(الصفحة 276)
عن الالتزام بحجّيته فيما إذا كان الدليل في مقام بيان الحدّ .
هذا ، مضافاً إلى دلالة روايات كثيرة عليه ، مثل :
صحيحة جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل تزوّج خمساً في عقدة ، قال : يخلّي سبيل أيتهنّ شاء ويمسك الأربع(1) .
وموثّقة عقبة بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في مجوسيّ أسلم وله سبع نسوة وأسلمن معه كيف يصنع؟ قال : يمسك أربعاً ويطلّق ثلاثاً(2) .
قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية : أقول : قوله : «يطلق» مخففّة من الإطلاق أو مشدّدة ، والطلاق لغوي لا شرعي إلى آخره .
وجملة من الروايات الدالّة على أنّه ليس لمن كانت له أربع نسوة فطلّق واحدة منهنّ أن يزوّج مكانها اُخرى ما دام لم تنقض عدّة المطلّقة ، معلّلة في بعضها بأنّه لا يجمع ماءه في خمس ، مثل :
ما رواه زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا جمع الرجل أربعاً وطلّق إحداهنّ فلا يتزوّج الخامسة حتّى تنقضي عدّة المرأة التي طلّق ، وقال : لا يجمع ماءه في خمس(3) فإنّ التعليل في هذه الرواية الصحيحة تدلّ على عدم جواز الجمع في التزويج بين أزيد من الأربع ، كما أنّه تدلّ على أنّ المراد من العدّة هي عدّة الرجعية التي يجوز للزوج فيها الرجوع .
ودعوى أنّ مقتضى التعليل هو عدم جواز وطء الخامسة لا تزويجها وسائر الاستمتاعات مدفوعة ، بأنّ المتفاهم العرفي خلاف ذلك ، مضافاً إلى دلالة
- (1) الكافي: 5/430 ح5، التهذيب: 7/295 ح1237،الوسائل: 20/522، أبواب مايحرم باستيفاءالعدد ب4 ح1.
- (2) الكافي: 5/436 ح7، التهذيب: 7/295 ح1238، الوسائل: 20/524، أبواب مايحرم باستيفاءالعدد ب6 ح1.
- (3) الكافي: 5/429 ح1، التهذيب: 7/294 ح1233، الوسائل: 20/518، أبواب مايحرم باستيفاءالعدد ب2 ح1.
(الصفحة 277)مسألة 11 : لو كانت عنده أربع فماتت إحداهنّ يجوز له تزويج اُخرى في الحال ، وكذا لو فارق إحداهنّ بالفسخ أو الإنفساخ أو بالطلاق البائن ، وأولى بذلك ما إذا لم تكن لها عدّة كغير المدخول بها واليائسة ، وأمّا إذا طلّقها بالطلاق
الروايات(1) الاُخر على أنّ المنهيّ عنه هو نكاح الخامسة ولو لم يدخل بها أصلاً ، هذا كلّه بالإضافة إلى النكاح الدائم .
وأمّا في المنقطعة فيجوز الجمع كما شاء خاصّة ومع دائميات .
ويدلّ عليه مضافاً إلى وضوح الحكم عند المتشرّعة صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المتعة؟ فقال : إلق عبد الملك بن جريج فسله عنها ـ إلى أن قال : ـ وكان فيما روى لي فيها ابن جريج أنّه ليس فيها وقت ولا عدد ، إنّما هي بمنزلة الإماء يتزوّج منهنّ كم شاء(2) .
وكذلك يدلّ عليه جملة من الروايات(3) الدالّة على أنّها ليست من الأربع وانّما هي مستأجرة ، لكن في مقابل هذه الطائفة روايات اُخرى دالّة على أنّها من الأربع ، مثل :
موثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن المتعة ، فقال : هي أحد الأربعة(4) . لكنّها لا تصلح للمعارضة ، خصوصاً بعد التصريح بأنّها ليست من الأربع ولا من السبعين(5) . فاللازم حمل الموثقة على الاحتياط ، فتدبّر .
- (1) الوسائل : 20/519 ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب3 .
- (2) الكافي : 5/451 ح6 ، الوسائل : 21/19 ، أبواب المتعة ب4 ح8 .
- (3) الوسائل : 21/18 ، أبواب المتعة ، ب4 .
- (4) التهذيب : 7/259 ح1122 ، الإستبصار : 3/147 ح540 ، الوسائل : 21/20 ، أبواب المتعة ب4 ح10 .
- (5) الكافي : 5/451 ح4 ، الوسائل : 21/19 ، أبواب المتعة ب4 ح7 .
(الصفحة 278)الرجعي فلا يجوز له تزويج اُخرى إلاّ بعد انقضاء عدّة الاُولى1.
1 ـ إذا كانت عنده أربع فطلّق إحداهنّ بالطلاق الرجعي فلا يجوز للزوج أن يتزوّج اُخرى إلاّ بعد انقضاء عدّة الرجعية وعدم الرجوع فيها; لأنّ المطلّقة الرجعية زوجة أو بحكمها ، وقد مرّ أنّه لا يجوز له الزيادة على أربع ، ويدلّ عليه أيضاً روايات ، مثل :
رواية محمد بن قيس قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في رجل كانت تحته أربع نسوة فطلّق واحدة ثمّ نكح اُخرى قبل أن تستكمل المطلّقة العدّة قال : فليلحقها بأهلها حتّى تستكمل المطلّقة أجلها وتستقبل الاُخرى عدّة اُخرى ، ولها صداقها إن كان دخل بها وإن لم يكن دخل بها فله ماله ولا عدّة عليها ، ثمّ إن شاء أهلها بعد انقضاء العدّة زوّجوه وإن شاؤوا لم يزوّجوه(1) .
وصحيحة زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم المتقدّمة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا جمع الرجل أربعاً وطلّق إحداهنّ فلا يتزوّج الخامسة حتى تنقضي عدّة المرأة التي طلّق ، وقال : لا يجمع ماءه في خمس . وغير ذلك من الروايات .
وهذا بالإضافة إلى الطلاق الرجعي مسلّم لا ريب فيه ، وأمّا بالنسبة إلى الطلاق البائن المشتمل على العدّة كطلاق الخلع والمباراة ففي الجواز قبل الخروج عن العدّة قولان ، المشهور على الجواز(2) لانقطاع العصمة بينه وبينها; لأنّ المفروض عدم جواز الرجوع ، وربّما قيل بوجوب الصبر إلى انقضاء عدّتها عملاً بإطلاق جملة من الأخبار; لعدم ورود التقييد بالطلاق الرجعي فيها .
- (1) الكافي : 5/430 ح3 ، التهذيب : 7/294 ح1235 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 126 ح323 ، الوسائل : 20/519 ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب3 ح1 .
- (2) الروضة البهية: 5/210، مسالك الأفهام : 7/350 ، نهاية المرام : 1/178 ، الحدائق الناضرة : 23/227 ـ 229.
(الصفحة 279)
وذكر السيّد في العروة : إنّ الأقوى المشهور ، والاخبار محمولة على الكراهة(1) .وذكر بعض الأعلام(قدس سره) في شرحها : إنّ الصحيح هو القول بالإطلاق ، قال على ما في تقريراته : دعوى أنّ التقييد مستفاد من إجماع الأصحاب على اختصاص الحكم بالطلاق رجعيّاً يدفعها أنّ ثبوته أوّل الكلام ، فقد ذهب جملة منهم كالمفيد(2) على ما نسب إليه في الحدائق(3) والشيخ(4) على ما نسب إليه في كشف اللثام(5) إلى الحرمة مطلقاً ، إذن فلا يبقى موجب لرفع اليد عن إطلاق تلك النصوص وتقييدها بالرجعي(6) .
نعم ربما يدّعى استفادة ذلك من موثقة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل طلّق امرأة أو اختلعت أو بانت أله أن يتزوّج باُختها؟ قال : فقال : إذا برئت عصمتها ولم يكن عليها رجعة فله أن يخطب اُختها(7) ومثلها من الروايات . بتقريب أنّ جوابه (عليه السلام) إنّما يدلّ على كون المانع من التزويج بالاُخت في الطلاق الرجعي هو بقاء العصمة وإمكان الرجوع ، فتدلّ على المنع في المقام مع عدم بقاء العصمة وجواز الرجوع ، وأمّا مع البقاء وعدم إمكان الرجوع فأيّ مانع في البين ، فيختصّ عدم الجواز بما إذا كان الطلاق رجعيّاً .
- (1) العروة الوثقى : 2/816 .
- (2) المقنعة : 501 .
- (3) الحدائق الناضرة : 23/627 .
- (4) التهذيب : 7/294 ذيل حديث 1232 .
- (5) كشف اللثام : 7/213 .
- (6) مستند العروة الوثقى ، كتاب النكاح : 1/196 ـ 197 .
- (7) الكافي : 5/432 ح7 ، التهذيب : 7/286 ح1206 ، الإستبصار : 3/169 ح619 ، الوسائل : 22/270 ، أبواب العدد ب48 ح2 .
(الصفحة 280)مسألة 12 : لو طلّق الرجل زوجته الحرّة ثلاث طلقات لم يتخلّل بينها نكاح رجل آخر حرمت عليه ، ولا يجوز له نكاحها حتّى تنكح زوجاً غيره بالشروط الآتية في كتاب الطلاق ، ولو طلّقها تسعاً للعدّة بتخلّل محلّلين في البين بأن نكحت بغير المطلِّق بعد الثلاثة الاُولى والثانية حرمت عليه أبداً ، وكيفيّة وقوع تسع طلقات للعدّة أن يطلّقها بالشرائط ثم يراجعها في العدّة ويطأها ، ثم يطلّقها في طهر آخر ثم يراجعها ثم يطأ ثمّ يطلقها الثالثة ، ثم ينكحها بعد عدّتها زوج آخر ثمّ يفارقها بعد أن يطأها ، ثم يتزوّجها الأوّل بعد عدّتها ، ثم يوقع عليها
واُجيب عن هذه الدّعوى بأنّ مورد هذه الرواية ومثلها أجنبيّ عن المقام ، فإنّ موردها صورة طلاق الاُخت وإرادة التزويج بالاُخت الاُخرى من جهة الجمع بين الاُختين الممنوع عنه كتاباً وسنّةً ، وأين ذلك من محلّ كلامنا والتزوّج بالخامسة في أثناء عدّة المطلّقة بائناً ، فإنّ ذلك من التعدّي عن مورد الحكم التعبّدي وقياس واضح .
وأنت خبير بأنّه من المستبعد جدّاً الفرق بين الطلاق البائن الذي فيه عدّة ، وبين الطلاق الذي لا عدّة فيه أصلاً كغير المدخول بها واليائسة ، ومن المستبعد جدّاً أن تكون العدّة التي لا يكون للزوج فيها الرجوع مطلقاً كالعدّة في الطلاق الثالث مانعة من التزويج بالخامسة ، خصوصاً مع عدم اجتماع مائه في خمس ، كما علّل به في بعض الروايات المتقدّمة ، وإن لا يكون للمشهور مستند في فتواهم ، أنّه يستفاد من مثل الرواية المتقدّمة ـ وإن كانت واردة في مسألة الاُختين ـ الملاك الكلّي من دون فرق بين المقام وبين مسألة الاُختين ، وهذا لا يكون قياساً بل تعميماً للعلّة المخصوصة لمثل المقام ، فالذي يترجّح في النظر ما قاله المشهور كما لا يخفى ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط لكثرة الروايات المطلقة ، فراجع .