(الصفحة 285)
اختصاص له بالشرك(1) . مع أنّه هنا آيات ظاهرة في شرك اليهود والنصارى ، مثل : قوله تعالى :
{ وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللّهِ}(2) وقال أيضاً :
{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِن دُونُ اللّهِ والمَسِيحَ ـ إلى أن قال : ـ
سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(3) .
ومنها : قوله تعالى أيضاً :
{وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الُمحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِن مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِن فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ واللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم بَعْضُكُم مِن بَعْض فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ}(4) .
وذكر صاحب الجواهر أيضاً : أنّ الآية دالّة على المنع المطلق أيضاً ، فانّه إنّما جوّز نكاح الأمة إن لم يقدر على الحرّة المؤمنة ، فلو جاز نكاح الكافرة لزم جواز نكاح الأمة مع الحرّة الكافرة ، ولم يقل به أحد ، مع أنّ توصيف الفتيات بالمؤمنات يقتضي أن لا يجوز نكاح الكافرة من الفتيات مع إنتفاء الطول ، وليس إلاّ لامتناع نكاحها مطلقاً ، للإجماع على انتفاء الخصوصية بهذا الوجه(5) ولأنّ المنع عنها مع انتفاء الطول يقتضي المنع معه بطريق أولى .
ويؤيّده ما في المحكيّ عن نوادر الراوندي باسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال عليّ (عليه السلام): ولايجوز للمسلم التزوّج بالأمة اليهودية ولا النصرانية،
- (1) جواهر الكلام : 30/28 .
- (2 ، 3) سورة التوبة : 9/30 و31.
- (4) سورة النساء : 4/25 .
- (5) الخلاف : 4/311 ، الروضة البهية : 5/228 .
(الصفحة 286)
لأنّ الله تعالى يقول :
{ مِن فَتَياتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ}(1) (2) .
ومنها : قوله تعالى :
{ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ}(3) والعصم جمع عصمة وهي ما يعتصم به من عقد أو ملك; لأنّ المرأة بالنكاح تعصم من غير زوجها . والكوافر جمع الكافرة ، أي النساء المتصفات بالكفر ، والمراد نهي المؤمنين التابعين للإسلام والقرآن عن المقام على نكاح الكافرات ، لانقطاع العصمة بينهما بالإسلام ، وقد روي أنّها لمّا نزلت أطلق المسلمون نسائهم اللاتي لم يهاجرن حتى تزوّج بهنّ الكفّار(4) .
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) : من كانت عنده امرأة كافرة ـ يعني على غير ملّة الإسلام ـ وهو على ملّة الإسلام فليعرض عليها الإسلام ، فإن قلبت فهي امرأته وإلاّ فهي بريئة منه ، فنهى الله أن يمسك بعصمهم(5) . والظاهر أولوية النكاح السابق عن اللاحق لو لم نقل بشمول الآية لهما معاً .
هذا ، ويرد على استفادة المنع المطلق من الآية الشريفة الاُولى كما أفاده صاحب الجواهر(6) أنّ المنهيّ عنه فيها هو نكاح المشركات لا ما يعمّ الكتابيات ، والتعبير بالايمان في مقابل الشرك لا دلالة له على التعميم ، وذيل الآية لا يكون بمنزلة العلّة للحكم ، وإلاّ لكان اللازم استفادة حرمة نكاح الشيعة مع امرأة سنّية غير شيعية ،
- (1) نوادر الراوندي : 48 ، البحار : 103/380 ح20 .
- (2) جواهر الكلام : 30/28 ـ 29 .
- (3) سورة الممتحنة : 60/10 .
- (4) مجمع البيان : 9/405 ، ذيل الآية 10 من سورة الممتحنة : 60/10 .
- (5) تفسير القمي : 2/363 ، الوسائل : 20/542 ، أبواب ما يحرم بالكفر ب5 ح7 .
- (6) جواهر الكلام : 30/35 .
(الصفحة 287)
كما أنّ استفادة الشرك من بعض الآيات الاُخر الواردة في اليهود والنصارى ممنوعة ، ضرورة عدم التزام اليهود بأجمعهم كون عزير ابن الله ، ولا المسيح والنصارى كون المسيح ابن الله بل الملتزمون جماعة خاصّة من الفريقين كما يساعده الوجدان ، فالإنصاف عدم دلالة الآية على عدم جواز نكاح الكتابية غير المشركة ، فتدبّر .
وأمّا الآية الثانية ، فانّه وإن استدلّ بها على قول القديمين(1) والشيخين(2)وأمثالهم(3) من أنّه لا يجوز للحرّ العقد على الأمة إلاّ بشرطين عدم الطول وهو عدم المهر والنفقة ، وخوف العنت وهو المشقة من الترك(4) ، وقد نوقش فيه بالوجوه التسعة المذكورة جميعها أو أكثرها في زبدة البيان ، التي هي كتاب آيات الأحكام للمقدّس الأردبيلي(5) وغيره(6) كالمناقشة بعدم إرادة المفهوم باعتبار سوق الآية مخرج الارشاد والمخرج عند الحاجة ، أو باعتبار أنّ المفهوم إنّما يكون حجّة إذا لم يظهر للقيد فائدة سوى نفي الحكم عند انتفائه .
وللشرط هنا وجه ظاهر غير ذلك ، وهو الترغيب في أمر النكاح والحثّ على فعله بمجرّد القدرة عليه ولو بنكاح الأمة ، مع التنبيه على أنّ نكاح الحرّة أولى وأفضل أو باعتبار خروجه مخرج الغالب ، فانّه إنّما يرغب في نكاح الأمة من
- (1) حكى عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد في مختلف الشيعة : 7/254 .
- (2) المقنعة: 506 ، الخلاف: 4 / 313.
- (3) جامع المقاصد : 12/370 ، الروضة البهية : 5/193 ـ 194 ، مسالك الأفهام : 7/325 ـ 326 .
- (4) كابن البرّاج في المهذّب : 2/215 .
- (5) زبدة البيان : 2/654 ـ 656 .
- (6) مختلف الشيعة : 7/256 ، مسالك الأفهام : 7/324 ـ 325 ، الحدائق الناضرة : 23/562 ـ 564 .
(الصفحة 288)
لا يستطيع نكاح الحرّة ، أو باعتبار أنّ
{مَن لَم يَستَطِع} ليس صريحاً في الشرط وإن تضمّن معناه ، وبأنّ المفهوم لو كان معتبراً هنا لزم للعبد أن لا يجوز نكاح الأمة مع قدرته على نكاح الحرّة; لأنّ «مَن» من أدوات العموم .
وبأنّ المعلّق على الشرطين هو رجحان النكاح دون الجواز ، وبأنّ قوله تعالى في ذيل الآية
{ وَأَن تَصْبِرُوا} إلى آخرها يدلّ على الجواز مع فقد الشرطين ، فانّه إذا خاف الضرر بالعزوبة أو الوقوع في الزنا فالظاهر وجوب النكاح حينئذ ، فكيف يكون الصبر معه خيراً ، وبأنّ هذا المفهوم معارض بمنطوق مثل قوله تعالى :
{ وَأُحِلَّ}(1)
{ وَأَنكِحُوا}(2)
{ وَلاََمَةٌ}(3) والمنطوق مقدّم على المفهوم لقوّته ، وباحتمال كون الآية للأمر باتخاذ السراري مع عدم القدرة على نكاح الحرائر ، فلا يكون من محلّ النزاع في شيء .
فإنّ هذه المناقشات وإن كانت قد دفعها صاحب الجواهر(4) . والعمدة في الدفع عدم ثبوت المفهوم ولو للقضايا الشرطية كما بيّناه في الاُصول ، إلاّ أنّ المناقشة المرتبطة بالمقام هو عدم كون الإيمان ظاهراً في قوله تعالى :
{ مِن فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ} إلاّ في مقابل الشرك ، والقرينة عليه هي الآية الاُولى المتقدّمة ، فلا دلالة لها إلاّ على عدم جواز نكاح المشركة ولا يشمل الكتابية ، واحتمال هذا الأمر كاف في عدم جواز الاستدلال ، كما لايخفى .
وأمّا الآية الثالثة ، فظهورها في نفسها في النهي عن نكاح المسلم الكافرة ممنوع
- (1) سورة النساء : 4/24 .
- (2) سورة النور : 24/32 .
- (3) سورة البقرة : 2/221 .
- (4) جواهر الكلام : 29/396 ـ 404 .
(الصفحة 289)
جدّاً . نعم بملاحظة الروايات الواردة في تفسيرها وقد مرّت الإشارة إلى بعضها لا مانع منه ، وأمّا في حدّ نفسها فلا دلالة لها على ذلك ، بل يحتمل أن يكون المراد أنّه لا تعتمدوا أيّها المسلمون على عصمة الكافرة ، إذ لعلّها تفجر خفاء وإلاّ فالتعبير عن عدم صحّة نكاحهنّ أو تملّكهنّ بذلك بعيد ، مع أنّ ملك الأمة الكافرة وابتياعها مثلاً لا مانع منه ظاهراً .
نعم ذهب السيد المرتضى(قدس سره)(1) والمفيد(2) وابن إدريس(3) فيما حكي عنهم إلى المنع مطلقاً حتّى الوطء بملك اليمين الذي هو أحد العصم ، بل ادّعى المرتضى منهم الإجماع على ذلك ، غاية الأمر ثبوت الدلالة للآية بنحو العموم ، وهو قابل للتخصيص كما سيأتي .
هذا ، وأمّا الروايات الواردة في المسألة فما اشتمل منها على تفسير بعض الآيات المتقدّمة أو تحقّق النسخ بالإضافة إلى البعض فغير ثابتة; لأنّ ثبوت النسخ في الكتاب العزيز إلاّ في مورد واحد غير مرتبط بالمقام أوّل الكلام ، فلنقتصر على الروايات الواردة في أصل المسألة مثل :
صحيحة معاوية بن وهب وغيره جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل المؤمن يتزوّج اليهودية والنصرانية ، فقال : إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت له : يكون له فيها الهوى ، قال : إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واعلم أنّ عليه في دينه غضاضة(4) .
- (1) الإنتصار : 279 .
- (2) المقنعة : 500 .
- (3) السرائر : 2/541 .
- (4) الكافي : 5/356 ح1 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 119 ح301 ، التهذيب : 7/298 ح1248 ، الإستبصار : 3/179 ح652 ، الوسائل : 20/536 ، أبواب ما يحرم بالكفر ب2 ح1 .