(الصفحة 190)
أرضعت بعض ولدي هل يجوز لي أن أتزوّج بعض ولدها؟ فكتب (عليه السلام) : لا يجوز ذلك لك لأنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك(1) .
ورواية عبدالله بن جعفر قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) : امرأة أرضعت ولد الرجل هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوّج إبنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقَّع (عليه السلام) : لا تحلّ له(2) . وغير ذلك من الروايات الواردة(3) .
ومع وجود الروايات الصحيحة في هذا المجال لا يبقى محلّ لِما حكي عن المبسوط(4) والقاضي(5) وابن فهد(6) والآبي(7) من الحلّ ، بل اللاّزم الالتزام بالحرمة وعدم الجواز ، ولو فرض أنّه على خلاف القاعدة وعلى خلاف الحصر المستفاد من قوله (صلى الله عليه وآله) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب(8) على فرض دلالته على الحصر على تأمّل .
الجهة الثانية : في أنّه هل يجوز أن ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللّبن رضاعاً ، وقد احتاط الماتن وجوباً بعدم الجواز ، وربّما يدلّ عليه صحيحة
- (1) التهذيب : 7/321 ح1324 ، الاستبصار : 3/201 ح727 ، الفقيه : 3/306 ح 1470 ، الوسائل : 20/404 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب16 ح1 .
- (2) الكافي : 5/447 ح18 ، الفقيه : 3/306 ح 1471 ، الوسائل : 20/404 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب16 ح2 .
- (3) الوسائل : 20/420 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، ب13 ، مستدرك الوسائل : 14/372 ـ 373 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب8 و 9 .
- (4) المبسوط : 5/292 و305 .
- (5) المهذّب : 2/191 .
- (6) انظر المهذّب البارع : 3/245 .
- (7) كشف الرموز : 2/126 ـ 127 .
- (8) الفقيه : 2/305 ح467 ، الوسائل : 20/371 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب1 ح1 .
(الصفحة 191)
علي ابن مهزيار المتقدّمة باعتبار الإتّكال على اتّحاد لبن الفحل ، مع أنّ هذا إنّما يتحقّق بالنسبة إلى الولد الرضاعي لا النسبي الّذي ربّما لا يأكل من هذا اللّبن شيئاً .
الجهة الثالثة : في أنّه لا يجوز أن ينكح أبو المرتضع في أولاد المرضعة نسباً لا رضاعاً ، والدليل عليه جملة من الروايات المتقدّمة معلّلا في بعضها بأنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك ، ومنه تنشأ المسألة المعروفة بين عموم الناس العوام والخواصّ من أنّه لو أرضعت اُمّ الزّوجة الولد الصغير لصهرها من هذه الزوجة يوجب ذلك حرمة الزوجة على هذا الصهر دائماً ، لكن هذا بالإضافة إلى الولد النسبي منها ، وأمّا الولد الرضاعي فلا يوجب تحقّق التحريم بعد اعتبار اتّحاد الفحل ، كما عرفت(1) .
الجهة الرابعة : في أنّه هل يجوز أن ينكح أولاد أبو المرتضع في أولاد صاحب اللّبن ، وكذا المرضعة مع عدم ارتضاعهم من هذا اللّبن؟ فالمحكي عن الشيخ في الخلاف والنهاية عدم الجواز ، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه(2) . ولكن قال المحقّق في الشرائع : الوجه الجواز(3) . وقال في الجواهر بعده : وفاقاً للمحكي عن الأكثر(4) .
بل حكي عن الشيخ الجواز في المبسوط(5) المتأخّر عنهما ، كما أنّه حكي
- (1) في ص180 ـ 183 .
- (2) الخلاف : 4/302 ، النهاية : 462 .
- (3) شرائع الإسلام : 2/285 .
- (4) جواهر الكلام : 29/316 .
- (5) المبسوط : 4/204 ـ 205 وج 5/292 ـ 293 و305 ، وفي صحّة هذا الإسناد إليه نظر ، فتأمّل .
(الصفحة 192)
عن الشهيد في بعض تحقيقاته القول بالحُرمة(1) . لكنّه رجع عنه وقطع بالجواز في اللّمعة(2) الّتي هي آخر ما صنّفه ، وما يمكن أن يكون وجهاً لعدم الجواز التعبير الواقع في صحيحة ابن مهزيار المتقدّمة «وكنّ في موضع بناتك» فتخيّل أنّه إذا كنّ كذلك تصير سائر أولادهما أخوة ولده وهم محرّمون ، خصوصاً مع أنّ الأخوّة في النسب منحصرون في الأولاد والربائب ، فيُحرمون في الرضاع .
ولكنّه أجاب عنه في الجواهر بأنّ المنساق من كلّ علّة لحكم أنّه علّة للحكم الّذي سيقت له ، على أنّ منصوص العلّة بناء على حجيّته في غير محلّ العلّة ، يُراد منه تسرية الحكم في كلّ موضوع وجدت فيه العلّة ، نحو «حرمت الخمر لإسكاره» المقتضي لحرمة كلّ مسكر ، ومقتضى ذلك الحرمة في كلّما صاروا في حكم ولده ، لا الحرمة بالنسبة إلى أولاده ، ضرورة عدم كون ذلك من مفاد العلّة ، بل هو قسم من مستنبط العلّة ، بتقريب أنّهم إذا صاروا بحكم ولده استلزم ذلك صيرورة ولده إخوة لهم ، فيحرم نكاحهم فيهم .
والتعدّي بالنحو الذي ذكروه يستلزم التحريم بالرضاع لكلّ امرأة صارت بمنزلة امرأة محرّمة نسباً أو مصاهرة وإن لم يوجد سببها ، فتحرم أمّ المرضعة على أب المرتضع; لصيرورتها بمنزلة أمّ الزوجة باعتبار كونها جدّة ولده ، بل ربّما صرّح بعض هؤلاء بحرمة أختها عليه(3) وهو كما ترى .
- (1) لم نعثر عليه ، وقال في الجواهر : 29/317 «إنّا لم نتحقّقه» .
- (2) اللّمعة الدمشقيّة : 112 .
- (3) جواهر الكلام : 29/317 .
(الصفحة 193)مسألة 13 : إذا أرضعت امرأة ابن شخص بلبن فحلها ثمّ أرضعت بنت شخص آخر من لبن ذلك الفحل فتلك البنت وإن حرمت على ذلك الإبن لكن تحلّ أخوات كلّ منهما لإخوة الآخر1.مسألة ـ 14 : الرضاع المحرّم كما يمنع من النكاح لو كان سابقاً يبطله لو حصل لاحقاً ، فلو كانت له زوجة صغيرة فأرضعتها بنته أو أُمّه أو أُخته أو بنت أخيه أو بنت أخته أو زوجة أخيه بلبنه رضاعاً كاملا بطل نكاحها وحرمت عليه; لصيرورتها بالرضاع بنتاً أو أُختاً أو بنت أخ أو بنت أخت له ، فحرمت عليه لاحقاً كما كانت تحرم عليه سابقاً ، وكذا لو كانت له زوجتان صغيرة وكبيرة
1 ـ أقول : أمّا تحقّق الحرمة بين الإبن والبنت الرّضاعيين فلما عرفت من اعتبار اتّحاد الفحل في تلك المسألة ، وهو موجود في المقام ، كما هو المفروض لفرض كون كلا الرضاعين بلبن فحل واحد ، وقد مرّ البحث في ذلك فراجع(1) .
وأمّا عدم حرمة أخوات كلّ منهما على إخوة الآخر فلأنّ المحرّم في النسب ليس هو أخ الأخت أو أخت الأخ ، فإنّه إذا تزوّج رجل له ابن من امرأة ، امرأة أخرى لها ابنة من رجل آخر مات أو طلّقها لا مانع هناك من تزويج الإبن مع الإبنة; لعدم ارتباط بينهما أصلا لا من حيث الوالد ولا الوالدة; غاية الأمر أنّه إذا حصل منهما ولد كان هناك أخوّة في البين من جهة الأب في طرف ومن جهة الأمّ من طرف آخر ، ولا يجوز للولد الثالث النكاح مع أحد الأوّلين ، فإذا كان الأمر في الأخوّة النسبيّة على هذا المنوال ففي الرضاعي المفروض في المقام بطريق أولى ، فلا وجه لحرمة أخوات كلّ منهما على إخوة الآخر بوجه .
(الصفحة 194)فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت عليه الكبيرة; لأنّها صارت أمّ زوجته ، وكذلك الصغيرة إن كانت رضاعها من لبنه أو دخل بالكبيرة; لكونها بنتاً له في الأوّل وبنت زوجته المدخول بها في الثاني . نعم ينفسخ عقدها وإن لم يكن الرضاع من لبنه ولم يدخل بالكبيرة وإن لم تحرم عليه1.
1 ـ قال في الجواهر : لا إشكال ولا خلاف في أنّ الرضاع المحرّم يمنع من النكاح سابقاً ويبطله لاحقاً; للقطع بعدم الفرق بين الابتداء والاستدامة في ذلك ، كما تطابقت عليه النصوص(1) والفتاوى من الخاصّة(2) بل والعامة(3)(4) .
أقول : وقد فرّع عليه في المتن صورتين :
الأولى : ما إذا كانت له زوجة صغيرة فأرضعتها بنته أو أمّه أو أخته أو بنت أخيه أو بنت أخته أو زوجته بلبنه رضاعاً كاملا محرّماً ، فإنّه يبطل في هذه الصورة نكاح تلك الزوجة الصغيرة وتحرم عليه أبداً; لصيرورتها بالرضاع بنتاً أو أختاً أو بنت أخ أو بنت أخت له ، وهذه العناوين محرّمة في باب النسب ، وفي المقام الرضاع يوجب التحريم وإن كان لاحقاً على العقد; لأنّ المفروض كونها زوجة قبل الرضاع المحرّم .
الثانية : ما لو كانت له زوجتان كبيرة وصغيرة رضيعة ، فأرضعت الكبيرة
- (1) الوسائل : 20/371 و399 و 402 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 و10 و14 .
- (2) جامع المقاصد : 2/233 ، الروضة البهيّة : 5/172 ـ 173 ، مسالك الأفهام : 7/257 .
- (3) الأم : 5/34 ، المغني لابن قدامة : 9/210 ـ 214 ، الشرح الكبير : 9/206 ، المجموع : 19/336 ـ 337 ، بدائع الصنائع : 3/410 ، العزيز شرح الوجيز : 9/583 ، ولكن وإن لم يصرّح بعضهم بأنّ الرضاع اللاّحق محرّم كالسابق ، إلاّ أنّ التزامهم بذلك يثبت حكمهم بانفساخ النكاح بالرضاع اللاحق في موارد متعدّدة .
- (4) جواهر الكلام : 29/324 .