(الصفحة 282)
(الصفحة 283)
القول في الكفر
لا يجوز للمسلمة أن تنكح كافراً دواماً وانقطاعاً ، سواء كان أصلياً حربياً أو كتابيّاً أو كان مرتدّاً عن فطرة أو عن ملّة ، وكذا لا يجوز للمسلم تزويج غير الكتابية من أصناف الكفّار ولا المرتدّة عن فطرة أو عن ملّة ، وأمّا الكتابية من اليهودية والنصرانية ففيه أقوال ، أشهرها(1) المنع في النكاح الدائم والجواز في المنقطع ، وقيل : بالمنع مطلقاً وقيل : بالجواز كذلك ، والأقوى الجواز في المنقطع ، وأمّا في الدائم فالأحوط المنع1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :
الأوّل : أنّه لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر مطلقاً دواماً أو انقطاعاً أصلياً كان أو مرتدّاً ، حربياً أو كتابياً ، عن فطرة أو عن ملّة ، والدليل عليه كونه أمراً ضروريّاً بين فقهاء المسلمين ، ولو لم يكن ضروري الإسلام فلا أقل من كونه من ضرورة الفقه في الجملة ، وهذا من دون فرق بين الدوام والانقطاع وبين الكافر الأصلي ،
- (1) الكافي في الفقه : 299 ، شرائع الإسلام : 2/294 ، الروضة البهية : 5/228 ، الحدائق الناضرة : 24/5 .
(الصفحة 284)
سواء كان حربيّاً أو كتابياً وبين الارتداد على ما يأتي إن شاء الله تعالى(1) .
الثاني : عكس ذلك من نكاح المسلم الكافرة ، فقد ذكر المحقّق في الشرائع : أنّه لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية إجماعاً(2)(3) . وقال بعده في الجواهر : من المسلمين فضلاً عن المؤمنين كتاباً وسنّة(4) .
نعم ، فيما إذا أراد الزوج المسلم ـ أي المسلم الذي يريد أن يتزوّج ـ التزويج بالكتابية من اليهودية والنصرانية ففيه أقوال : أشهرها عملاً بين المتأخّرين المنع في النكاح الدائم والجواز في المؤجل جمعاً بين الدليلين ، وقيل : بالمنع مطلقاً ، وقيل : بالجواز كذلك ، وقوّى في المتن الجواز في المنقطع واحتاط وجوباً بالمنع في الدائم ، ولابدّ من ملاحظة الأدلّة .
منها : قوله تعالى :
{ وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلاََمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكَة وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ـ إلى أن قال : ـ
اُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ واللّهُ يَدعُوا إِلَى الجَنَّةِ وَالمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} الآية(5) .
وذكر صاحب الجواهر : أنّه لا ريب في دلالة الآية على منع النكاح مطلقاً; لأنّ تعليق النهي على الغاية التي هي الايمان يدلّ على اشتراطه في النكاح ، بل تعقيب النهي بما ذكر يقتضي كونه علّة للمنع ، فانّ الزوجين ربما أخذ أحدهما من دين صاحبه ، فيدعو ذلك إلى دخول النار ، وهذا المعنى مطرد في جميع أقسام الكفر ، ولا
- (1) في ص296 ـ 298 .
- (2) الخلاف : 4/311 ، الكافي في الفقه : 286 ، الروضة البهية : 5/228 ، الحدائق الناضرة : 24/3 .
- (3) شرائع الإسلام : 2/294 .
- (4) جواهر الكلام : 30/27 .
- (5) سورة البقرة : 2/221 .
(الصفحة 285)
اختصاص له بالشرك(1) . مع أنّه هنا آيات ظاهرة في شرك اليهود والنصارى ، مثل : قوله تعالى :
{ وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللّهِ}(2) وقال أيضاً :
{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِن دُونُ اللّهِ والمَسِيحَ ـ إلى أن قال : ـ
سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(3) .
ومنها : قوله تعالى أيضاً :
{وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الُمحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِن مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِن فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ واللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم بَعْضُكُم مِن بَعْض فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ}(4) .
وذكر صاحب الجواهر أيضاً : أنّ الآية دالّة على المنع المطلق أيضاً ، فانّه إنّما جوّز نكاح الأمة إن لم يقدر على الحرّة المؤمنة ، فلو جاز نكاح الكافرة لزم جواز نكاح الأمة مع الحرّة الكافرة ، ولم يقل به أحد ، مع أنّ توصيف الفتيات بالمؤمنات يقتضي أن لا يجوز نكاح الكافرة من الفتيات مع إنتفاء الطول ، وليس إلاّ لامتناع نكاحها مطلقاً ، للإجماع على انتفاء الخصوصية بهذا الوجه(5) ولأنّ المنع عنها مع انتفاء الطول يقتضي المنع معه بطريق أولى .
ويؤيّده ما في المحكيّ عن نوادر الراوندي باسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال عليّ (عليه السلام): ولايجوز للمسلم التزوّج بالأمة اليهودية ولا النصرانية،
- (1) جواهر الكلام : 30/28 .
- (2 ، 3) سورة التوبة : 9/30 و31.
- (4) سورة النساء : 4/25 .
- (5) الخلاف : 4/311 ، الروضة البهية : 5/228 .
(الصفحة 286)
لأنّ الله تعالى يقول :
{ مِن فَتَياتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ}(1) (2) .
ومنها : قوله تعالى :
{ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ}(3) والعصم جمع عصمة وهي ما يعتصم به من عقد أو ملك; لأنّ المرأة بالنكاح تعصم من غير زوجها . والكوافر جمع الكافرة ، أي النساء المتصفات بالكفر ، والمراد نهي المؤمنين التابعين للإسلام والقرآن عن المقام على نكاح الكافرات ، لانقطاع العصمة بينهما بالإسلام ، وقد روي أنّها لمّا نزلت أطلق المسلمون نسائهم اللاتي لم يهاجرن حتى تزوّج بهنّ الكفّار(4) .
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) : من كانت عنده امرأة كافرة ـ يعني على غير ملّة الإسلام ـ وهو على ملّة الإسلام فليعرض عليها الإسلام ، فإن قلبت فهي امرأته وإلاّ فهي بريئة منه ، فنهى الله أن يمسك بعصمهم(5) . والظاهر أولوية النكاح السابق عن اللاحق لو لم نقل بشمول الآية لهما معاً .
هذا ، ويرد على استفادة المنع المطلق من الآية الشريفة الاُولى كما أفاده صاحب الجواهر(6) أنّ المنهيّ عنه فيها هو نكاح المشركات لا ما يعمّ الكتابيات ، والتعبير بالايمان في مقابل الشرك لا دلالة له على التعميم ، وذيل الآية لا يكون بمنزلة العلّة للحكم ، وإلاّ لكان اللازم استفادة حرمة نكاح الشيعة مع امرأة سنّية غير شيعية ،
- (1) نوادر الراوندي : 48 ، البحار : 103/380 ح20 .
- (2) جواهر الكلام : 30/28 ـ 29 .
- (3) سورة الممتحنة : 60/10 .
- (4) مجمع البيان : 9/405 ، ذيل الآية 10 من سورة الممتحنة : 60/10 .
- (5) تفسير القمي : 2/363 ، الوسائل : 20/542 ، أبواب ما يحرم بالكفر ب5 ح7 .
- (6) جواهر الكلام : 30/35 .