(الصفحة 440)
صحيحة الكناني ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا توفّي الرجل عن امرأته ولم يدخل بها فلها المهر كلّه ، إن كان سمّى لها مهراً ، وسهمها من الميراث ، وإن لم يكن سمّى لها مهراً لم يكن لها مهر ، وكان لها الميراث(1) .
وصحيحة منصور بن حازم ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يتزوّج المرأة فيموت عنها قبل أن يدخل بها ، قال : لها صداقها كاملاً وترثه ، تعتدّ أربعة أشهر وعشراً كعدّة المتوفّى عنها زوجها(2) . وغير ذلك من الروايات .
هذا ، والجمع الدلالي بين الطائفتين غير ممكن; لظهور كلتيهما في مدلولهما من التمام أو النصف ، والشهرة التي هي أوّل المرجّحات غير متحقّقة ظاهراً ، فلابدّ من الرجوع إلى سائر المرجّحات .
والظاهر إنّ الترجيح مع الطائفة الاُولى; لأنّ رواتها أوثق وأورع ومن فضلاء الأصحاب ، وبعدها عن التقية ، وإمكان حمل الطائفة الثانية عليها ، كما ربما يستفاد من معتبرة منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل تزوّج امرأة وسمّى لها صداقاً ثم مات عنها ولم يدخل بها؟ قال : لها المهر كاملاً ، ولها الميراث ، قلت : فإنّهم رووا عنك أنّ لها نصف المهر؟ قال : لا يحفظون عنّي إنّما ذلك للمطلّقة(3) .
والظاهر اتّحاد هذه الرواية مع صحيحة منصور المتقدّمة وعدم كونها رواية اُخرى; لأنّه من البعيد أن يسأل منصور الإمام (عليه السلام) عن حكم المسألة مرّتين ، واشتمال كلّ منهما على بعض ما لم يشتمل الآخر عليه لا يقدح في ذلك ، والاشعار بالتقية بملاحظة ذيل هذه الرواية الدالّ على أنّ جماعة من الرواة قد رووا عنه أنّ لها
- (1) التهذيب : 8/145 ح503 ، الإستبصار : 3/340 ح1213 ، الوسائل : 21/332 ، أبواب المهور ب58 ح21 .
- (2) التهذيب : 8/146 ح508 ، الإستبصار : 3/341 ح1218 ، الوسائل : 21/332 ، أبواب المهور ب58 ح23 .
- (3) التهذيب : 8/147 ح513 ، الإستبصار : 3/342 ح1223 ، الوسائل : 21/333 ، أبواب المهور ب58 ح24 .
(الصفحة 441)مسألة 15 : تملك المرأة الصداق بنفس العقد وتستقرّ ملكية تمامه بالدخول ، فإن طلّقها قبله عاد إليه النصف وبقي لها النصف ، فلها التصرّف فيه بعد العقد بأنواعه ، وبعدما طلّقها قبل الدخول كان له نصف ما وقع عليه العقد ،
نصف الصداق ، مضافاً إلى أنّ التعليل يفيد ذلك ، خصوصاً مع أنّ الاشتباه بين المطلّقة والمتوفّى عنها زوجها قلّما يتفق ، خصوصاً من أفراد متعدّدة ، وبذلك يظهر أنّ الحقّ ما قوّاه في المتن من التنصيف ، خصوصاً مع أنّ العرف لا يفهم من قوله تعالى :
{ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ}(1) الآية خصوصية للطلاق ، بل المتفاهم العرفي مدخليّة أمرين : المفارقة قبل الدخول ، وتسمية المهر في النكاح .
ثمّ إنّه بملاحظة ما ذكرنا ظهر أمران :
أحدهما : خصوصية موت المرأة في التنصيف; لاشتمال جلّ الروايات الواردة في هذه المسألة بل كلّها على موت الرجل .
ثانيهما : إنّ الأحوط الأولى ـ خصوصاً في موت الرجل ـ التصالح; لظهور كلتا الطائفتين على ما عرفت في مفادهما وعدم إمكان الجمع بينهما ، فالأولى التصالح لئلاّ تتحقّق مخالفة شيء من الطائفتين ، فتدبّر .
اللهمّ إلاّ أن يقال : بأنّ المنسوب إلى المشهور هو التمام ، بل عرفت دعوى الإجماع عليه من المرتضى(قدس سره) وهي وإن لم تكن حجّة إلاّ أنّ دلالتها على ثبوت الشهرة تامّة ، والشهرة أوّل المرجّحات كما بيّناه في محلّه .
وإلغاء الخصوصيّة من آية الطلاق غير تامّ ، فالتمام لو لم يكن أقوى يكون مقتضى الإحتياط الوجوبي ، كما لا يخفى .
- (1) سورة البقرة : 2/237 .
(الصفحة 442)ولا يستحقّ من النماء السابق المنفصل شيئاً 1.
1 ـ قال المحقّق (قدس سره) في الشرائع : الصداق يملك بالعقد على أشهر الروايتين(1) . وفي الجواهر : والقولين بل المشهور(2) منهما شهرة عظيمة ، بل عن الحلّي(3) نفي الخلاف فيه ، وقد حكى الخلاف عن الاسكافي(4) فملّكها النصف به والآخر بالدخول(5) . والأصل فيه قوله تعالى :
{ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ}(6) فانّه ظاهر في أمرين : وجوب إيتاء النساء صدقاتهنّ ، ولو قبل الدخول ، ولزوم إيتاء جميع الصداق وإضافته إليهنّ ظاهرة في الملكيّة .
هذا ، مضافاً إلى أنّ شأن المعاوضات كذلك ، فكما أنّ الزوج يملك البضع بمجرّد تمامية العقد كذلك الزوجة تملك الصداق كذلك ، هذا مضافاً إلى الروايات الكثيرة التي يستفاد منها ذلك ، كالنصوص الدالّة(7) على كون النماء المتخلّل بين العقد والطلاق لها .
وقد استدلّ للاسكافي بروايات كثيرة أيضاً ، مثل :
صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة على بستان له معروف وله غلّة كثيرة ، ثمّ مكث سنين لم يدخل بها ثمّ طلّقها؟ قال : ينظر إلى ما صار إليه من غلّة البستان من يوم تزوّجها فيعطيها نصفه ، ويعطيها نصف
- (1) شرائع الإسلام : 2/330 .
- (2) الخلاف : 4/369 ، الروضة البهية : 5/353 ، مسالك الأفهام : 8/258 ، الحدائق الناضرة : 24/544 .
- (3) السرائر : 2/585 .
- (4) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/172 مسألة 94 .
- (5) جواهر الكلام : 31/107 .
- (6) سورة النساء : 4/4 .
- (7) الوسائل : 21/293 ، أبواب المهور ب34 .
(الصفحة 443)
البستان ، إلاّ أن تعفو فتقبل منه ويصطلحا على شيء تراضى به منه ، فإنّه أقرب للتقوى(1) . وقد احتمل فيه صاحب الجواهر(قدس سره) أن تكون الغلّة من زرع يزرعه الرجل ، وأن يكون الصداق هو البستان فقط دون أشجاره ، وعلى التقديرين فليست الغلّة من نماء المهر فيختصّ بالرجل ، ويكون الأمر حينئذ بدفع النصف محمولاً على الاستحباب ، كما يرشد إليه قوله (عليه السلام) : «فانّه أقرب للتقوى» أو لأنّه عوض اُجرة الأرض(2) .
وأنت خبير بكون ما ذكره في الجواهر خلاف الظاهر جدّاً ، والتعليل بقوله (عليه السلام) : «فانّه أقرب للتقوى» إنّما هو للاصطلاح ، والصلح بما تراضيا به لأجل أن لا يكون النصف أقلّ من الواقع أو أكثر ، وكلمة البستان ظاهرة في أنّ الصداق داخل فيه الأشجار ، فلا ينبغي المناقشة في ظهور الرواية في كلام الاسكافي .
ورواية محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) : متى يجب المهر؟ فقال : إذا دخل بها(3) .
ورواية يونس بن يعقوب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : لا يوجب المهر إلاّ الوقاع في الفرج(4) . وهاتان الروايتان وإن كانتا ظاهرتين في قول الاسكافي أيضاً ، إلاّ أنّه يمكن حملها على ما يوجب استقرار المهر أو ثبوته بأجمعه في مقابل احتمال الثبوت بمجرّد الخلوة معها دون أن يدخل بها .
والإنصاف ثبوت التعارض بين الطائفتين من الروايات الواردة في هذا المجال ،
- (1) الفقيه : 3/272 ح1292 ، الوسائل : 21/290 ، أبواب المهور ب30 ح1 .
- (2) جواهر الكلام : 31/108 .
- (3) التهذيب : 8/464 ح1860 ، الإستبصار : 3/226 ح818 ، الوسائل : 21/320 ، أبواب المهور ب54 ح7 .
- (4) التهذيب : 7/464 ح1859 ، الإستبصار : 3/226 ح817 ، الوسائل : 21/320 ، أبواب المهور ب54 ح6 .
(الصفحة 444)مسألة 16 : لو أبرأته من الصداق الذي كان عليه ثمّ طلّقها قبل الدخول رجع بنصفه عليها ، وكذا لو كان الصداق عيناً فوهبته إيّاها رجع بنصف مثلها إليها أو قيمة نصفها1.
والترجيح مع الطائفة الاُولى لموافقتها للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات في الخبرين المتعارضين ، إذ لم يحك الخلاف إلاّ عن الاسكافي كما تقدّم .
ثمّ إنّ لازم ملك المرأة الصداق بأجمعه بمجرّد العقد أنّه يجوز لها التصرّف في الجميع بعد العقد بأنواع التصرّف ، ويكون جميع نماءاته لها أعمّ من المنفصل والمتّصل ، وإذا تحقّق الطلاق قبل الدخول يعود النصف إلى الزوج; لكن نماءاته المنفصلة المتخلّلة بين العقد والطلاق يكون لها ، ولا يستحقّ الزوج منها شيئاً لأنّها تابعة في الملكية للمهر ، والدليل إنّما دلّ على عود نصف المهر فقط لا هو مع نماءاته المنفصلة .
نعم النماء المتّصل لا يمكن تفكيكها عن الأصل ولا تعيين مقدارها نوعاً ، كما لايخفى ، ثمّ إنّ جواز التصرّف لها في الجميع لا يختص بما بعد القبض ، بل يجوز قبل القبض أيضاً ، خلافاً للمحكي عن الشيخ في الخلاف(1) فمنع منه قبله ولا دليل عليه ، بل الدليل على خلافه لحصول الملكية بمجرّد العقد ، كما عرفت .1 ـ في هذه المسألة الموافقة لفتوى المشهور(2) ـ مع أنّ مقتضى القاعدة ما ذكر; لأنّ الابراء وكذا الهبة بمنزلة القبض ـ قد وردت فيها مثل :
مضمرة سماعة قال: سألته عن رجل تزوّج جارية أوتمتّع بهاثم جعلته من صداقها
- (1) الخلاف : 4/370 .
- (2) الخلاف : 4/391 ، الروضة البهية : 5/358 ، مسالك الأفهام : 8/239 .