وإن بلغن بالعدد ورشدن في حفظ أموالهنّ ، وأنّ المراد من النهي بدون اذن الأب كونه أنظر لها وأعرف بالاُمور منها ، وهو المتكلّف بأمورها والخصومة مع زوجها لو حدث بينهما نزاع وشقاق ، خصوصاً مع ظهور بعضها(4)في اشتراك الأبوين في ذلك ، مع الاجماع(5) على عدم ثبوت الولاية للاُمّ عندنا أصلاً ، وخصوصاً مع الظهور في كونها بين الأبوين مع أنّ هذا لا دخالة له في الولاية بوجه ، وخصوصاً مع المخالفة لظاهر الكتاب على ما عرفت(6) ومع الموافقة
- (1) التهذيب : 7/381 ح1539 ، الكافي : 5/393 ح 4 ، الوسائل : 20/285 ، أبواب عقد النكاح ب9 ح7 .
- (2) التهذيب: 7/381 ح1540 ، الاستبصار : 3/236 ح851 ، الوسائل : 20/271، أبواب عقد النكاح ب3 ح11.
- (3) التهذيب : 7/385 ح1547 ، الوسائل : 20/271 ، أبواب عقد النكاح ب3 ح13 .
- (4) الكافي: 5 / 394 ح5، التهذيب: 7 / 380 ح1536، الاستبصار: 3 / 235 ح848، الوسائل: 20/ 269، أبواب عقد النكاح ب3 ح6 و ص284 ب9 ح3.
- (5) مختلف الشيعة : 7/123 ، مسالك الأفهام : 7/195 ، كشف اللثام : 7/58 .
- (6) في ص94 .
(الصفحة 100)
لجماعة كثيرة من علماء العامّة(1) .
القول الثالث : التشريك بين البكر وبين الأب أو جدّ الأب في الولاية بمعنى توقّف الصحّة على إذنهما معاً ، وأشار إليه المحقّق في الشرائع بقوله : وفيه رواية اُخرى دالّة على شركتهما في الولاية حتى لا يجوز لهما أن ينفردا عنها بالعقد(2) . وذكر صاحب الجواهر : إنّه لم نعرف له وجهاً سوى دعوى الجمع بين الأدلّة ، ثمّ قال : بل في كشف اللثام(3) أنّ المفيد اقتصر على ذكر الأب فقط(4)(5) .
أقول : ويؤيّده التعبير بالحظّ والنصيب في رواية صفوان المتقدّمة الواردة في الاستشارة ، عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) ، فإنّ هذين التعبيرين في موارد الشركة نوعاً .
هذا ، ولكنّ الجمع العرفي العقلائي ما لا يكون آبياً عنه شيء ومن نصوص الطرفين مع صحتهما وظهور دلالتهما ، وقد عرفت الحال في الروايات ، وأنّ مقتضى القاعدة هو الأخذ بروايات القول الأوّل ، وهي آبية عمّا لا ينافي هذه الروايات ، فتدبّر .
القول الرابع : القول بالاستقلال ، أي استقلال البكر في النكاح الدائم دون المنقطع ، وقد ذكر صاحب الجواهر : أنّه لم نعرف قائله(6) ولا وجهه سوى دعوى
- (1) الاُمّ : 5/19 ، المجموع : 17/302 ، المبسوط للسرخسي : 5/10 ، المغني لابن قدامة : 7/338 ، الشرح الكبير : 7/387 .
- (2) شرائع الإسلام : 2/276 .
- (3) كشف اللثام : 7/79 .
- (4) المقنعة : 510 ـ 511 .
- (5) جواهر الكلام : 29/183 .
- (6) جواهر الكلام : 29/179 .
(الصفحة 101)
ظهور ما دلّ على إسقاط ولايتهما في الدائم .
وأنت خبير ـ مضافاً إلى منع الظهور المزبور خصوصاً بعد كون النكاح في الشريعة على قسمين ـ بورود بعض الروايات المتقدّمة الدالّة على الاستقلال في خصوص المتمتّع . نعم في صحيح أبي مريم ، عن الصادق (عليه السلام) قال : العذراء التي لها أب لا تزوّج متعة إلاّ بإذن أبيها(1) .
ولكنّ النهي فيها محمول على الكراهة بقرينة خبر ابن البختري ، عن الصادق (عليه السلام)في الرجل يتزوّج البكر متعة ، قال : يكره للعيب على أهلها(2) . فإنّ الكراهة في النصوص وإن لم تكن مقابلة للحرمة إلاّ أنّه يستفاد من التعليل في المقام أنّ المراد بها المقابلة للحرمة ، كما لا يخفى .
القول الخامس : عكس القول الرابع ، وقد حكى عن جمع الشيخ في كتابي الاخبار(3) اللذين لم يعدّا للفتوى ، وهذا القول ـ مضافاً إلى مخالفته للاعتبار ـ لأولويّة الدائم من المنقطع في هذه الجهة خصوصاً مع ما فيه من العار والغضاضة . نعم قد وردت في جملة من الروايات(4) التصريح بالاستقلال في المنقطع ، لكن لا يستفاد منها الاختصاص بوجه لو لم نقل بالأولوية المزبورة .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الحقّ مع القول الأوّل ، الذي عرفت أنّه
- (1) التهذيب : 7/254 ح1099 ، الاستبصار : 3/145 ح527 ، الفقيه : 3/293 ح 1394 ، الوسائل : 21/35 ، أبواب المتعة ب11 ح12 .
- (2) التهذيب : 7/255 ح1102 ، الاستبصار : 3/146 ح530 ، الكافي : 5/462 ح 1 ، الفقيه : 3/293 ح 1393 ، الوسائل : 21/34 ، أبواب المتعة ب11 ح10 .
- (3) التهذيب : 7/380 ح 1538 ، الإستبصار : 3/145 ح 527 .
- (4) الوسائل : 21/33 ـ 34 و 36 ، أبواب المتعة ب11 ح6 ، 7 ، 9 و ب12 ح4 .