(الصفحة 287)
كما أنّ استفادة الشرك من بعض الآيات الاُخر الواردة في اليهود والنصارى ممنوعة ، ضرورة عدم التزام اليهود بأجمعهم كون عزير ابن الله ، ولا المسيح والنصارى كون المسيح ابن الله بل الملتزمون جماعة خاصّة من الفريقين كما يساعده الوجدان ، فالإنصاف عدم دلالة الآية على عدم جواز نكاح الكتابية غير المشركة ، فتدبّر .
وأمّا الآية الثانية ، فانّه وإن استدلّ بها على قول القديمين(1) والشيخين(2)وأمثالهم(3) من أنّه لا يجوز للحرّ العقد على الأمة إلاّ بشرطين عدم الطول وهو عدم المهر والنفقة ، وخوف العنت وهو المشقة من الترك(4) ، وقد نوقش فيه بالوجوه التسعة المذكورة جميعها أو أكثرها في زبدة البيان ، التي هي كتاب آيات الأحكام للمقدّس الأردبيلي(5) وغيره(6) كالمناقشة بعدم إرادة المفهوم باعتبار سوق الآية مخرج الارشاد والمخرج عند الحاجة ، أو باعتبار أنّ المفهوم إنّما يكون حجّة إذا لم يظهر للقيد فائدة سوى نفي الحكم عند انتفائه .
وللشرط هنا وجه ظاهر غير ذلك ، وهو الترغيب في أمر النكاح والحثّ على فعله بمجرّد القدرة عليه ولو بنكاح الأمة ، مع التنبيه على أنّ نكاح الحرّة أولى وأفضل أو باعتبار خروجه مخرج الغالب ، فانّه إنّما يرغب في نكاح الأمة من
- (1) حكى عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد في مختلف الشيعة : 7/254 .
- (2) المقنعة: 506 ، الخلاف: 4 / 313.
- (3) جامع المقاصد : 12/370 ، الروضة البهية : 5/193 ـ 194 ، مسالك الأفهام : 7/325 ـ 326 .
- (4) كابن البرّاج في المهذّب : 2/215 .
- (5) زبدة البيان : 2/654 ـ 656 .
- (6) مختلف الشيعة : 7/256 ، مسالك الأفهام : 7/324 ـ 325 ، الحدائق الناضرة : 23/562 ـ 564 .
(الصفحة 288)
لا يستطيع نكاح الحرّة ، أو باعتبار أنّ
{مَن لَم يَستَطِع} ليس صريحاً في الشرط وإن تضمّن معناه ، وبأنّ المفهوم لو كان معتبراً هنا لزم للعبد أن لا يجوز نكاح الأمة مع قدرته على نكاح الحرّة; لأنّ «مَن» من أدوات العموم .
وبأنّ المعلّق على الشرطين هو رجحان النكاح دون الجواز ، وبأنّ قوله تعالى في ذيل الآية
{ وَأَن تَصْبِرُوا} إلى آخرها يدلّ على الجواز مع فقد الشرطين ، فانّه إذا خاف الضرر بالعزوبة أو الوقوع في الزنا فالظاهر وجوب النكاح حينئذ ، فكيف يكون الصبر معه خيراً ، وبأنّ هذا المفهوم معارض بمنطوق مثل قوله تعالى :
{ وَأُحِلَّ}(1)
{ وَأَنكِحُوا}(2)
{ وَلاََمَةٌ}(3) والمنطوق مقدّم على المفهوم لقوّته ، وباحتمال كون الآية للأمر باتخاذ السراري مع عدم القدرة على نكاح الحرائر ، فلا يكون من محلّ النزاع في شيء .
فإنّ هذه المناقشات وإن كانت قد دفعها صاحب الجواهر(4) . والعمدة في الدفع عدم ثبوت المفهوم ولو للقضايا الشرطية كما بيّناه في الاُصول ، إلاّ أنّ المناقشة المرتبطة بالمقام هو عدم كون الإيمان ظاهراً في قوله تعالى :
{ مِن فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ} إلاّ في مقابل الشرك ، والقرينة عليه هي الآية الاُولى المتقدّمة ، فلا دلالة لها إلاّ على عدم جواز نكاح المشركة ولا يشمل الكتابية ، واحتمال هذا الأمر كاف في عدم جواز الاستدلال ، كما لايخفى .
وأمّا الآية الثالثة ، فظهورها في نفسها في النهي عن نكاح المسلم الكافرة ممنوع
- (1) سورة النساء : 4/24 .
- (2) سورة النور : 24/32 .
- (3) سورة البقرة : 2/221 .
- (4) جواهر الكلام : 29/396 ـ 404 .
(الصفحة 289)
جدّاً . نعم بملاحظة الروايات الواردة في تفسيرها وقد مرّت الإشارة إلى بعضها لا مانع منه ، وأمّا في حدّ نفسها فلا دلالة لها على ذلك ، بل يحتمل أن يكون المراد أنّه لا تعتمدوا أيّها المسلمون على عصمة الكافرة ، إذ لعلّها تفجر خفاء وإلاّ فالتعبير عن عدم صحّة نكاحهنّ أو تملّكهنّ بذلك بعيد ، مع أنّ ملك الأمة الكافرة وابتياعها مثلاً لا مانع منه ظاهراً .
نعم ذهب السيد المرتضى(قدس سره)(1) والمفيد(2) وابن إدريس(3) فيما حكي عنهم إلى المنع مطلقاً حتّى الوطء بملك اليمين الذي هو أحد العصم ، بل ادّعى المرتضى منهم الإجماع على ذلك ، غاية الأمر ثبوت الدلالة للآية بنحو العموم ، وهو قابل للتخصيص كما سيأتي .
هذا ، وأمّا الروايات الواردة في المسألة فما اشتمل منها على تفسير بعض الآيات المتقدّمة أو تحقّق النسخ بالإضافة إلى البعض فغير ثابتة; لأنّ ثبوت النسخ في الكتاب العزيز إلاّ في مورد واحد غير مرتبط بالمقام أوّل الكلام ، فلنقتصر على الروايات الواردة في أصل المسألة مثل :
صحيحة معاوية بن وهب وغيره جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل المؤمن يتزوّج اليهودية والنصرانية ، فقال : إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت له : يكون له فيها الهوى ، قال : إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واعلم أنّ عليه في دينه غضاضة(4) .
- (1) الإنتصار : 279 .
- (2) المقنعة : 500 .
- (3) السرائر : 2/541 .
- (4) الكافي : 5/356 ح1 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 119 ح301 ، التهذيب : 7/298 ح1248 ، الإستبصار : 3/179 ح652 ، الوسائل : 20/536 ، أبواب ما يحرم بالكفر ب2 ح1 .
(الصفحة 290)
ورواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث ، قال : لا ينبغي للمسلم أن يتزوّج يهودية ولا نصرانية وهو يجد مسلمة حرّة أو أمة(1) .
ورواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سأله أبي وأنا أسمع عن نكاح اليهودية والنصرانية؟ فقال : نكاحهما أحبّ إليّ من نكاح الناصبية ، وما أحبّ للرجل المسلم أن يتزوّج اليهودية ولا النصرانية مخافة أن يتهوّد ولده أو يتنصّر(2) .
ورواية حفص بن غياث قال : كتب بعض إخواني أن أسأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن مسائل فسألته عن الأسير هل يتزوّج في دار الحرب؟ فقال : أكره ذلك ، فإن فعل في بلاد الروم فليس هو بحرام هو نكاح ، وامّا في الترك والديلم والخزر فلا يحلّ له ذلك(3) .
وموثّقة سماعة بن مهران المضمرة قال : سألته عن اليهودية والنصرانية أيتزوّجها الرجل على المسلمة؟ قال : لا ويتزوّج المسلمة على اليهودية والنصرانية(4) .
وصحيحة أبي بصير يعني المرادي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن رجل له امرأة نصرانية ، له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال : إنّ أهل الكتاب مماليك للإمام ، وذلك موسّع منّا عليكم خاصّة فلا بأس أن يتزوّج ، قلت : فإنّه تزوّج عليها أمة ،
- (1) الكافي : 5/358 ح 9 و 10 ، التهذيب : 7/299 ح 1250 ، الإستبصار : 3/180 ح 654 ، الوسائل : 20/536 ، أبواب ما يحرم بالكفر ب2 ح2 .
- (2) الكافي : 5/351 ح15 ، الوسائل : 20/552 و534 ، أبواب ما يحرم بالكفر ب10 ح10 وب1 ح5 .
- (3) التهذيب : 7/299 ح1251 و 453 ح1814 ، الإستبصار : 3/180 ح655 ، الوسائل : 20/537 ، أبواب ما يحرم بالكفر ب2 ح4 .
- (4) الكافي : 5/357 ح4 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 116 ح297 ، الوسائل : 20/544 ، أبواب ما يحرم بالكفر ب7 ح2 .
(الصفحة 291)
قال : لا يصلح له أن يتزوّج ثلاث إماء ، فان تزوّج عليهما حرّة مسلمة ولم تعلم أنّ له امرأة نصرانية ويهودية ثم دخل بها فانّ لها ما أخذت من المهر ، فإن شاءت أن تقيم بعد معه أقامت ، وإن شاءت أن تذهب إلى أهلها ذهبت ، وإذا حاضت ثلاثة حيض أو مرّت لها ثلاثة أشهر حلّت للأزواج ، قلت : فإن طلّق عليها اليهودية والنصرانية قبل أن تنقضي عدّة المسلمة له عليها سبيل أن يردّها إلى منزله؟ قال : نعم(1) .
ورواية منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل تزوّج ذمية على مسلمة ولم يستأمرها؟ قال : يفرّق بينهما ، قال : قلت : فعليه أدب؟ قال : نعم اثنى عشر سوطاً ونصف ، ثمن حدّ الزاني وهو صاغر ، قلت : فإن رضيت المرأة الحرّة المسلمة بفعله بعدما كان فعل؟ قال : لا يضرب ولا يفرّق بينهما ويبقيان على النكاح الأوّل(2) .
وخبر هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل تزوّج ذمّية على مسلمة ، قال : يفرّق بينهما ويضرب ثمن حدّ الزاني اثنى عشر سوطاً ونصفاً ، فإن رضيت المسلمة ضرب ثمن الحدّ ولم يفرّق بينهما ، قلت : كيف يضرب النصف؟ قال : يؤخذ السوط بالنصف فيضرب به(3) .
وخبر أبي مريم الأنصاري قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن طعام أهل الكتاب ونكاحهم حلال هو؟ قال : نعم ، قد كانت تحت طلحة يهودية(4) .
- (1) الكافي : 5/358 ح11 ، التهذيب : 7/449 ح 1797 ، الوسائل : 20/545 ، أبواب ما يحرم بالكفر ب8 ح1 .
- (2) الكافي : 7/241 ح8 ، التهذيب : 10/144 ح 572 ، الوسائل : 28/151 ، أبواب حدّ الزنا ب49 ح1 .
- (3) الفقيه : 3/269 ح1279 ، الوسائل : 20/544 ، أبواب ما يحرم بالكفر ب7 ح4 .
- (4) التهذيب: 7/298 ح1246، الإستبصار:3/179 ح650، الوسائل: 20/541، أبواب ما يحرم بالكفر ب5 ح3.