(الصفحة 496)
يجب على الحاكم ذلك في صورة العلم له من غير أن يجرّ الزوجان أمرهما إليه؟ لا يبعُد أن يُقال بالوجوب ، ويمكن أن يُقال بالعدم ، نظراً إلى أنّه مع عدم جرّهما إليه لا مجال لثبوت الوجوب له ، فتدبّر جيّداً .
الثالث : الظاهر بمقتضى الأمر بالبعث وجوب هذا البعث ، مضافاً إلى أنّ ذلك من الأمر بالمعروف ، ومن الأمور الحسبيّة التي نُصِّبَ الحاكم لأمثالها ، وقد خالف في ذلك العلاّمة في محكي التحرير ، حيث إنّه قال باستحباب ذلك للأصل وظهور الأمر في الإرشاد ، على أنّه من الأمور الدنيويّة التي لا يظهر إرادة الوجوب منه فيها(1) وجواب الكلّ واضح .
الرّابع : أنّ توصيف الحكمين بكونهما من أهله ومن أهلها يقتضي اعتبار القرابة في الحكومة ، ويؤيّده ثبوت الرأفة للقريب بالإضافة إلى قريبه . نعم لو لم يكن هناك حكم قريب تعيّن الأجنبي لحصول الغرض به كما لا يخفى ، لكن في محكيّ الرياض في شرح قول المصنّف : ويجوز أن يكونا أي الحكمان أجنبيّين قال : «إمّا مطلقاً كما هو ظاهر المتن ، أو مقيّداً بعدم الأهل كما هو الأقوى ، لكن مع ذلك ليس لهما حكم المبعوث من أهلهما من إمضاء ما حكما عليهما لمخالفته الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النصّ ، ويكون حكمهما حينئذ الاقتصار على ما أذن به الزوجان وفيه وكّلا ، وليس لهما من التحكيم ـ الذي هو حكم الحكمين كما يأتي ـ شيء جدّاً ، وفي حكم فقد الأهل توقّف الإصلاح على الأجنبيين(2) . وفي الجواهر بعد نقل هذا الكلام قال : وهو من غرائب الكلام يمكن دعوى الإجماع على خلافه(3) الخ .
- (1) تحرير الأحكام : 2/42 .
- (2) رياض المسائل : 7/206 .
- (3) جواهر الكلام : 31/213 .
(الصفحة 497)
الخامس : قال المحقّق في الشرائع : وهل بعثهما على سبيل التحكيم أو التوكيل؟ الأظهر أنّه تحكيم(1) . وعن ظاهر المحكي عن السرائر(2) وفقه القرآن(3) الإجماع عليه ، وفي محكي المبسوط أنّه مقتضى المذهب(4) . والدّليل عليه تسميتهما حكمين في الكتاب(5) والسنّة(6) والفتاوى ، والوكيل مأذون ليس بحكم ، والمخاطب به الزوجان لا غيرهما ، ولأنّهما إن رأيا الإصلاح فعلاه من غير استئذان ، ولا دلالة لكونهما حكمين على ثبوت قاضي التحكيم ومشروعيّته ، وإن لم يعتبر رضا المتداعيين بحكمه بعد التوافق على الترافع إليه ، كما هنا لوحدته هناك وتعدّد الحكمين هنا وكونهما مبعوثين من جانب الحاكم الواحد ، فلا ارتباط بين المسألتين .
السادس : يُستفاد من الجواهر أنّه لا ريب في اشتراط البلوغ والعقل والإهتداء إلى ما هو المقصود من بعثهما ، قيل : والإسلام ، وهو جيّد فيما كان الشقاق بين المسلمين أمّا غيرهم فلا يخلو من نظر ، وأمّا العدالة والحرّية ففي المسالك : إن جعلناهما حكمين اعتبرا قطعاً ، وإن جعلناهما وكيلين ففي اعتبارهما وجهان ، أجودهما العدم; لأنّهما ليسا شرطاً في الوكيل(7)(8) .
هذا ، والظّاهر أنّه لا دليل على الاعتبار على الفرض الأوّل أيضاً; لاقتضاء
- (1) شرائع الإسلام : 2/339 .
- (2) السرائر : 2/730 .
- (3) فقه القرآن : 2/193 .
- (4) المبسوط : 7/340 .
- (5) سورة النساء : 4/35 .
- (6) الوسائل : 21/348 ـ 349 و352 ـ 354 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب10 و12 و13 .
- (7) مسالك الأفهام : 8/367 .
- (8) جواهر الكلام : 31/214 ـ 215 .
(الصفحة 498)
الإطلاق العدم ، واعتبارهما في مطلق القاضي أو قاضي التحكيم فرضاً لا يستلزم الاعتبار هنا بوجه .
السابع : أنّ الحكمين المبعوثين يجب عليهما البحث والاجتهاد في حالهما ، وفي السبب الدّاعي إلى الشقاق بينهما ثمّ السعي في أمرهما ودقّة النظر في وضعهما ، فإن اتّفقها على الإصلاح فعلاه من غير مراجعة لهما ، قال الله تعالى :
{إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا}(1) يعني لا محيص عن بقاء الزوجيّة مع إرادة الحكمين الإصلاح ، وإن اتّفقا على التفريق فالمشهور(2) عدم جوازه إلاّ مع مراجعتهما ، ولعلّه لظاهر كون المراد من التحكيم فعل ما يتحقّق به الإصلاح والتأليف .
ويؤيّده الاقتصار في الآية على إرادتهما الإصلاح ، وفي صحيحة الحلبي المتقدّمة قال (عليه السلام) : «ليس للحكمين بأن يفرّقا حتى يستأمر الرجل والمرأة ، ويشترطان عليهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرّقا ، فإن جمعا فجائز وإن فرّقا فجائز» وفي صحيحة محمّد ابن مسلم المتقدّمة أيضاً قال (عليه السلام) : «ليس للحكمين أن يفرّقا حتى يستأمرا» . ويدلّ عليه غير ذلك من الروايات(3) .
لكن في المسالك : قد روي أنّ عليّاً (عليه السلام) بعث حكمين وقال : تدريان ما عليكما؟ إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرّقا فرّقتما . فقالت المرأة : رضيت بما في كتاب الله عليّ ولي ، فقال الرجل : أمّا الفرقة فلا . فقال عليّ (عليه السلام) : كذبت والله حتّى تقرّ بمثل الّذي أقرّت به(4) .
- (1) سورة النساء : 4/35 .
- (2) الخلاف : 4/417 ، المبسوط : 4/340 ، شرائع الإسلام : 2/339 ، الروضة البهية : 5/432 .
- (3) الوسائل : 21/348 ـ 349 و352 ـ 354 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب10 و12 و13 .
- (4) تفسير العياشي : 1/241 ح127 ، الوسائل : 21/354 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب13 ح6 .
(الصفحة 499)
وقد احتجّ بهذا الخبر الفريقان : فالأوّل من حيث إنّه اعتبر رضاهما وإقرارهما ، والثاني من حيث جعل الجمع والتفريق إلى الحكمين ، وقوله (عليه السلام) : «حتى تقرّ» أي ليس لك أن تمتنع بل عليك أن تنقاد لحكم الله تعالى كما انقادت هي ، وهذا أشبه بمذهب ابن الجنيد(1)(2) .
قال في الجواهر بعد نقل ذلك : يمكن تنزيل الخبر على تلك الأخبار ، وأيضاً على معنى أنّه لابدّ من اتّفاقهما على كيفيّة الحكم على الإصلاح خاصّة أو عليه وعلى التفريق . نعم يظهر منه وجوب تبعيّة الآخر عن إرادة تعميم التحكيم(3) .
ثمّ إنّ ظاهر المتن نفوذ حكمهما على الزوجين ، ولو استقرّ رأيهما على التفريق من غير اعتبار رضاهما ، ولكن عرفت أنّ مقتضى الروايات النفوذ مطلقاً مع الاستئمار والاشتراط لا بدونه ، فلا محيص عن الالتزام به ، وسيأتي في المسألة الآتية التصريح به ، فانتظر .
الثامن : لو اشترط الحكمان شرطاً فاللاّزم الالتزام به إذا كان الشرط سائغاً ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك كالأمثلة المذكورة في المتن أيضاً ، فإنّه لا يجب الالتزام به بوجه .
لا يُقال : إنّ مقتضى الآية نفوذ حكمهما بالإضافة إلى الجمع والتفريق فقط لا بالإضافة إلى الشروط أيضاً; لعدم كونها في ضمن عقد لازم ، فإنّه يُقال : إنّ المستفاد من الآية خصوصاً مع التعبير بأنّهما حكمان ، نفوذ حكمهما بالإصلاح مع الاشتراط أيضاً ـ كنفوذ حكمهما به مطلقاً أو بالتفريق بالنّحو المذكور سابقاً ـ
- (1) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/397 .
- (2) مسالك الأفهام : 8/368 ـ 369 .
- (3) جواهر الكلام : 31/217 .
(الصفحة 500)مسألة 5 : لو اجتمع الحكمان على التفريق ليس لهما ذلك إلاّ إذا شرطا عليهما حين بعثهما بأنّهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرّقا ، وحيث إنّ التفريق لا يكون إلاّ بالطلاق فلابدّ من وقوعه عند اجتماع شرائطه1.
بضميمة الرّوايات الواردة في تفسيرها ، فتدبّر جيّداً .
هذا ، ولكن ذكر المحقّق في الشرائع : أنّ ما يشترطه الحكمان يلزم إن كان سائغاً ، وإلاّ كان لهما نقضه(1) . وهو يشعر بأنّ لهما الرّضا به ولهما نقضه ، مع أنّه غير معروف في الشرط غير السائغ ، وذكر في محكي المسالك ما يرجع إلى أنّه إذا اشترط الحكمان شرطاً نظر فيه ، فإن كان ممّا يصحّ لزومه شرعاً لزم وإن لم يرضَ الزوجان ، وإن كان غير مشروع لم يلزم ذلك بلا خلاف ، ثمّ إن كان الشرط ممّا للزوجين فيه التصرّف فلهما نقضه والتزامه تبرّعاً ، وإن كان غير مشروع أصلا ومنقوض في نفسه ، ويمكن أن يريد المصنّف بقوله : «كان لهما نقضه» مطلقاً الشامل للجميع الدالّ بمفهومه على أن لهما أيضاً إلتزامه بإلتزام مقتضاه ، بأن لا يتزوّج ولا يتسرّى تبرّعاً بذلك وإن لم يكن لازماً له بالشرط ، قلت : لا يخفى عليك ما فيه من خلاف الظاهر ، كما افاده في الجواهر(2) .1 ـ قد وقع التعرّض لأصل المسألة في الأمر السّابع من الأمور المتقدّمة ، لكنّ الذي ينبغي التعرّض له هنا أنّه إذا استقرّ رأيهما على التفريق مع الاستئمار والإشتراط ، حيث إنّ التفريق لا يتحقّق بنفسه بل بسبب الطلاق ، فلابدّ من وقوعه عند اجتماع شرائطه الّتي منها الخلوّ عن الحيض وعدم كون الطهر طهر
- (1) شرائع الإسلام : 2/339 .
- (2) جواهر الكلام : 31/219 .