(الصفحة 176)
فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتهما امرأة أُخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما .
هذا ، وقد يقع الفصل ثالثة بمثل الأكل ونحوه ، وفي هذه الأزمنة بمثل اللّبن الصناعي ، وهذا الفصل لا يقدح . وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر(1) بل ادّعى الوضوح ، واستظهر من المسالك(2) وغيره(3) المفروغيّة منه ، وهو الظاهر من اعتبار عدد خاصّ وهو الخمس عشرة بعد جعل الزمان أيضاً حدّاً ، ولكن مع ذلك فقد استشكل فيه في الجواهر بناءً على كون العدد كاشفاً عن الإنبات فيما لو كان الفصل بالأكل ونحوه على وجه يعلم عدم تأثير العدد في الإنبات ، ثمّ قال : اللّهم إلاّ أن يُقال : إنّ العدد المزبور كاشف شرعاً وهو أدرى به ، ويمكن أن يكون قد لاحظ الشارع الكشف في أغلب أفراده وجعلها علامة دائماً محافظة على ضبط الشرع .
الأمر الثالث : أن يكون كمال العدد من امرأة واحدة ، وقد عرفت أنّه قد خالف في ذلك العامّة ، فلم يعتبروا اتّحاد المرضعة بل اتّحاد الفحل ، هذا وصريح ذيل موثّقة زياد بن سوقة من التفريع الذي أورده الإمام (عليه السلام) يدلّ على اعتبار اتّحاد المرضعة ، وقد ناقش صاحب المدارك في اعتبارها نظراً إلى عدم صحّتها ، ولكن قد ذكرنا في الأصول أنّ الموثّقة أيضاً حجّة مع اعتضادها بفتوى الأصحاب قديماً وحديثاً(4) ، وقد صرّح المحقّق في الشرائع بأنّه لا يصير صاحب اللّبن مع اختلاف المرضعات أباً
- (1) جواهر الكلام : 29/293 .
- (2) مسالك الأفهام : 7/228 .
- (3) السرائر : 2/520 ، جامع المقاصد : 12/220 ، رياض المسائل : 6/437 .
- (4) تذكرة الفقهاء : 2/620 ، جامع المقاصد : 12/220 ، الروضة البهيّة : 5/157 ، الحدائق الناضرة : 23/357 .
(الصفحة 177)
ولا أبوه جدّاً ولا المرضعات اُمّاً(1) .
ولكن المحكي عن بعض العامّة بعد اعتبار كون اللّبن لفحل واحد أنّه لا تُلازم بين الاُبوّة والأُمومة ، فيمكن تحقّق كلّ منهما بدون الآخر كما في النسب(2) . وحينئذ فلو فرض كون المرتضع زوجة صغيرة لصاحب اللّبن انفسخ نكاحها دونهنّ ، ولكن يحرمن عليه لو كان ذكراً ، لأنّهنّ موطوءات أبيه لا لكونهنّ أُمّهات له كغيرهنّ ممّن وطء أبوه ، وإن لم يكن قد رضع منهنّ إذ الفرض عدم رضاعه من واحدة منهنّ ما تستحقّ به ذلك وهو واضح ، ولكن فيه ما عرفت .
الأمر الرابع : اتّحاد الفحل ، بأن يكون تمام العدد من لبن فحل واحد ، وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر ، بل ذكر أنّ الإجماع(3) بقسميه عليه(4) . وقد عرفت أنّ العامّة مع عدم اعتبار المرضعة الواحدة اعتبروا اتّحاد الفحل; وفرَّع على هذا الشرط المحقّق في الشرائع قوله : فلو أرضعت بلبن فحل واحد مائة حرم بعضهم على بعض . وكذا لو نكح الفحل عشراً وأرضعت كلّ واحدة واحداً أو أكثر حرم التناكح بينهم جميعاً(5) .
هذا ، ويدلّ على ذلك مضافاً إلى الموثّقة المزبورة صحيحة عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن لبن الفحل؟ قال : هو ما أرضعت امرأتك من
- (1) شرائع الإسلام : 2/283 .
- (2) المغني لابن قدامة : 9/207 ، العزيز شرح الوجيز : 9/569 ـ 570 ، روضة الطالبين : 7/456 .
- (3) تذكرة الفقهاء : 2/621 .
- (4) جواهر الكلام : 29/301 .
- (5) شرائع الإسلام : 2/284 .
(الصفحة 178)
لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام(1) . والسؤال يدلّ على المفروعيّة عند السائل .
ورواية سماعة المضمرة قال : سألته عن رجل كان له امرأتان فولدت كلّ واحدة منهما غلاماً ، فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جارية من عرض الناس ، أينبغي لإبنه أن يتزوّج بهذه الجارية؟ قال : لا; لأنّها أرضعت بلبن الشيخ(2) .
ورواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وفي سندها سهل بن زياد ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة أرضعت جارية ولزوجها ابن من غيرها ، أيحلّ للغلام ابن زوجها أن يتزوّج الجارية الّتي أرضعت؟ فقال : اللّبن للفحل(3) .
ورواية مالك بن عطيّة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يتزوّج المرأة فتلد منه ثمّ ترضع من لبنه جارية ، أيصلح لولده من غيرها أن يتزوّج تلك الجارية الّتي أرضعتها؟ قال : لا ، هي بمنزلة الأخت من الرضاعة لأنّ اللّبن لفحل واحد(4) .
وصحيحة صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث قال : قلت له : أرضعت أمّي جارية بلبني ، فقال : هي أختك من الرضاعة ، قلت : فتحلّ لأخ لي من أُمّي لم ترضعها اُمّي بلبنه ـ يعني ليس بهذا البطن ولكن ببطن آخر ـ قال : والفحل واحد؟ قلت : نعم هو أخي (هي اُختي خ . ل) لأبي وأمّي ، قال : اللّبن
- (1) الكافي : 5/440 ح1 و3 ، التهذيب : 7/319 ح1316 ، الاستبصار : 3/199 ح719 ، الوسائل : 20/389 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح4 .
- (2) الكافي : 5/440 ح2 ، التهذيب : 7/319 ح 1317 ، الإستبصار : 3/299 ح 720 ، الوسائل : 20/390 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح6 .
- (3) الكافي: 5/440 ح4 ، قرب الإسناد : 369 ح 1323 ، الوسائل : 20/390 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح7 .
- (4) الفقيه : 3/306 ح1473 ، الوسائل : 20/393 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح13 .
(الصفحة 179)مسألة 6 : ما ذكرنا من الشروط شروط لناشرية الرضاع للحرمة ، فلو انتفى بعضها لا أثر له وليس بناشر لها أصلا حتّى بين الفحل والمرتضعة ، وكذا بين المرتضع والمرتضعة فضلا عن الأصول والفروع والحواشي ، وفي الرضاع شرط آخر زائد على ما مرّ مختصّ بنشر الحرمة بين المرتضعين وبين أحدهما وفروع الآخر ، وبعبارة اُخرى شرط لتحقّق الأخوّة الرضاعيّة بين المرتضعين ، وهو اتّحاد الفحل الّذي ارتضع المرتضعان من لبنه ، فلو ارتضع صبيّ من امرأة من لبن شخص رضاعاً كاملا وارتضعت صبيّة من تلك المرأة من لبن شخص آخر كذلك ، بأن طلّقها الأوّل وزوّجها الثاني وصارت ذات لبن منه فأرضعتها
للفحل صار أبوك أباها وأمّك أمّها(1) . إلى غير ذلك من النصوص والروايات الدّالة عليه .
لكن في مقابلها رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل تزوّج امرأة فولدت منه جارية ثمّ ماتت المرأة فتزوّج أُخرى فولدت منه ولداً ، ثمّ إنّها أرضعت من لبنها غلاماً ، أيحلّ لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوّج إبنة المرأة الّتي كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة؟ فقال : ما أحبّ أن يتزوّج إبنة فحل قد رضع من لبنه(2) نظراً إلى أنّ نفي المحبّة لا دلالة له على عدم الحُرمة وليس صريحاً فيه ، خصوصاً مع دلالة الروايات المتقدّمة المتكثّرة الموافقة للفتاوى وعمومات الرضاع على الحرمة ، فاللاّزم الأخذ بتلك الروايات ولو فرضت المعارضة ، كما لا يخفى .
- (1) الكافي : 5/439 ح7 ، التهذيب : 7/322 ح 1328 ، المقنع : 333 ، الوسائل 20/395 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب8 ح3 .
- (2) الكافي : 5/440 ح5 ، التهذيب : 7/319 ح1318 ، الاستبصار : 3/199 ح721 ، المقنع : 331 ، الوسائل : 20/389 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح5 .
(الصفحة 180)رضاعاً كاملا لم تحرم الصبيّة على ذلك الصّبي ولا فروع أحدهما على الآخر ، بخلاف ما إذا كان الفحل وصاحب اللّبن واحداً وتعدّدت المرضعة ، كما إذا كانت لشخص نسوة متعدّدة وأرضعت كلّ واحدة منهنّ من لبنه طفلا رضاعاً كاملا ، فإنّه يحرم بعضهم على بعض وعلى فروعه; لحصول الأخوّة الرضاعيّة بينهم1.
1 ـ لازم ما ذكر من الشروط لناشريّة الرضاع للحرمة أنّه مع انتفاء بعضها لا يتحقّق الرضاع المحرّم ، فلا يصير صاحب اللّبن وهو الفحل أباً ولا المُرضعة أُمّاً ولا المرتضع ولداً فضلا عن الفروع والحواشي ، لكن هنا شرط زائد مختصّ بنشر الحرمة بين المرتضعين وبين أحدهما وفروع اُخر; وبعبارة أُخرى شرط لتحقّق الأخوّة الرضاعيّة بين المرتضعين ، وهو اتّحاد الفحل الّذي ارتضع المرتضعان من لبنه ، فلا يتحقّق التحريم في الفرع الذي أفاده الماتن(قدس سره) على المشهور بين الأصحاب(1) شهرة محقّقة عظيمة .
ويدلّ عليه صحيحة بريد العجلي في حديث قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فسّر لي ذلك ، فقال : كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أُخرى من جارية أو غلام فذلك الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) . وكلّ امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية أو غلام ، فإنّ ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وإنّما هو نسب (سبب ظـ) ناحية الصّهر رضاع ولا يحرّم
- (1) جامع المقاصد : 12/223 ، الروضة البهية : 5/164 ـ 165 ، مسالك الأفهام : 7/237 ، الحدائق الناضرة : 23/368 ، جواهر الكلام : 29/303 .