(الصفحة 430)للزوج استرجاعه ما دام موجوداً ، وأمّا مع عدم الرضا من الزوج وإنّما أعطاه من جهة استخلاص البنت حيث إنّ القريب مانع عن تمشية الأمر مع رضاها بالتزويج بما بذل لها من المهر ، فيحرم أخذه وأكله ، ويجوز للزوج الرّجوع فيه وإن كان تالفاً1.
1 ـ ما تعارف في بعض البلاد من أخذ بعض أقارب الزوجة من الأب أو الاُمّ أو غيرهما شيئاً من الزوج ـ وهو المسمّى في بلداننا وأزماننا «شير بهاء» ويمكن أن يكون مسمّى باسم آخر في غيرها ـ لا يكون بعنوان المهر وجزء منه ، بل هو شيء زائد عليه ، فلا يترتّب عليه حكم المهر ، وأمّا حكمه في نفسه فالظاهر أنّه يتصوّر فيه فروض :
الفرض الأول : ما إذا كان إعطاؤه وأخذه بعنوان الجعالة لعمل مباح ، وهو التسبيب في جلب رضاية الزوجة أو تقليل مهرها ، سواء كان العامل أباً أو أخاً أو غيرهما ، وفي هذه الصورة يستحقّ العامل الجعل ، ولا يكون الزوج مسلّطاً على استرجاعه كما في سائر موارد الجعالة ، ويمكن أن يكون الوجه في هذه الجعالة بالإضافة إلى الأب أو الجدّ للأب هو ثبوت الولاية لهما حتى على البالغة الرشيدة ، بناء على بعض الأقوال كما تقدّمت(1) .
هذا ، ولكن هذا الفرض خارج عمّا هو المتعارف في ذلك .
الفرض الثاني : ما إذا لم يكن بعنوان الجعالة ، لكن كان اعطاء الزوج للقريب بطيب منه ورضاه ، وإن كان لأجل جلب خاطره ورضاه ، حيث إنّ رضاه في نفسه مقصود له ، أو من جهة أنّ رضا البنت منوط برضاه ومتوقف عليه ، وفي هذا
- (1) في «القول في أولياء العقد» مسألة 2 .
(الصفحة 431)مسألة 10 : لو وقع العقد بلا مهر جاز أن يتراضيا بعده على شيء ، سواء كان بقدر مهر المثل أو أقلّ منه أو أكثر ، ويتعيّن ذلك مهراً وكان كالمذكور في العقد1.
الفرض يجوز له التصرّف في المال الذي أعطاه الزوج كما في سائر الموارد المشابهة ، لكن يجوز له الاسترجاع ما دام المال موجوداً; لأنّه لم يخرج عن ملك الزوج بذلك ، بل غاية الأمر جواز التصرّف للمباح له ما دام المال موجوداً ولم يرجع الزوج .
الفرض الثالث : ما إذا لم يكن هناك جعالة ولا رضا من الزوج ، بل كان اعطاؤه إنّما هو من جهة استخلاص البنت ، حيث إنّ القريب مانع عن تمشية الأمر مع فرض رضا الزوجة بالنكاح مع المهر المعيّن لها ، وفي هذه الصورة لا يجوز للقريب التصرّف فيه ، ويجب عليه ردّه إلى الزوج ومع تلفه عنده يكون ضامناً; له لقاعدة على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي ، كما هو ظاهر .1 ـ لو وقع العقد بلا مهر أي بصورة تفويض البضع جاز أن يتراضيا بعده على شيء بعنوان المهر ، سواء كان بقدر مهر المثل أو أكثر ، ويتعيّن ذلك مهراً كالمهر المذكور في العقد ، وعلّله المحقّق في الشرائع بأنّ الحقّ لهما ، سواء كان بقدر مهر المثل أو أزيد أو أقل ، وسواء كان عالمين أو جاهلين ، أو كان أحدهما عالماً والآخر جاهلاً; لأنّ فرض المهر إليهما ابتداء ، فجاز انتهاء(1) .
هذا ، ولكن مجرّد كون الحقّ لهما وإن فرض المهر إليهما ابتداء لا يستلزم تعيّن ما تراضيا عليه بعد العقد بعنوان المهريّة ، حتّى يترتّب عليه أحكام المهر; فالأولى التعليل لذلك ـ مضافاً إلى كون المسألة مرسلة عندهم إرسال المسلّمات ، بل ذكرها
- (1) شرائع الإسلام : 2/326 .
(الصفحة 432)مسألة 11 : يجوز أن يجعل المهر كلّه حالاّ ـ أي بلا أجل ـ ومؤجّلاً ، وأن يجعل بعضه حالاًّ وبعضه مؤجّلاً ، وللزوجة مطالبة الحالّ في كلّ حال بشرط مقدرة الزوج واليسار ، بل لها أن تمتنع من التمكين وتسليم نفسها حتى تقبض مهرها الحالّ ، سواء كان الزوج موسراً أو معسراً . نعم ليس لها الامتناع فيما لو كان كلّه أو بعضه مؤجّلاً وقد أخذت بعضه الحال1.
غير واحد من العامّة(1) أيضاً ـ بأنّها بالعقد ملكت ، أن تملك المهر عليه بالفرض أو الدخول ، فكان لها المطالبة بذلك كي تعرف استحقاقها بالوطء أو الموت أو الطلاق ، ولا يرجع معنى التفويض إلى خلوّ العقد عن المهر رأساً ، ولا يخفى أنّ هذه العلّة لا تكاد تستلزم التعيّن بعد كون التراضي واقعاً بعد العقد ، كما أنّه لا يدلّ عليه سائر ما استدلّ به لهذه الجهة .1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لأمرين :
الأمر الأوّل : أنّه يمكن أن يجعل المهر كلّه حالاًّ ، وأن يجعل كلّه مؤجّلاً ، وأن يجعل بعضه حالاًّ وبعضه مؤجّلاً; لإطلاق ما دلّ على أنّ المهر ما تراضيا عليه الشامل لهذه الفروض الثلاثة .
الأمر الثاني : إنّه لو كان شيء من المهر أو كلّه حالاًّ فللزوجة المطالبة في كلّ حال بشرط مقدرة الزوج واليسار ، ولها أن تمتنع من تسليم نفسها حتّى تقبض مهرها الحال إتّفاقاً ، كما في محكيّ كشف اللثام(2) لأنّ النكاح المشتمل على الصداق معاوضة بالنسبة إلى ذلك ، ومن أحكامها أنّ لكلّ من المتعاوضين الامتناع من
- (1) الأمّ : 5/74 ، المغني لابن قدامة : 8/49 ، الشرح الكبير : 8/90 .
- (2) كشف اللثام : 7/409 .
(الصفحة 433)
التسليم حتى يقبض العوض .
هذا ، مضافاً إلى خبر زرعة ، عن سماعة قال : سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ثم جعلته من صداقها في حلّ ، أيجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال : نعم إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه(1) .
ولكن في محكيّ الحدائق(2) أنّه ليس لها ذلك دلالة; لأنّ كلاًّ منهما مخاطب باداء ما عليه عصى الآخر أو أطاع ، وفيه ما لايخفى ، لأنّ مقتضى المعاوضة ذلك ، ولو امتنعا جميعاً من التسليم حتى يقبض ففي محكيّ المسالك(3) وكشف اللثام(4) إيداع المهر من يثقان به ، فإذا وطأها قبضته ، لأنّ الوطء في النكاح هو القبض ، إذ البضع لا يدخل تحت اليد وإن كانت الزوجة أمة; لأنّ ملك الرقبة لغير مالك الاستمتاع ، ولهذا لا يجب عليه عوض البضع بالغصب ما لم يطأ .
وأورد عليه في الجواهر ـ مضافاً إلى أنّ الوضع في يد العدل حكم على الزوج ـ بأنّه لا دليل على وجوب امتثاله بناء على ثبوت الحقّ لكلّ منهما بمقتضى المعاوضة ، وبأنّ الفتاوى ظاهرة في استحقاق المرأة تسليم المهر أوّلاً; ولذا احتمل في الكتابين المذكورين أنّه يجبر الزوج على التسليم; لأنّ فائت المال يستدرك دون البضع ، والايقاف إلى أن يبادر أحدهما بالتسليم ، فيجبر الآخر(5) .
هذا بالإضافة إلى المهر الحال وأمّا المهر المؤجّل فليس لها أن تمتنع حتّى يبلغ
- (1) التهذيب : 7/374 ح1513 ، الوسائل : 21/301 ، أبواب المهور ب41 ح2 .
- (2) الحدائق الناضرة : 24/459 ـ 469 .
- (3) مسالك الأفهام : 8/194 .
- (4) كشف اللثام : 7/409 .
- (5) جواهر الكلام : 31/42 .
(الصفحة 434)
أجله ويصير حالاًّ ، بل هو حينئذ كبيع النسيئة مثلاً ، فانّه لا يجوز للبائع الامتناع من تسليم المبيع حتى يأتي زمان الثمن المؤجّل .
هذا ، ولا فرق في جميع ذلك بين يسار الزوج واعساره; لأنّهما يفترقان في ثبوت حقّ المطالبة وعدمه لا الحقّ الحاصل من المعاوضة .
ثمّ إنّ المحقّق(قدس سره) في الشرائع بعد الحكم بأنّ لها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض مهرها ، وأنّه لا فرق في ذلك بين يسار الزوج وإعساره قال : وهل لها ذلك بعد الدخول؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه لأنّ الاستمتاع حقّ لزم بالعقد(1) .
أقول : القائل بالقول الأوّل هما الشيخان في المقنعة(2) والمبسوط(3) نظراً إلى أنّ أحد العوضين ـ وهي منفعة البضع ـ تتجدّد لا يمكن القبض جملة ، والمهر بازاء الجميع ، فبالتسليم مرّة لم يحصل الاقباض فجاز الامتناع ، ودليل القول الثاني ما ذكره المحقّق ، فانّ الاستمتاع حقّ لزم بالعقد ، وقد خرج منه الاستمتاع أوّلاً قبل القبض بالإجماع فيبقى الباقي على أصله(4) .
ودعوى أنّ المهر في مقابل الدخول لا مرّة واحدة بل بجميع الدفعات ، مدفوعة ـ مضافاً إلى عدم معلومية تلك الدفعات لاحتمال عروض الموت أو الطلاق بعد الدخول مرّة واحدة ، ولا شبهة في استقرار جميع المهر حينئذ ـ أنّ كون النكاح معاوضة أو كالمعاوضة إنّما هو باعتبار وقوع المهر في مقابل البضع لا باعتبار تقسيمه على دفعات الدخول ، فالأقوى هو القول الثاني .
- (1) شرائع الإسلام : 2/325 .
- (2) المقنعة : 510 .
- (3) المبسوط : 4/313 .
- (4) الروضة البهية : 5/369 ، مسالك الأفهام : 8/194 ، كشف اللثام : 7/410 .