(الصفحة 491)
ذلك ، ولا جناح عليهما(1) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله جلّ اسمه :
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً}؟ قال : هذا تكون عنده المرأة لا تعجبه فيريد طلاقها فتقول له : أمسكني ولا تطلّقني وأدع لك ما على ظهرك ، وأُعطيك من مالي وأحلّلك من يومي وليلتي ، فقط طاب ذلك كلّه(2) .
ورواية أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ :
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَت مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} قال : النشوز : الرجل يهمّ بطلاق امرأته فتقول له : أدع ما على ظهرك وأعطيك كذا وكذا ، وأحلّلك من يومي وليلتي ، على ما اصطلحا فهو جائز(3) .
ورواية زرارة قال : سُئل أبو جعفر (عليه السلام) عن النّهارية يشترط عليها عند عقدة النكاح أن يأتيها ما شاء ، نهاراً أو من كلّ جمعة أو شهر يوماً ، ومن النفقة كذا وكذا؟ قال : فليس ذلك الشرط بشيء ، من تزوّج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة والقسمة ، ولكنّه إن تزوّج امرأة فخافت منه نشوزاً أو خافت أن يتزوّج عليها فصالحت من حقّها على شيء من قسمتها أو بعضها فإنّ ذلك جائز لا بأس به(4) .
وغير ذلك من الروايات الّتي يتحصّل من مجموعها ما أفاده في المتن ـ بالإضافة إلى الحلّية للأزواج ما بذلت الزوجات ـ فيما لو ترك الزوج بعض حقوقها غير الواجبة ، أو همّ بطلاقها لكبر سنّها أو قبح منظرها أو سوء أخلاقها أو غير ذلك ،
- (1) الكافي : 6/145 ح1 ، تفسير العياشي : 1/278 ح282 ، الوسائل : 21/350 ، أبواب القسم ب11 ح2 .
- (2) الكافي : 6/145 ح3 ، التهذيب : 8/103 ح 349 ، الوسائل : 21/350 ، أبواب القسم ب11 ح3 .
- (3) تفسير العياشي : 1/268 ح281 ، الوسائل : 21/35 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب11 ح6 .
- (4) تفسير العياشي : 1/278 ح283 ، الوسائل : 21/351 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب11 ح7 .
(الصفحة 492)مسألة 4 : لو وقع النشوز من الزوجين بحيث خيف الشقاق والفراق بينهما وانجرّ أمرهما إلى الحاكم بعث حكمين ، حكماً من جانبه وحكماً من جانبها للإصلاح ورفع الشقاق بما رأياه من الصّلاح من الجمع أو الفراق ، ويجب عليهما البحث والاجتهاد في حالهما وفيما هو السبب والعلّة لحصول ذلك بينهما ثمّ يسعيان في أمرهما ، فكلّما استقرّ عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرّضا به بشرط كونه سائغاً ، كما لو شرطا على الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلاني أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها أو لا يسكن معها اُمّه أو أُخته ولو في بيت منفرد ، أو لا يُسكن معها ضرّتها في دار واحدة ونحو ذلك ، أو شرطا عليها أن تؤجّله بالمهر الحال إلى أجل ، أو تردّ عليه ما قبضته قرضاً ونحو ذلك ، بخلاف ما إذا كان غير سائغ كما إذا شرطا عليه ترك بعض حقوق الضرّة من قسم أو نفقة أو رخصة المرأة في خروجها عن بيته حيث
أو همّ بالتزويج عليها .
وأمّا لو ترك بعض حقوقها الواجبة أو فعل بعض المحرّمات كالإيذاء والشتم ، فبذلت له مالا ليجتنب عن ذلك ، أو تركت بعض حقوقها ليقوم بما ترك من حقّها أو ليمسك عن أذاها ، ففي المتن أنّه حرم عليه ما بذلت ، إمّا لأنّ أخذ العوض في مقابل فعل الواجب أو ترك المحرّم حرام ، كما وقع البحث عنه في المكاسب المحرّمة(1) من أنّ أخذ الأجرة على الواجب غير جائز ، وقد ناقشنا في الحرمة في كتابنا في القواعد الفقهيّة(2) ، فراجع .
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 14/9 وج15/125 وما بعد .
- (2) القواعد الفقهيّة : 1/509 ـ 533 .
(الصفحة 493)شاءت وأين شاءت ونحو ذلك1.
1 ـ قال المحقّق(قدس سره) في الشرائع : وهو ـ يعني الشقاق ـ فعال من الشق ، كأنّ كلّ واحد منهما في شقّ(1) . وقال في الجواهر : ولعلّ الأولى كونه من الشقّ بمعنى التفرّق الذي منه شقّ فلان العصا ، أي فارق الجماعة ، وانشقّت العصا أي تفرّق الأمر(2) .
وكيف كان فالأصل في هذه المسألة قوله تعالى في سورة النساء :
{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِن أَهْلِهِ وَحَكَماً مِن أهْلِهَا إِن يُرِيدا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}(3) . وقد ورد في تفسيرها روايات ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله عزّ وجل :
{فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها}؟ قال : ليس للحكمين أن يفرّقا حتى يستأمرا الرجل والمرأة ، ويشترطان عليهما إن شاءا أجمعا وإن شاءا فرَّقا ، فإن جَمعا فجائز وإن فرّقا فجائز(4) .
ورواية علي بن أبي حمزة قال : سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى :
{وَإنْ خِفْتُم شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابعَثُوا حَكَماً مِن أَهْلِهِ وَحَكَماً مِن أَهْلِهَا} فقال : يشترط الحكمان إن شاءا فرّقا ، وإن شاءا جمعا ، ففرّقا أو جمعا جاز(5) .
ورواية صحيحة لمحمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن قول
- (1) شرائع الإسلام : 2/339 .
- (2) جواهر الكلام : 31/209 .
- (3) سورة النساء : 4/35 .
- (4) الفقيه : 3/337 ح1662 ، الكافي : 6/146 ح 2 ، التهذيب : 8/103 ح 350 ، الوسائل : 21/348 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب10 ح1 .
- (5) الكافي : 6/146 ح 1 ، الوسائل : 21/349 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب10 ح2 .
(الصفحة 494)
الله عزّوجل :
{فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا}؟ قال : ليس للحكمين أن يفرّقا حتى يستأمرا(1) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ :
{فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها} قال : الحكمان يشترطان ، إن شاءا فرّقا وإن شاءا جمعا ، فإن جمعا فجائز وإن فرّقا فجائز(2) .
ورواية سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجل :
{فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها} أرأيت إن استأذن الحكمان فقالا للرجل والمرأة : أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتفريق؟ فقال الرجل والمرأة : نعم ، فاشهدا بذلك شهوداً عليهما ، أيجوز تفريقهما عليهما؟ قال : نعم ، ولكن لا يكون ذلك إلاّ على طهر من المرأة من غير جماع من الزوج ، قيل له : أرأيت إن قال أحد الحكمين : فرّقت بينهما ، وقال الآخر : لم أفرّق بينهما؟ فقال : لا يكون التفريق حتى يجتمعا جميعاً على التفريق ، فإن اجتمعا على التفريق جاز تفريقهما(3) .
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
وينبغي في بيان المراد من الآية الشريفة من التنبية على أُمور أكثرها مذكورة في المتن في هذه المسألة :
الأوّل : إنّ المراد من خوف الشقاق والفراق بينهما هو وقوع النشوز من الطرفين ،
- (1) الكافي : 6/147 ح5 ، الوسائل : 21/352 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب12 ح1 .
- (2) الكافي : 6/147 ح3 ، الوسائل : 21/352 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب12 ح2 .
- (3) الكافي : 6/146 ح4 ، التهذيب : 8/104 ح351 ، مستطرفات السرائر : 83 ح 23 ، الوسائل : 21/353 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب13 ح1 .
(الصفحة 495)
بحيث يخاف الحاكم الفراق بينهما بالخوف الّذي عرفت(1) معناه في آية خوف النشوز(2) . ولكن ذكر صاحب الجواهر(قدس سره) : أنّ المحصّل من الأصحاب في المراد بالآية إضمار الاستمرار ، بمعنى وإن خفتم إستمرار الشقاق بينهما ، أو كون المراد بالخوف العلم والتحقّق(3) . والظاهر ما ذكرنا كما في المتن .
الثاني : الظّاهر أنّ المخاطب بالبعث هم الحكّام المنصوبون لمثل ذلك ، بل في المحكي عن كنز العرفان(4) أنّه المروي عن الباقر والصادق (عليهما السلام) ، وفي المرسل المحكي عن تفسير علي بن إبراهيم ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل وامرأة في هذا الحال فبعث (عليه السلام) حكماً من أهله وحكماً من أهلها(5) . ولكنّ المحكي عن الصدوقين(6)وظاهر المحقّق في النافع(7) أنّ المخاطب الزوجان فإن امتنعا فالحاكم ، وغير خفيّ أنّه مخالف لظاهر الآية الشريفة في أنّ الخائف غير الزوجين اللّذين يتخوّف من وقوع الشقاق بينهما ، وليس إلاّ الحاكم المنصوب لمثل ذلك . نعم في صورة تعذّر الحاكم قام عدول المسلمين مقامه في ذلك .
ثمّ إنّه بملاحظة أنّ المخاطب هو الحاكم ، ومن الواضح عدم ثبوت علم الغيب له ، فلابدّ أن يُقال : بأنّ المفروض صورة انجرار الأمر إلى الحاكم من الزوجين ، وهل
- (1) في ص485 .
- (2) سورة النساء : 4/34 .
- (3) جواهر الكلام : 31/210 ـ 211 .
- (4) كنز العرفان : 2/213 .
- (5) تفسير القمي : 1/137 باختلاف يسير ، مستدرك الوسائل : 15/108 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب11 ح2 .
- (6) المقنع: 350، وفي مختلف الشيعة: 7 / 395 مسألة 54 عنه وعن أبيه في الرسالة.
- (7) المختصر النافع : 217 .