(الصفحة 295)
وهنا بعض ما يدلّ على أنّ المجوس كتابيّون .
كمرسلة الواسطي ، عن الصادق (عليه السلام)قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن المجوس أكان لهم نبيّ؟ فقال : نعم ، أما بلغك كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أهل مكّة أسلموا وإلاّ نابذتكم بحرب ، فكتبوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) : أن خذ منّا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان .
فكتب إليهم النبي (صلى الله عليه وآله) : إنّي لست آخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه : زعمت أنّك لا تأخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب ثم أخذت الجزية من مجوس هجر ، فكتب إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور(1) .
ونحوه المحكيّ في العلل عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(2) والنبويّ : سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب(3) .
ورواية الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث : أنّ الأشعث قال له : كيف يؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبيّ؟ فقال : بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتاباً وبعث إليهم نبيّاً ، وكان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها ، فلمّا أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه
- (1) الكافي : 3/567 ح4 ، التهذيب : 4/113 ح 332 ، الوسائل : 15/126 ، أبواب جهاد العدو ب49 ح1 .
- (2) لم نعثر عليه في العلل، والحاكي هو صاحب الجواهر : 30/44.
- (3) الفقيه : 2/29 ح105 ، الوسائل : 15/127 ، أبواب جهاد العدو ، ب 49 ح1 ، الموطّأ : 1/278 ح 42 ، السنن الكبرى للبيهقي : 9/189 ـ 190 .
(الصفحة 296)
وقالوا : اُخرج نطهّرك ونقيم عليك الحدّ ، فقال : هل علمتم أنّ الله لم يخلق خلقاً أكرم عليه من أبينا آدم وحوّاء؟ قالوا : صدقت ، قال : أليس قد زوّج بنيه من بناته وبناته من بنيه؟ قالوا : صدقت هذا هوالدين ، فتعاقدوا على ذلك فمحى الله العلم من صدورهم ورفع عنهم الكتاب ، فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب ، والمنافقون أسوأ حالاً منهم(1) .
أقول : ولعلّ مثل هذا هو الوجه لما اشتهر من أنّ المجوس يحلّون النكاح مع المحارم ، والفقهاء قد تعرّضوا في كتاب الإرث لإرث المجوسي بلحاظ نكاحه مع محارمه(2) وإن كان في الكتاب الذي رأيته في بلدة يزد حين كنت مقيماً فيها بالإقامة الجبريّة قد أنكر مؤلّفه المجوسي هذه النسبة إنكاراً شديداً . ولعلّ في هذه الأزمنة كان متروكاً بينهم ، وإلاّ فالمستفاد من الروايات المتعدّدة ذلك ، وفي بعضها منع العلّة المذكورة في هذه الروايه بأشدّ المنع ، وتحقيق هذه الجهة أزيد ممّا ذكر في محلّه .
وكيف كان فالرواية تدلّ على أنّ المجوس كانوا من أهل الكتاب ، وإن كان الظاهر أنّ المراد من أهل الكتاب من أظهر اتّباعه والانقياد له لا من أعرض عنه ، وكيف كان فالظاهر أنّ المراد بأهل الكتاب خصوصاً في الكتاب العزيز هم اليهود والنصارى .
والحاصل أنّ الرواية الصحيحة الواردة في المجوسية هي صحيحة ابن مسلم المتقدّمة ، وبقيّة الروايات فاقدة لوصف الحجية والاعتبار ، والسؤال في الصحيحة
- (1) أمالي الصدوق : 424 ضمن ح560 ، التوحيد : 306 ، الوسائل : 20/364 ، أبواب ما يحرم بالنسب ب3 ح3 .
- (2) الروضة البهية : 8/221 ـ 223 ، مسالك الأفهام : 13/279 ، رياض المسائل : 9/211 ـ 212 .
(الصفحة 297)
لا يكون عن خصوص النكاح الدائم بل عن مطلق التزويج ، وعليه فالجواب بالنفي يعمّها خصوصاً مع استثناء الأمة في الذيل من دون إشارة إلى المنقطعة ، فمقتضى القاعدة الحكم بالتحريم مطلقاً ، وإن كانت سائر الروايات على تقدير الاعتبار مخصّصة لعموم الصحيحة ، كما لا يخفى .
الثاني : المرتدّة ، سواء كانت فطرية أو ملّية ، قال صاحب الجواهر(قدس سره) : بل قد يقال : إنّ المرتدّ مطلقاً وإن كان ملّياً لا يصحّ نكاحه ابتداءً ولا استدامةً ولو لكافرة كتابية أو غيرها ، وكذا المرتدّة ، لأنّه بعد أن كان حكمه القتل ولو بعد الاستتابة صار بحكم العدم الذي لا يصحّ نكاحه ، وكذا الإمرأة ، فإنّ حكمها السجن والضرب أوقات الصلاة حتّى تتوب أو تموت ، ومن هنا قال في الدروس : «وتمنع الردّة صحّة النكاح لكافرة أو مسلمة» .
وقال أيضاً : «ولا يصحّ تزويج المرتدّ والمرتدّة على الإطلاق; لأنّه دون المسلمة وفوق الكافرة ، ولأنّه لا يقرّ على دينه ، والمرتدّة فوقه لأنّها لا تقتل» انتهى(1) (2) .
أقول : ولأجله قال المحقّق في الشرائع : ولو ارتدّ أحد الزوجين قبل الدخول وقع الفسخ في الحال ، وسقط المهر إن كان من المرأة(3) . وإذا لم يجز البقاء عليها فالبدأة أولى ، وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر بل قال : الإجماع(4) بقسميه عليه ،
- (1) الدروس الشرعيّة : 2/54 و 55 .
- (2) جواهر الكلام : 30/48 .
- (3) شرائع الإسلام : 2/294 .
- (4) الخلاف : 4/333 .
(الصفحة 298)
بل من أهل العلم كافّة في الأوّل على ما عن التذكرة(1) لعدم جواز نكاح المسلم والمسلمة كافرة وكافراً ابتداءً واستدامة ولو كتابياً; لعدم إقرارهم عليه إذا كان ارتداداً(2) .
وللروايات المستفيضة التي منها رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : المرتّد عن الإسلام تعزل عنه امرأته ، ولا تؤكل ذبيحته ، ويستتاب ثلاثة أيّام فإن تاب ، وإلاّ قُتل اليوم الرابع إذا كان صحيح العقل(3) .
وهو وإن كان خاصّاً بالرجل لكن في محكيّ الرياض : أنّ ارتداد المرأة ملحق به للإجماع المركّب(4) . نعم قد يناقش بظهوره فيما بعد الدخول ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ ما قبل الدخول أولى . نعم قد يناقش في سند الرواية كما في الجواهر في كتاب الحدود بضعفها(5) . ولكنّ الرواية معتبرة . نعم في وجوب الاستتابة ثلاثة أيّام المستلزم لتأخير القتل إلى اليوم الرابع بالإضافة إلى المرتدّ الفطري ـ كما يقتضيه إطلاق الرواية ـ كلام يأتي تفصيل البحث فيه في كتاب الحدود في بحث حدّ المرتدّ(6) إن شاء الله تعالى ، والكلام الآن في صحّة التزويج وعدمها ، والرواية دالّة على العدم كما لايخفى .
- (1) تذكرة الفقهاء : 2/647 .
- (2) جواهر الكلام : 30/47 .
- (3) الفقيه : 3/89 ح 334 ، المقنع : 475 ، الكافي : 7/258 ح17 ، التهذيب : 10/138 ح 546 ، الإستبصار : 4/254 ح 961 ، الوسائل : 28/328 ، أبواب حدّ المرتدّ ب3 ح5 .
- (4) رياض المسائل : 6/525 .
- (5) جواهر الكلام : 41/613 .
- (6) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحدود : 551 ـ 552 .
(الصفحة 299)مسألة 1 : الأقوى حرمة نكاح المجوسيّة ، وأمّا الصابئة ففيها إشكال حيث إنّه لم يتحقّق عندنا إلى الآن حقيقة دينهم ، فإن تحقّق أنّهم طائفة من النصارى كما قيل كانوا بحكمهم1.
1 ـ قد تقدّم البحث عن نكاح المجوسية في ذيل المسألة المتقدّمة ، وأمّا الصابئة فقد ذكر في الجواهر : وأمّا الصابئون فعن أبي علي أنّهم قوم من النصارى(1) . وعن المبسوط : أنّ الصحيح خلافه لأنّهم يعبدون الكواكب(2) . وعن التبيان ومجمع البيان : أنّه لا يجوز عندنا أخذ الجزية منهم; لأنّهم ليسوا أهل الكتاب(3) . وفي المحكي عن الخلاف : نقل الإجماع على أنّه لا يجري على الصابئة حكم أهل الكتاب(4) . وعن العين : أنّ دينهم يشبه دين النصارى ، إلاّ أنّ قبلتهم نحو مهبّ الجنوب حيال نصف النهار ، يزعمون أنّهم على دين نوح(5) . وقيل : قوم من أهل الكتاب يقرؤون الزبور .
وقيل : بين اليهود والمجوس . وقيل : قوم يوحِّدون ولا يؤمنون برسول . وقيل : قوم يقرّون بالله عزوجل ويعبدون الملائكة ويقرؤون الزبور ويصلّون إلى الكعبة . وقيل : قوم كانوا في زمن إبراهيم (عليه السلام)يقولون : بأنّا نحتاج في معرفة الله ومعرفة طاعته إلى متوسط روحاني لا جسماني ، ثمّ لمّا لم يمكنهم الاقتصار على الروحانيات والتوسّل بها فزعوا إلى الكواكب ، فمنهم من عبد السيارات السبع ، ومنهم من عبد
- (1) حكى عنه في كشف اللثام : 7/217 .
- (2) المبسوط : 4/210 .
- (3) التبيان : 1/283 ، مجمع البيان : 1/207 .
- (4) الخلاف : 4/318 .
- (5) العين للخليل : 7/171 .