(الصفحة 445)
في حلّ ، أيجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال : نعم ، إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه، فان خلاّها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الزوج نصف الصداق(1) .
هذا ، ولكن في محكيّ المبسوط(2) والجواهر(3) والقواعد(4) أنّه يحتمل عدم رجوعه عليها بشيء; لأنّها لم تأخذ منه مالاً ولا نقلت إليه الصداق ولا أتلفته عليه ، فلا تضمن ، أمّا الأوّل : فظاهر ، وأمّا الثاني : فلاستحالة أن يستحقّ الانسان شيئاً في ذمّة نفسه فلا يتحقّق نقله إليه ، وأمّا الثالث : فلأنّه لم يصدر منها إلاّ إزالة استحقاقها في ذمّته وهو ليس إتلافاً عليه ، ومن هنا لو رجع الشاهدان بدين في ذمّة زيد لعمرو وبعد حكم الحاكم عليه وابراء المشهود عليه لم يرجع عليهما لعدم تغريمهما له بشيء ، ولو كان الابراء إتلافاً على من في ذمّته غرما له .
ويرد على هذا الدليل ـ مضافاً إلى أنّه اجتهاد في مقابل النص المذكور ـ إنّ مقتضى الجمع بين دليل جواز التصرّف لها في الصداق بعد تحقّق العقد والملكية كما مرّ في بعض المسائل السابقة ، فيجوز لها الابراء إن كان المهر ديناً ، والهبة إن كان عيناً ، وربما كانت الهبة لازمة كالهبة بذي المحارم بعد القبض ، وبين دليل رجوع النصف إلى الزوج إذا طلّق قبل الدخول ، رجوع نصف مثل المهر إليه أو قيمة النصف ، وقد عرفت أنّه لو نقلته إلى الغير بنقل جائز لا يجب عليها الرجوع فيه ، وان كان مقتضى الاحتياط ذلك ، ومن ما ذكرنا ظهر الفرق بين المقام وبين مسألة رجوع الشاهدين ، فتدبّر جيّداً .
- (1) التهذيب : 7/374 ح1513 ، الوسائل : 21/301 ، أبواب المهور ب41 ح2 .
- (2) المبسوط : 4/306 ـ 308 ، ولكن فيه خلاف ما نسب إليه ، وقد حكى عنه في رياض المسائل : 7/168 .
- (3) جواهر الفقه : 177 ، ولكن فيه خلاف ما نسب إليه ، وقد حكى عنه في رياض المسائل : 7/168 .
- (4) قواعد الاحكام : 2/43 .
(الصفحة 446)مسألة 17 : الدخول الّذي يستقرّ به تمام المهر هو مطلق الوطء ولو دبراً ، وإذا اختلف الزوجان بعدما طلّقها فادّعت وقوع المواقعة وأنكرها فالقول قوله بيمينه ، وله أن يدفع اليمين عن نفسه بإقامة البيّنة على العدم إن أمكن ، كما إذا ادّعت المواقعة قُبلا وكانت بكراً وعنده بيّنة على بقاء بكارتها1.
1 ـ في هذه المسألة أمران :
أحدهما : إنّ الدخول الّذي يستقرّ به تمام المهر هو مطلق الوطء أعمّ من القبل والدُّبر ، وذلك لِما مرّ(1) في بعض المباحث السابقة وسيأتي في كتاب الحدود(2) إن شاء الله تعالى أنّ الدخول الذي يترتّب عليه أحكام خاصّة في الشريعة أعمّ من الدخول في القُبل . نعم ربما يفترق الدخول في الدبر في مثل حرمة الوطء في الحيض ، ولكنّه في أمثال المقام لايكون بينهما فرق .
ثانيهما : ما تعرّض له المحقّق في الشرائع أيضاً من أنّه إذا خلا بالزوجة فادّعت المواقعة ، فإن أمكن الزوج إقامة البيّنة ، بأن ادّعت هي أنّ المواقعة قُبلا وكانت بكراً فلا كلام ، وإلاّ كان القول قوله مع يمينه; لأنّ الأصل عدم المواقعة وهو منكر لِما تدّعيه ، وقيل : القول قول المرأة ، عملا بشاهد حال الصحيح في خلوته بالحلائل ، والأوّل أشبه(3) . ويدلّ على الأشبهيّة إن هذا القول المحكي عن الشيخ في النهاية(4)والتهذيبين(5) وإن كان موافقاً للظّاهر ، إلاّ أنّ المِلاك في تشخيص المدّعي
- (1) في «القول في المصاهرة» مسألة 3 و 6 ، وفي «القول في النكاح في العدّة» مسألة 1 ، الصورة الثانية .
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحدود : 10 ـ 11 .
- (3) شرائع الإسلام : 2/333 .
- (4) النهاية: 471.
- (5) التهذيب : 7/464 ـ 467 ، الإستبصار : 3/227 ـ 228 .
(الصفحة 447)مسألة 18 : لو اختلفا في أصل المهر فادّعت الزوجة وأنكر الزوج ، فإن كان قبل الدخول فالقول قوله بيمينه ، وإن كان بعده كلّفت بالتعيين بل لا يبعُد عدم سماع الدعوى منها ما لم تفسّر ، ولا يسمع منها مجرّد قولها لي عليه المهر ما لم تبيّن المقدار ، فإن فسّرت وعيّنت بما لا يزيد على مهر المثل حكم لها عليه بما تدّعيه ، ولا يُسمع منه إنكار أصل المهر . نعم لو ادّعى سقوطه إمّا بالأداء أو الإبراء يسمع منه ، فإن أقام البيّنة عليه ثبت مدّعاه ، وإلاّ فله عليها اليمين ، فإن حلفت على نفي الأداء أو الإبراء تثبت دعواها ، وإن ردّته على الزوج فحلف سقط دعواها ، وإن نكل تثبت ، وإن نكلت ردّ الحاكم على الزوج ، فإن حلف
والمنكر ـ كما سيأتي في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى(1) ـ هو العرف لا الأصل ولا شاهد الحال ولا غيرهما ، ومن الواضح أنّ العرف ترى الزوجة مدّعية والزوج منكراً وعليه اليمين .
نعم ربما يُناقش في صورة بقاء البكارة بأنّ الختانين يلتقيان من دون زوال البكارة ، كما في محكي كشف اللثام(2) . كما أنّه ربما يُناقش بأنّه كيف تقبل منه البيّنة مع أنّه منكر واليمين على المنكر ، إلاّ أن يُقال ـ مع قطع النظر عن المناقشة المذكورة ـ : إنّ النزاع حينئذ يرجع إلى النزاع في بقاء البكارة وعدمه ، فالزوجة منكرة للبقاء والزوج مدّع لها ، والبيّنة على من ادّعى ، كما في الرويات(3) الصحيحة المذكورة في كتاب القضاء ، ومن جميع ما ذكرنا ظهر أنّه لابدّ من تقييد وقوع المواقعة في المتن بالقُبل ، كما لا يخفى .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 75 ـ 77 .
- (2) كشف اللثام : 7/483 .
- (3) الوسائل : 7/233 ـ 235 ، أبواب كيفيّة الحكم ب3 .
(الصفحة 448)تسقط دعواها ، وإن نكل تثبت ، هذا إذا كان ما تدّعيه بمقدار مهر المثل أو أقلّ ، وإن كان أكثر كان عليها الإثبات ، وإلاّ فلها على الزوج اليمين1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في صورتين :
الصورة الأولى : ما إذا كان ما تدّعيه المرأة من المهر بمقدار مهر المثل أو أقلّ ، وفي هذه الصورة قد يكون الاختلاف قبل الدخول ، وقد يكون بعد الدخول ، ففي الفرض الأوّل : إذا كانت الزوجة مدّعية للمهر والزوج منكراً ولم يكن هناك بيّنة للزوجة على ما ادّعته يكون القول قول الزوج مع يمينه; لأنّه منكر ، فمع عدم إقامة المدّعي البيّنة تصل النوبة إلى يمين المنكر الّذي هو الزوج .
وفي الفرض الثاني : ذكر في المتن أنّه كلّفت بالتعيين ، بل نفي البعد عن عدم سماع الدعوى عنها ما لم تفسّر ، ولا تسمع منها بمجرّد قولها : «لي عليه المهر» ما لم تبيّن المقدار ، فإن فسّرت وعيّنت بما لا يزيد على مهر المثل ـ كما هو المفروض في هذه الصورة ـ حكم لها عليه بما تدّعيه ، ولا يسمع منه إنكار أصل المهر ، وينبغي أن يعلم أنّ محل الكلام إنّما هو النكاح الدائم الذي لا يكون ذكر المهر شرطاً في صحّته .
وأمّا النكاح المنقطع ، فحيث إنّه يُعتبر فيه ذكر المهر كما أنّه يعتبر فيه ذكر الأجل على ما تقدّم(1) يكون مرجع الاختلاف بين الزوجين في أصل ذكر المهر وعدمه إلى الإختلاف في الصحّة والفساد ، ولا يبعُد حينئذ تقديم قولها; لكونها موافقاً لأصالة الصحّة بخلاف قوله ، وكيف كان فالمشهور(2) في هذا الفرض أيضاً أنّ القول قول الزوج ، وعلّله المحقّق في الشرائع بالبراءة الأصليّة(3) . ووجّهها صاحب الجواهر(قدس سره)
- (1) في ص342 .
- (2) الروضة البهيّة : 5/377 ، مسالك الأفهام : 8/291 ـ 300 ، الحدائق الناضرة : 24/579 .
- (3) شرائع الإسلام : 2/333 .
(الصفحة 449)
باحتمال أنّ ذلك قد كان بإنكاح أبيه وهو صغير معسر ، فيكون المهر على أبيه(1) . وحكي عن الرياض(2) الحكم بذلك قطعاً ، وعن كاشف اللثام(3) الاستدلال عليه بالرّوايات ، مثل :
رواية الحسن بن زياد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا دخل الرّجل بامرأته ثمّ ادّعت المهر وقال : قد أعطيتك فعليها البيّنة وعليه اليمين(4) .
وصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا اُهديت إليه ودخلت بيته وطلبت بعد ذلك فلا شيء لها ، إنّه كثير لها أن يستحلف بالله ما لها قبله من صداقها قليل ولا كثير(5) .
وأورد على الاستدلال بمثلهما بأنّ الظاهر أنّ مبنى هذه النصوص على ما إذا كانت العادة الاقباض قبل الدخول ، بل قيل : إنّ الأمر كان كذلك في القديم ، فيكون حينئذ من ترجيح الظاهر على الأصل ، وعلى أيّ حال يكون موضوعها غير فرض المقام; لأنّ الموضوع هنا النزاع في استحقاق المهر وعدمه ، وموضوع الروايات الاختلاف في وصول المهر المستحقّ إليها وعدمه ، فالموردان مختلفان جّداً .
وكيف كان فبعد قيام النصوص المستفيضة(6) على أنّ الدخول موجب للمهر
- (1) جواهر الكلام : 31/132 .
- (2) رياض المسائل : 7/180 .
- (3) كشف اللثام : 7/479 .
- (4) الكافي : 5/386 ح4 ، التهذيب : 7/376 ح 1521 ، الإستبصار : 3/223 ح 809 ، الوسائل : 21/257 ، أبواب المهور ب8 ح7 .
- (5) الكافي : 5/385 ح2 ، التهذيب : 7/359 ح 1460 ، الإستبصار : 3/222 ح 806 ، الوسائل : 21/257 ، أبواب المهور ب8 ح8 .
- (6) الوسائل : 21/319 ـ 320 ، أبواب المهور ب54 .